ايهاب سلامة يكتب : قانون الملقي والرزاز .. الشيخ واحد وهذا الفارق الوحيد


جراسا -

من الواضح أن قانوني ضريبة الدخل لحكومتي الملقي والرزاز، قد تمت صياغتهما عند شيخ واحد، مع فارق أن الأولى، لطمت به الأردنيين على وجوههم دفعة واحدة، وباغتتهم به، وأسقطته على رؤوسهم، ولم تكترث بهم، ولا بردود أفعالهم .. فيما الثانية، حقنت به الشارع على جرعات، وشاورت به من شاورت، لكنها، أعادت انتاجه واستنساخه، مع فوارق لا تشكل اختلافاً جوهرياً.

على حكومة الرزاز، أن تتعلم درس قانون ضريبة الدخل، من حكومة الملقي، حتى لا تكرر تجربتها التي أوصلت الشارع إلى حافة الإنفجار، بعد أن فشلت مبرراتها، وأسقطت من حساباتها ردود الفعل، معتقدة أن المواطن الذي صمت على عشرات السياسات والقرارات الإقتصادية الصعبة، سيكتفي بتفريغ احتقاناته وانفعالاته على مواقع التواصل، لتتفاجىء أن الناس الذين خرجوا عن طورهم ، خرجوا كذلك إلى الدوار الرابع، وحاصروا القانون حتى أسقطوه، وأسقطوها.

قانون ضريبة الدخل وتبعاته، هو من جاء بحكومة الرزاز إلى الدوار الرابع، وربما يخرجها منه، إذا ما اعتقدت بأن المسوغات التي طرحتها، واللقاءات التي أجرتها، كافية وكفيلة، بتمرير القانون على المواطنين المثخنين الذين ما عادت الخطابات الشعبوية تنطلي عليهم، وكان من الواجب عليها، أن تكاشف الناس، بالدوافع الفعلية الحقيقية التي تضطرها هي أو أي حكومة غيرها، لانتهاج منظومة جديدة لفرض الضرائب، واتخاذ القرارات الاقتصادية الصعبة، لا أن تكتفي بذات الكليشيهات التي بررت بها سالفتها مشروع قانونها.

ومع ذلك، يتوجب أن نطرح ما تتهرب الحكومة من الإجابة عنه بشكل مباشر .. هل الحكومة مضطرة فعلاً، لتعديل قانون ضريبة الدخل، كأحد الحلول التي لا مناص منها، لضبط حسابات الدولة الإقتصادية، وتعزيز إيرادات الخزينة، للإسهام بالخروج من الضائقة الخانقة، أم أن رفع الضريبة ترف، وسط بحر من الحلول الاقتصادية التي قد تكون خفية على أعينها وأعيننا ؟!

الجواب العريض، نعم، لكنه لا يقنع أدمغة المواطنين الذين يضعون على حساباتهم قائمة مطلبية، ويرون أن على حكومات بلادهم تنفيذها قبل اللجوء إلى جيوبهم، منها : إغلاق ملفات الفساد العالقة، بمحاكمة مرتكبيها، واسترداد ما نهبوه، وإلغاء أو دمج الهيئات المستقلة التي يحمّلونها وزر استنزاف ارقام فلكية من الموازنة، وأيضاً، تخفيض نفقات المؤسسات الحكومية إلى أقصى حدودها، عبر الإستغناء عن إكسسوارات المسؤولين الفارهة، ومصاريف مخصصاتهم الباهظة، وتخفيض رواتبهم، إضافة إلى ترسيخ العدالة الإجتماعية، وتحقيق تكافؤ الفرص، وابتكار حلول خلاقة لخفض فاتورة الطاقة التي تبتلع ثلث الموازنة، عبر استحداث مشاريع طاقة بديلة، وخامساً وعاشراً، إغلاق ملف الصخر الزيتي الذي يستهلك ذرائع شعبية كبيرة، بإعلان عدم جدواه نهائياً، أو العمل عليه، بشكل جاد ومجد وانتهينا، الخ ..

الحكومة بيّنت أسبابها الموجبة لتقديم مشروع قانون ضريبة الدخل ، وعللت فيه أن إعادة هيكلة الضريبة، تأتي لتعزيز الاستقرار الإقتصادي، وتحفيز النمو، وتوزيع العبء الضريبي تصاعدياً، حسب دخل الأفراد، بما يعزز العدالة الإجتماعية، ويرفع مستوى الخدمات العامة.

كان الأجدى بحكومة الرزاز، أن تخاطب عقول الأردنيين، وتبلغ وعيهم، وتعلن دون مواربة، ان لجوءها لرفع ضريبة الدخل، شر لا بد منه، وأنه احدى أوراق الحلول القليلة الشحيحة التي تمتلكها الدولة الأردنية، للإسهام بالخروج من مأزقها الاقتصادي، وأن تكاشف المواطنين الحريصين على وطنهم، بأن الأوضاع السياسية الإقليمية الراهنة التي تلقي ظلالها على الواقع الإقتصادي الأردني، من أكبر التحديات التي مرّت وتمر بها الدولة الأردنية التي تتعرض لضغوط خارجية قاسية وبالغة التعقيد ، من رفع دول شقيقة يدها عن المملكة، لتبعات اللجوء الضخمة التي تحملها الأردن وحده طيلة سنوات سبع عجاف من الحرب السورية، لتضييق الخناق الإقتصادي الدولي، كي نرضخ لاملاءات إنتاج حقبة سياسية لا أخطر، تترصد المنطقة بمن فيها وعليها.

تعديل قانون ضريبة الدخل، اذا ما أنصف الطبقة الفقيرة المسحوقة، فلا غضاضة فيه، والمنطق والعدالة تقولان، أن الطبيب مثلاً، الذي يجري عمليات جراحية بعشرات الآف الدنانير شهرياً، يتوجب عليه دفع ضريبة دخله .. والمهندس والمقاول اللذان ينفذان مشاريع إنشائية وإسكانية بمرابح خيالية، يتوجب عليهما أيضا دفع ما عليهما لخزينة الدولة .. للمحامي والصائغ والتاجر، والمسؤول الذي يتقاضى رواتب تتجاوز مداخيل عشرة موظفين من الفئة الثالثة ، يتوجب اقتطاع ضريبة من رأس دخله.

المثير للسخرية، بأن أفراد الطبقة المسحوقة ذاتهم الذين خرجوا الى الشارع قبل أشهر، لم يكن مشروع قانون ضريبة الدخل يشملهم !، بل استهدف بالدرجة الأولى، من حركوهم وقادوهم، من أعضاء نقابات النخبة، أطباء محامون مهندسون مقاولون، إلخ.. ممن تعتبر شريحة كبيرة منهم، من ذوي المداخيل المرتفعة، التي تلزمهم بتسديد ضرائبهم، إلا أن «الفقراء» حينها انتفصوا، و«ثاروا» خلف «طبقة البرجواز»، ليسقطوا عنهم ضريبتهم !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات