المشكلة ليست في التشخيص!


على مدار الأسبوع الماضي، اشتبكت في حوارات مع مثقفين وسياسيين أميركان حول مكانة أميركا في الشرق الأوسط، واتفقنا أولا على أنها مكانة متراجعة وأن الولايات المتحدة أصبحت قوة لا تُحترم ولا يخشاها أحد في منطقتنا العربية. وعرج بعضهم على طروحات ديفيد بيترايوس الأخيرة المتعلقة بتدهور مكانة أميركا في الشرق الأوسط وربط ذلك بعدم حل الصراع العربي الإسرائيلي.

لم أجد نفسي إلا متفقا معهم في كل ما ذهبوا إليه، وبل وأكثر من ذلك أفاد بعضهم أنه ليس بوسع أميركا تحسين وضعها على مستوى العالم إلا إذا تدخلت جديّا لتحقيق حل الدولتين ورعاية الحل حتى يترسخ على أرض الواقع، فأميركا التي تنفق أكثر من 700 مليار دولار على الدفاع سنويا قادرة على تخصيص جزء بسيط من هذا المبلغ لرعاية وتثبيت أي حل تراه مناسبا على المسار الفلسطيني، هكذا أفاد أحدهم.

في التشخيص، لم أجد نفسي أضيف إليهم كثيرا، إذ يرون أن تعنت إسرائيل ليس ناتجا عن تدهور الأمن الإسرائيلي المستهدف ولكنه ناتج عن عدم قدرة تل أبيب على المضي في مشروع السلام، فديناميكية القوة الإسرائيلية لا تسمح على الاطلاق باتمام صفقة تاريخية بين الأعداء. فالأمن يستخدم كذريعة أو سحابة دخان للتغطية على اصطفافات داخلية تصل إلى نهايتها لو أنها دُفعت للتعامل مع السلام.

الرئيس نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر كانا أول من أدخلا فكرة أن إسرائيل لا يمكن لها التقدم باتجاه السلام إلا إذا شعرت بأن أمنها مصان وما يتطلب ذلك من تفوق عسكري نوعي، وبالفعل بدأ الإمداد العسكري الكبير لاول مرة على أيام الرئيس نيكسون حتى يتمكن من دفع إسرائيل للسلام في اطار توجه أميركا لاضعاف السوفييت واخراج مصر من دائرة النفوذ الشرقي إن جاز التعبير.

أسوق كل ما سبق بعد الاستماع لما قاله مساعد وزيرة الخارجية أندرو شابيروا في معهد بروكينغز يوم الجمعة عن نيّة الإدارة الأميركية زيادة المساعدات العسكرية السنوية لتل أبيب، وأضاف أن الإدارة الأميركية طلبت من الكونغرس زيادة المساعدات الأمنية لإسرائيل لتصل إلى مليارين و775 مليون دولار للعام 2010. والسبب في طلب الزيادة- على حد تعبير مساعد الوزيرة الفصيح- هو أن ذلك سيساعد إسرائيل في اتخاذ قرارات «صعبة» في العلاقة مع الفلسطينيين مما يساعد الطرفين في التوصل إلى حل سلمي!

في السياق نتذكر وزير الدفاع الاشهر في تاريخ إسرائيل موشيه ديان عندما كان يقول: «تعطينا الإدارة الأميركية الكثير من المساعدات والنصائح، فنأخذ كل المساعدات وقليلا من النصائح». ومن دون فت وعجن، هذه هي المعادلة الناجزة في العلاقة بين المساعدات والضغط الأميركي على إسرائيل.

إذن، لا خلاف على التشخيص مع الكثير من الأميركيين، فمكانة أميركا في انحدار بسبب استمرار الاحتلال الاسرائيلي، كما أنني شخصيا لا أشك في ذكاء الأميركان في فهم ما يجري وأن الكثير مما يجري يلحق أذى بمصالح أميركا في الشرق الاوسط. لكن عندما تصل الأمور لمرحلة الفعل هنا تتجلى المفارقة بأبشع حالاتها وينقلب السحر على الساحر ولا يعود التشخيص مهما لأن اللعبة السياسية مُشكّلة باتجاه واحد: الدفاع عن إسرائيل أكانت على حق أم على باطل وعدم ممارسة ضغط على الكيان المدلل.



تعليقات القراء

أبو وطن
سيدي المفكر الأردني الدكتور حسن البراري أتمنى أن نتعلم من التاريخ من أجل المستقبل البعيد لأبنائنا ؛ فإذا كانت إسرائيل تأخذ المساعدات كاملة من أمريكا مع القليل من النصائح نجدنا نحن العرب نأخذ النصائح كاملة من امريكا مع القليل من المساعدات !! سلمت يا دكتور لوطنك و لنا جميعاً .
18-07-2010 10:26 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات