خواطر خاطفة عن فيلم أميرة حبي أنا


أنه فيلم من وحي الخيال يقدمه فنانين و عمالقة كبار في العالم الفني بمصر، و هو من إنتاج سنة 1975 بحسب ما ورد بموقع elcinema.com على الإنترنت، فيه عطر جميل من زهر جنان فن الزمن الجميل حيث بساطة الحدوتة المصرية و الإخراج المبدع الذي يرتكز على وجدان نكهة مصرية فنية مميزة تأسر المشاهد ببساطتها و فرادتها، فأميرة حبي انا عابق بسحر (مع حفظ الالقاب) سعاد حسني و جمالها الأسطوري بسنين شبابها و الذي أسر الملايين حول الوطن العربي و في مصر...و موهبتها الغنية التي استطاعت بواسطتها تقديم شخصية أميرة، و هي شابة من الطبقات المكافحة تستلم وظيفة في شركة كبيرة يمتلكها رجل اعمال ذو نفوذ قوي بمصر اسمه شرارة النحال (عماد حمدي)، و تكتشف مع مرور الايام أن الشركة تتمتع بأجواء مهنية جافة بغياب فرقة للتمثيل المسرحي بالرغم من وجود مواهب و كوادر تستطيع تقديم أفضل العروض الناجحة، فهذه المواهب تحتاج لمايسترو متمكن لينظم أمرها و عروضها، فتمضي أميرة الشابة البريئة بقلبها الطاهر في وظيفتها و في تنظيم أمور العروض المسرحية في الشركة و لكن لتتعرف بعد فترة بسيطة على عادل نجيب (حسين فهمي)...مدير عام الشركة و رجل مكروه من معظم موظفيها نظرا للمعاملة الجافة التي يتعامل بها مع الموظفين، فيحصل بينهم اصطدام غير سار لنتعرف على معضلة صعبة يعيشها عادل و تسبب له المناخ الجاف بحياته و التعب الكبير...فهو متزوج من ابنة صاحب الشركة أماني النحال (سهير البابلي)، و تبين لنا المشاهد المتعاقبة في هذه الرواية الرومنسية الحالمة كم أن حياته جحيم مرير بسبب انعدام الحب و المعاملة الطيبة و التفاهم بينهما، فأماني سيدة متكبرة من الطبقة الأرستقراطية، و قد تزوجها عادل بدوافع المصالح الشخصية ليستلم منصب رفيع المستوى بالشركة...كُبْري لِيَعْبُرْ بواسِطَتِهِ الى عالم النجاح، فنتعرف على صفة سلبية جدا في داخل هذه الشخصية التي تعيش حياة مليئة بالمشاكل مع اماني، بل حياتهما الزوجية عبارة عن بركان ثائر يكاد لا يرى استقرار ليوم واحد مما يسبب لعادل المزاج السيئ و يدفعه لمعاملة زملائه بالعمل بصورة جافة جدا...و يبقى هذا حاله الى ان تدخل أميرة الى مكتبه...الى ان يراها و يرى جمالها الفتان فتبدأ الأمور بحياته بالتغير...و تبدأ هنا قصة حب حقيقية في حياته ليأخذ الفليم منحى درامتيكي مثير جدا...إذ يقع عادل في حب أميرة من النظرة الأولى...

أميرة حبي أنا فيلم مميز جدا ليس فقط بحبكته التي ترينا كم أن حب المصلحة عمره قصير، فحتى و ان طَغَتْ دنيا المصالح على حياتنا فإنها تتقهقهر امام لحظات الحب الدافئة و دقات القلوب المتيمة ببعض...امام المشاعر و الأحاسيس و دفئ العلاقة التي تجعل القلوب تنطق بلغة الغرام الساخنة...فبين علاقة المصلحة التي تربط عادل بأماني من جهة و رغباته الملتهبة بحب أميرة التي دخلت حياته و اشعرته بإنسانيته من جديد من جهة ثانية يخسر قلبه المعركة بسهولة مع أماني و يبني علاقة حب متينة مع اميرة...فإنسانيته تسرخ لها من بين ثنايا علاقة زواج فاشلة حولته الى شبه إنسان ينبض قلبه من دون اية مشاهر مرهفة...ليلتقط انفاسه مع أميرة المرأة التي شعر بأنه احبها بصدق،

يتمتيز هذا الفلم بالعديد من الأمور...فنرى المخرج الراحل حسين الإمام يستخدم ميزة التباين الى مداها الدرامي بصورة رائع في هذا العمل، فنرى فشل العلاقة بين عادل و أماني و إلتهابها بالمشاكل و قلة التفاهم من جهة...و كم أَثًرَتْ على شخصية عادل المهنية و أشعرته بالإحباط...و كم علاقته بأميرة أنعشت فؤاده بالعاطفة و الحب و اللحظات السعيدة و كم نجحت هذه الشابة برسم السعادة و الهناء في حياته....مشاكل تستعر بحياته من جهة و غزل و قبل ساخنة بينه و بين اميرة من جهة...لوحة اخراجية تعملق بها الكادر الإخراجي لهذا العمل الكبير رسمتها تعاسة و قلة إستقرار عادل مع أماني و لغة حب و عشق ملتهبة و مشاهد حميمة بثت في عادل الروح من جديد...ما ارقى هذه الزخرفة الإخراجية الراقية من مارد اسمعنا لغة حب جميلة جدا بهذه الدراما السينمائية الجميلة. و لا يسعني إلا و أن اقول كلمة صادقة بحق المشاهد المسرحية و اللوحات الراقصة بهذا العمل...

اضفت اللوحات الراقصة و الغنائية بهذا العمل جميعها قيمة جمالية فريدة من نوعها...فكانت تأتي بأوقات متنوعة في الفيلم اختلفت به أجوائه و مشاعر أبطاله من حزينة الى فرحة الى متوترة و ايضا مشاهد مسرحية تختص بـ "شهرزاد" التي قدمتها الفرقة و أبطال الفيلم مشكورين جزيل الشكر، و بالرغم من دقائقها البسيطة إلا أنني شاهدت أداء مسرحي بشهرزاد راقي جدا، فأتى بوقت شهدت به علاقة أميرة و عادل توتر كبير، فقد نجح شرارة النحال كعادته برشوة عادل بترقية ادارية كبرى لكي لا يطلق ابنته اماني، مما جعله يتخلى عن وعده لأميرة بالإنفصال عن هذه العائلة و إلتزامه بايجاد عمل مستقل بواسطة مؤهلاته، فكانت مسرحية شهرزاد الرائعة و كانت بطلتها أميرة...و قدمت دور البطلة و هي حزينة و مكسورة الخاطر مما فعله زوجها، فأتت بعض من كلمات الملكة شهرزاد في المسرحية كعتب لعادل على ما فعله حينما غنت الملكة شهرزاد لأحد جنودها بالمسرحية "امسك يا شاطر سيف أبوية بإيدك تستاهل الترقية الله ايزيدك"، و كأنها صفعة أدبية من أميرة لعادل على ترقيته الجديدة، فأعجبني هذا اللعب على الكلام حيث كان حركة ذكية في هذه المشاهد الفيصلية من علاقة عادل بأميرة...و أثني ايضا جزيل الثناء على اغنية الدنيا الربيع بكلماتها البسيطة و الجميلة التي باتت بنفس شهرة اغاني أم كلثوم و عبد الحليم حافظ و حتى ارقى الاغاني في التراث الغنائي المصري المعاصر، فقد توارثت الأجيال المتعاقبة في المنطقة العربية منذ سنة انتاج هذا الفلم هذه الأغنية لتعكس شهرة سعاد حسني الضخمة بالوطن العربي و ادائها الذي فاق كل وصف و مديح ممكنا و مذكور بالمعاجم العربية على الإطلاق...فهذه العملاقة الفنية بموهبتها الغنية قدمت شخصية مركبة بروعة بين شخصية أميرة و الملكة شهرزاد و قدمت بكل قدرة اللوحات الغنائية بصوت حلو جدا...و قدمت المشاهد المثيرة بينها و بين عادل لتضفي جانب واقعي درامي بث روح رومنسية رائعة بهذا العمل. فالقيمة الدرامية لهذا العمل كانت ملموسة جدا لأنه تمتع بأكثر من ميزة نجاح جذبت المشاهد له...تقديم الحبكة بصورة اخراجية ناجحة لا تستخف بذكاء المشاهدين عن طريق التباين كما ذكرت بين علاقة اماني و عادل من جهة و عادل و أميرة من جهة...و وجود مشاهد راقصة و غنائية كتب كلماتها و لحنها شخصيات محترفة جدا في مهنتها مما قدم للعمل اللحن الجميل و الكلمة الجميلة...و أداء محترف لمناظر الحب في العمل مقنعة جدا...هذه هي السينما حينما نستخدم امكانيتها الى اقصى حدودها فتعطينا العمل المتكامل الذي سيخلد ذكره في الأرشيف الدرامي و في ذهن الناس من حيث الدراما و الإخراج و الموسيقى و السيناريو و الحوار و بنكهة مهنية ممتازة...و لا ننسى المشاهد الكوميدية الذي قدمها الفنان الكبير سمير غانم بهذا العمل فبالرغم من أنه لم يكن ممثل رئيسي في هذا الفلم بل كان ممثل مساعد بدور طاهر حموده إلا أن خفة دمه بهذا العمل لا يمكن نسيانها...كان المخرج يكسر ايقاع الفيلم الدرامي بصورة ناجحة بشخصية طاهر حينما كان يلزم لكي يريح المشاهد من ربما اجواء درامية حزينة متعاقبة او ربما حينما كان يريد كسر الإيقاع الدرامي في الفلم لتغير الأجواء قليلا ببعض الفكاهة الضاحكة ...

كلما أشعر بوجود أعمال تتجه اكثر فأكثر نحو تقديم رؤية العمل المتكامل اشهر بالفخر من السينما العربية...فمصر لديها الخبرة الفنية الكاملة لتقديم أعمال بهذا المستوى الراقي...فهنالك الكثير من الملحنين و الشعراء الذين يستطيعون تقديم الأغنية المطلوبة للفيلم الدرامي و بسبب هذه الخبرات المتراكمة عبر التاريخ الدرامي... فن الزمن الجميل يحتوي على الفيلم الروائي الطويل الذي قدم شتى اللوحات الموسيقية و الغنائية و بصورة ناجحة جدا...و من ذاكرتي المتواضعة أذكر على سبيل المثال لا الحصر : اوبريت بساط الريح لخالد الذكر فريد الأطرش من فيلم آخر كدبة سنة 1950...اغنية معانا اريال للراحلة فيروز و خالد الذكر أنور وجدي في فيلم ياسمين من انتاج سنة 1950...أغنية حبينا للفنانة الرائعة مرفت مين و الراحل فريد الطرش من فيلم نغم في حياتي...و لا ننسى اللوحات في الرقص الشرقي الساحر الذي كانت تقدمها الراحلة سامية جمال في الأغاني في أفلام زمن الفن الجميل...شتى الفنون الأدائية كانت حاضرة عبر العقود السالفة في الافلام الروائية الطويلة في أرشيف الدراما العربية و المصرية لتقوم نهضة كبرى في هذا المجال بالوطن العربي لم تنطفئ الى يومنا هذا...و لعل فيلم اميرة حبي انا هو واحد من هذه الأعمال الناجحة الذي يدين لسعاد حسني بالكثير لإنجاحه بروح موهبتها و اسلوبها بتقديم دور البطلة فيه...

لا شك أن قدر أميرة يقسو عليها حينما تعرف اماني و والدها الباشا بزواج عادل بأميرة...فيرتكب شارارة النحال حماقة بحق أميرة و يطلب من بعض الموظفين الإفتراء عليها و تلفيق لها تهمة سلوك منحرف اثناء تأدية مهامها الوظيفي...فنرى هذه العائلة الأرستقراطية تكشر عن انيابها بوجه أميرة الموظفة المسكينة المنحدرة من عائلة فقيرة. و لكن بالمقابل نرى أميرة تقف بوجه النحال بصلابة و تواجهه بالتهم التي يحاول تلفيقها لها، و نرى عادل يفك عن ذراعيه اغلال نفوذ شرارة النحال الكاسر و تتم مواجهة بينهما في الشركة يقول بها عادل الكثير لهذه الشخصية التي حاولت شراءه كزوج لإبنتها لا أكثر و لا اقل...و ينتهي هذا الفيلم بزواج عادل و أميرة معا...

حاولت أن أسلط الضوء على هذا العمل بصورة خاطفة لأنني تاثرت به و بما قدمه من قيمة فنية رائعة، و لعلني بقمة خيبة املي من أن السينما في مصر تشهد انحدار مهني لا مثيل له في هذه الأيام فلم نعد نستمتع بعنفوان روح سينما ايام زمن الفن الجميل...و لعل وجود بعض التحديات قد أبطئ من زخم الإنتاج بهذا القطاع...و لكنني على يقين بأن لا شيئ مستحيل امام الإرادة و النية إن وجدت...فهذه الحركة يجب أن تبقيها الدولة و شركات الإنتاج في القطاع الخاص بالقاهرة على قيد الحياة...و لا يجب أن يصيبها الشلل إطلاقا مهما تكون الأسباب...فهذه الفنون ساكنة في الوجدان الإنساني و للقاهرة باع طويل في صناعة الفيلم و لدى ابناءها حرفية تحتاج الكثير من الدول العربية الآخرى لسنين طويلة لكي تصل الى مستواها...فإن حصل توقف بهذا القطاع ستكون عواقبها وخيمة على الوطن العربي و على المسيرة الثقافية...هنالك صعوبات بالتمويل و هنالك السرقات التي تتم بدور العرض بهذه الايام بفضل وجود الموبايلات المتطورة التي تستطيع تصوير هذه المواد...و هنالك ربما مشاكل في تسويقها...ربما هنالك أكثر من عامل يقف في وجه المنتيجين...و لكن في بعض الأحيان المسؤلية الجسيمة تحتم علينا أن نخلق الحلول...لكي تبقى الفنون حاضرة في ديارنا...

و أخيرا و ليس آخرا ماذا سيكتب المرء من نقد عن هذه التحفة الفنية...فحتى إذا حاولت ذلك ستتحول كلمات النقد الى مديح حينما سينسكب الحبر من قلمي على ذكر الراحلة سعاد حسني...حينما ساحاول وصف عنفوانها و هي خلف الكاميرا...حينما سأتذكر خفة دمها و هي تؤدي أدوارها في غياهب زمن رفض ان ينسى هذه الاسطورة الرائعة...فستهرب كلامات النقد من جمال ابتسامة شفاهها و ستدمع العين على ذكراها و على عصرنا الذي افتقدها و افتقد ضحكاتها الحلوة و الى ممثلات معاصرات فشلوا تمام الفشل بتقديم ربع ما قدمته الراحلة سعاد حسني...اي نقد سيكتب عن إنسانة خُلِقَتْ لتكون خلف الكاميرا الدرامية و نقلت السينما الى عصر ذهبي من النجاج خطت فيه للمرأة امكانية النجاح الراقي بالعالم الدرامي...فعذرا يا نقد فشعرت انك ستركع وقارا لأول مرة أمام هذه الأسطورة التي فقدناها و لن يأتي مثيل لها...بل لأول مرة أشعر بأنه حتى لو كتب الله سبحانه لهذه الإمرأة الساحرة بوجدانها و شخصيتها و فنها الرائع أن تعيش الى ايامنا لن تجد شيئ لتقوله عنها و عن فنها...بل ستروضك هذه الفنانة لأنها كانت و ستكون أجمل عطايا الزمن الى عالم السينما المصرية و العربية...رحمكِ الله سعاد حسني...فأكتب هذا العمل و هذه الكلمات هدية الى روحك الطاهرة...و لكي أُذَكِرْ الجيل الصاعد في السينما العربية بأن في ارشيفنا الكثير و الكثير من الروائع التي اصبحت ممكنا بفضلك و بفضل امثالك من اساطير فن الزمن الجميل...حينما كان حب الفن هو المهم...






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات