نظرة اليأس والتشاؤم الى المستقبل


من الناس من ينظر الى الغد ويفكر فيه، ولكنها نظرة المتشائم، الذي يضع على عينيه غشاوة سوداء، ينظر من خلالها الى الحياة والناس والزمان والمكان، فهو يؤوس قنوط، فقد الثقة بالغد والامل في السعادة، قد استقر في نفسه ان الامور تسير من سيء الى الاسوأ، وان الحياة ليل لا يشقه فجر، ولا يمحو ظلامه شمس، وهذه نظرة محطمة هدامة للانسان نفسه، ومن ثم للحياة والمجتمع من حوله.

ان حياة الانسان من غير شعاع الامل اضيق من حلقة الخاتم، بل من سم الخياط، وقديما قال الشاعر: «ما اضيق العيش لولا فسحة الامل»، كما ان حياة المجتمع بدون الامل حياة جامدة ميتة لا روح فيها ولا حراك.

ان الدين والتاريخ والواقع كلها تعلمنا انه لا معنى للحياة مع اليأس، وان مع العسر يسرا، وان بعد الليل فجرا، ومن صور اليأس ومظاهر التشاؤم، ما آمن به كثير من الناس اننا اليوم في اخر الزمان، وان علامات الساعة قد ظهرت، وان الخير في زوال، والشر في اقبال، وان التدين يخبو مصباحه يوما بعد يوم، وان الكفر سيعم الكون، واذن لا أمل في علاج، ولا رجاء في اصلاح.

ليس الامر كما فهم المتشائمون بنظرهم السطحي، وفهمهم القاصر، فان ما ورد في نصوص الدين من قرب قيام الساعة، وظهور علاماتها البعيدة، لا يعني انها على الأبواب فان القرب والبعد كلاهما امر نسبي، ومن يدري لعل بيننا وبينها آلافا من السنين لا يعلمها إلا الله، ولعلها اقرب مما نتصور! والقرآن الكريم لم يزد على أن قال: لعل الساعة تكون قريبا وبعثة الرسول الكريم نفسها من علامات الساعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«بعثت أنا والساعة كهاتين.. وشبك بين السبابة والوسطى».

ان القعود عن العمل لاحياء شريعة الاسلام، انتظارا لقيام الساعة، واعتمادا على أننا في اخر الزمان، امر ينكره الدين اشد الانكار، فان المسلم مأمور بالعمل ما دام فيه عين تطرف، وهذا الامر من رسول الله الكريم حين قال:«ان قامت الساعة وفي يد احدكم فسيلة، فان استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها»، حتى تلفظ الحياة نفسها الاخير، ان العمل مطلوب في حد ذاته، ولو لم يحقق ثمرة عاجلة لصاحبه، فان حققها فقد فاز، والا فحسبه انه جاهد وسعى، وادى الواجب، واعذر الى الله، واقام الحجة على المخالفين، فلا عذر لهم عند الله تعالى.

ان الاسلام يكرم العمل، لذات العمل، انتفع بثمراته احد ام لم ينتفع، وهذا اشعار واضح بان الانسان المسلم لا يدع عمارة الارض. والانتاج للحياة، ولا يكف عن العمل والعطاء ما دامت الحياة قائمة، وانه لا يجوز ان يعيش بغير عمل لحظة من عمره، ان غرس الفسيلة في مثل هذا الموقف يمثل القيام بحق الوقت الحاضر حتى اللحظة الواقعة، بغض النظر عن الماضي او المستقبل.

وعلى قدر ما يكون لعمل الانسان من الفائدة والتأثير في حياة الاخرين تكون قيمته ومنزلته، كأن يدلهم على هدى، او ينقذهم من تهلكة، او يفرج عنهم كربة، او يرفع عنهم ظلما، وهذه نظرة المتفائل لنفسه وللاخرين، انه يحصد النجاح في حياته وثمرات نجاحه تنعكس ايجابا على واقع امته ووطنه، اما من كانت نظرته للحياة نظرة تشاؤم سوداء، فلا يحصد الا الندم، وسيعيش هذا حزينا معزولا عن عقل وجسم امته، بعيدا عن فهم نفسه الامارة بالسوء، وهذا الانموذج سيلغى من سجل الاحياء غير مأسوف عليه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات