زيارة الى متحف المشير حابس باشا المجالي


عندما نفتش في كتب التاريخ، أو في أرشيف الوطن، نبحث عن رجال صنعوا المجد، وخلدهم التاريخ، ونقش أسماءهم بأحرف من نور، لا يمكن أن يخطر على بال الباحث في ذلك الوقت إلا أسماء قليلة تكاد تُعد على الأصابع، من هذه الأسماء التي خلدها التاريخ الحديث معالي المشير حابس باشا المجالي، ليس لأنه أحد أبناء رفيفان باشا المجالي، وليس لأنه ولد في السجن فاكتسب الصلابة، والقوة، وليس لأنه من أبناء عشيرة قدمت الأبطال والشهداء والجرحى فداءً للوطن، إنه فوق كل هذا وذاك الرجل الذي استطاع أن يهزم القوات الإسرائيلية في معارك القدس هزيمة نكراء لا يمكن أن تنساها إسرائيل، وستبقى معارك الكتيبة الرابعة مسطرة في سجل الشرف والبطولة والفداء.

المشير حابس المجالي خرج من بيت عز، وفخر، ورجولة، فأمه ابنة فارس باشا المجالي، ووالده رفيفان باشا المجالي زعيم الكرك وحاكمها الإداري، وُلد عام 1914وكانت ثورة الكرك الكبرى ضد الأتراك التي بدأت تحت إسم هية الكرك، حيث ثار الشعب ضد التعسف والظلم عام 1910 إذ بالإضافة إلى نظام السخرة، وفرض الضرائب؛ تحول الأردني إلى مجرد رقم في الجيش التركي، والتحق في قطار الموت إلى المناطق البعيدة، والموحشة والتي يخيم عليها شبح الموت من البرد، والثلوج، وظلم الإتراك في الأناضول، وجبال القفقاس، والقرم حيث الجوع والخوف والرعب والموت في نهاية المطاف ودون نتيجة.

درس في مدرسة السلط الثانوية وتخرج فيها، وفي عام 1932 التحق في صفوف القوات المسلحة، وعمل في مختلف التشكيلات، مثل سلاح الفرسان، وفيما بعد مرافقاً للملك عبد الله الأول، وكان الملك المؤسس عينه مساعداً لمدير الأمن العام، وفي عام 1957 عينه الملك الحسين طيب الله ثراه رئيساً لأركان القوات المسلحة برتبة أمير لواء.

وتدرج في المناصب العسكرية الى أن أصبح القائد العام للقوات المسلحة، وحمل رتبة مشير وهي أعلى رتبة عسكرية في تاريخ الأردن، ومن نافلة القول أن المغفور له الملك الحسين بن طلال منحه مكرمة ملكية وفق نظام خاص أُطلق عليه: نظام المشير، سمح له بالتمتع بامتيازاته الوظيفية حتى وهو خارج الخدمة العسكرية، وذلك تقديراً لإنجازاته، وخدمته للوطن والعرش.

يُعد المشير حابس المجالي قائد الكتيبة الرابعة ومؤسسها؛ أحد أبرز ضباط الجيش العربي الذين تتحدث عنهم ساحات البطولة في القدس، حيث استطاع ومن خلفه كتيبة قوامها 1200 عسكري هزيمة الجيش الإسرائيلي المسلح بأحدث أنواع الأسلحة، والمدرب لمثل هذا النوع من القتال، جيش وصل عدده في ذلك الوقت الى 6500 عسكري إسرائيلي، وأن يوقع فيهم خسائر في الأرواح والمعدات ما لم تخسره إسرائيل ربما في جميع حروبها مع العرب.

انهزمت إسرائيل بعد موجات هجومية منظمة على الجيش الأردني في القدس، وكانت قواتنا الباسلة لا تملك الأسلحة الفتاكة، وليس لديها إلا عزيمة المقاتل العنيد صاحب الحق على أرضه ومقدساته، وعقيدة قتالية لا يتمتع بها إلا الجندي الأردني، وما النصر إلا من عند الله جل وعلا.

العدو الإسرائيلي اعترف بالهزيمة النكراء، وقال شارون وغيره من الضباط اليهود بعد المعركة إن خسارة الجيش الإسرائيلي بلغت حوالي 2000 قتيل بالإضافة الى ألف جريح في معركة كان يقودها حابس المجالي وقواته كانت ما بين 800 الى 1200 عسكري أردني.

في المعركة البطولية التي وقعت على أرض القدس الشريف؛ وصل عدد الشهداء من قواتنا المسلحة 20 شهيداً وبضع عشرات من الجرحى.

حصل المشير حابس المجالي على عدد من الأوسمة الملكية، كان من أبرزها: وسام النهضة من الدرجة الأولى، ووسام النهضة المرصع، ووسام الكوكب الأردني، وغيرها من الأوسمة والميداليات العسكرية تقديراً لدوره وإنجازاته في المواقع التي خدم الوطن من خلالها، وظل عضواً في مجلس الأعيان الى أن توفاه الله عام 2001 بعد تاريخ حافل بالإنجازات والمعارك البطولية على أرض القدس الشريف.

قمنا بزيارة الى متحف المشير حابس باشا المجالي، وتجولنا في البيت الذي سكنه سنوات طويلة قبل أن يتم تحويله الى متحف، ويقع بالقرب من دوار الداخلية، ويشرف على المتحف أمانة عمان الكبرى، وقد التقينا بعض الموظفين حيث قدموا شرح تفصيلي عن تاريخ المتحف، والإنجازات التي تحققت منذ تسلم الأمانة بيت المشير وتحويله الى متحف ينبض بالحياة.

بصراحة؛ كانت جولة مثيرة للاهتمام، اطلعت على مقتنيات، وصور في غاية الأهمية، وأتمنى أن يشاهدها المواطن الأردني، ويطلع على تاريخ مشرف لأحد قادة الجيش العربي، كما أن القائمين على المتحف لديهم استعداد لاستقبال طلاب المدارس والجامعات ليتعرفوا على جزء مهم من تاريخ الوطن منذ بداية التأسيس في عهد الملك عبد الله الأول، مروراً بعهد الراحل الكبير الحسين بن طلال، وصولاً الى عهد الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المفدى.

ومن هذا المنبر أتمنى على وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الثقافة، أن تعمل على تأمين زيارات ميدانية للطلاب بالاتفاق مع أمانة عمان الكبرى، ومديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة، وتعميمها على مدارس المملكة للتعريف بتاريخنا المشرف، وتضحيات الجيش العربي في معارك الشرف والفداء.

في نهاية المقال لا يسعني إلا أن أشكر الجنود المجهولين من أبناء أمانة عمان الكبرى الذين يقومون بالإشراف على متحف المشير حابس المجالي، ويقدمون صوراً مشرفة بالصوت والصورة، ولولا أن منعوني من ذكر أسمائهم لفعلت، لذلك لهم مني ومن وكالة نيرون كل التقدير والاحترام، والدعم الإعلامي لكي يواصلوا جهودهم في متحف المشير وغيره من المتاحف والمراكز الثقافية والإبداعية التابعة للأمانة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات