نحن امة نلعن الظلام


نحن امة نلعن الظلام, نحن امة نتقدم خطوة ونتراجع خطوتين كي نضـيء شمعـة, وبتنا نغضُ الطرف عن الحكمة القائلة: (لأن تضـيء شمعـة خيـر مـن أن تلعـن الظـلام), هذه الحكمة قرأناها صغارا ولم ندرك بعد مراميها الحياتية,..انها حكمة صينية قديمة لم تأتي من فراغ, وربما تعود لما قبل اختراع الكهرباء عندما كانت الشموع هي الوسيلة الوحيدة لطرد الظلام, وهنا اتذكرُ العديد من المرات التي كان ينقطعُ بها التيار الكهربائي في بيتنا, كنا نتصادمُ صغارا في بيتنا لا نرى بعضنا البعض ، وكنا نتهاوى الى الفراش خوفا من الظلام, هذه الحكمة الصينية تؤكد على أن أصغر فعل إيجابي بسيط نقوم به هو أفضل من مجرد التململ والتذمر بوجود مشكلة،..وهنا اسمحوا لي ان أروي لكم مشاهد واقعية لم يلعن اصحابها الظلام على الاطلاق ومضوا يُشعلوا شموع الكد والجهد دون خجل او وجل ودون تململ او تذمر.

الشمعة الاولى اشعلها رجل متقدم في السن يصحو مبكراً من النوم يوميا ولديه اعزكم الله حمارا يتجول به بين حاويات جبل (...) في العاصمة عمان ليجمع عليه بقايا خبز البيوت التي القيت بأكياس على حواف واطراف الحاويات,..يقوم هذا الرجل بتجفيف كسر الخبز هذه وطحنها ومن ثم بيعها لتجّار أعلاف للمواشي, الملفت للنظر ان لدى هذا الرجل فتاة / طالبة تدرس الصيدلة في احدى الجامعات الاردنية ويصرف عليها من هذا العمل الشريف. اما الشمعة الثانية فقد اشعلتها احدى السيدات في احدى مديريات التربية والتعليم والتي عملت بها فترة من الزمن, فقد كان هناك سيدة محترمة قامت بتأسيس جمعية تألفت من (20) عضوا في المديرية بقسط شهري لمنتسبي هذه الجمعية قيمته (100) دينار شهريا ليتم صرف هذه المبالغ كل شهر لاحد اعضاء هذه الجمعية على التناوب, الملفت للنظر ان هذه السيدة قامت بتدريس اربعة اولاد لها في الجامعات من خلال هذه الجمعية النظيفة.

الشمعة الثالثة والتي قام بإشعالها الشاب العشريني الذي كان يعيش في احدى مناطق ضواحي العاصمة عمان, هذا الشاب كان يصرف على اسرته والمكونة من سبعة افراد من خلال قيامه بجمع عبوات المشروبات الغازية المعدنية الملقاة بها على جوانب الطرقات ومن ثم بيعها لتجّار الخردة المختصين بها, الملفت للنظر ان هذا الشاب لديه مشروع خطبة وزواج من تعبه ومن عرق جبينه الطاهر. واكثر من ذلك الشمعة الرابعة التي اشعلتها سيدة ارملة كان لديها ثلاثة اطفال صغار وتسكن بالإيجار في مدينة قريبة من العاصمة عمان, وكانت تصرف هذه السيدة على هذه الاسرة من خلال عمل بيتي مأجور ومحترم,..فقد كانت تقوم هذه السيدة بإعداد الاكلات الشعبية لمن يطلبها من سكان تلك المنطقة وما حولها, بعد ان تُحضر لها السيدات المواد اللازمة لذلك الى البيت لتقوم بدورها بعملية الاعداد والطهي للأكلة الشعبية المطلوبة, يذكر ان هذه السيدة طُلب منها ذات يوم العمل في احد الفنادق الكبيرة في العاصمة للعمل فيها كطاهية ومعدة للطعام براتب معين, الا انها رفضت هذا العرض مبررة ذلك ان دخلها من عملها البيتي هذا هو ضعف الراتب المعروض عليها من الفندق, ثم تفضيلها التواجد بجانب اطفالها الصغار الايتام عبادة على حد تعبيرها.

بقي ان نقول: هناك بشر في هذا المجتمع لا يعجبهم العجب ولا حتى الصيام في رجب كما يقال جالسين يلعنون القدر, فهم لا يعملوا ولا يسمحوا لغيرهم بالعمل (معيقين للعمل), يضعون العصي في الدواليب كي لا تعمل, هؤلاء العاجزين جالسين للنقد فقط,..تأفف وتذمر هؤلاء لن يوقف دوران الارض حول نفسها ولا حتى حول الشمس, ولن يؤخر شروق الشمس وغروبها, ولن يعطل أدوار القمر وأطواره, فهم يلعنوا الظلام ويلعنوا الذين يشعلوا الشموع, عند هؤلاء لن يكون للجاذبية اية قانون.

يقيننا ان ايقاد شمعة لن يطرد ظلمة الليل كل الليل, لكنه سيعطينا فرصة الابصار لما هو حولنا ولو للحظة واحدة, وهي كافية للعمل والعيش بكرامة, وكسب المال الحلال الطاهر النظيف والخالي من الشوائب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات