1439هـ والمفارقة التاريخية


ندخل عاماً هجرياً جديدً ، ونحن بحال يماثل أحوال أوروبا في مطلع القرن الخامس عشر الميلادي!!. نتعامل بتعسف مع هذا الظرف التاريخي بكل مكوناته داعين الى سيادة الافكار التنويرية والعقلانية والعلمية، وفي هذا تجن غير عقلاني وغي موضوعي على مجتمعاتنا.
إنّ حرق المراحل التاريخية والقفز عليها، متجاهلين مقوماتها وغافلين عن معطياتها وشروطها هو جهد ضائع، وأخطر ما يؤدي اليه هو ضياع مضامين تلك المنظومة من الافكار النهضوية والتنويرية، ومن ثم نفور المجتمع منها؛ لان المعلوم تاريخيا هو أن المجتمعات تميل الى الاستقرار على ما ارتاحت اليه من أفكار ومنهجية في التفكير، حتى وإن ثارت ضد الظلم والاستبداد.
لقد فاتنا أن وصول بعض المجتمعات الاوروبية الى عصر النهضة والتنوير والحداثة، وظهور تجلياته، وأبرزها بقاء الاعتقاد الديني علاقة ذاتية بين الانسان وخالقه دون وصاية من أحد، وبالتالي الفصل بين رجال الدين والمرجعيات التي تتصل بالكنيسة وتراثها اللاهوتي، وبين مجريات الحياة العامة بكل تفاصيلها وتعقيداتها، كان وصولا موصولا بتطورات أخرى في العلم والتطبيق العلمي، وفي الاقتصاد وفي العلاقات الاجتماعية.
فأوروبا لم تقفز فجأة من السيطرة اللاهوتية الى الدولة المدنية الحديثة لمجرد انتقاد رجال الدين وطرائق تفكيرهم وسلوكهم، ولكنها عبرت عقودا طويلة لتنتقل من مرحلة الاقطاع والاقتصادي العيني الى المرحلة الرأسمالية والاقتصاد النقدي.
ولم يكن هذا التحول بمعزل عن ثورات اجتماعية سياسية وأخرى علمية وثالثة فلسفية وفكرية، كما خاضت أوروبا حروبا دينية طويلة، وحروبا أخرى حول مناطق النفوذ وتصادم المصالح والادوار، وواجه روادها الطبيعة، فذهبوا الى ما وراء البحار، وداروا حول الارض، واكتشفوا قارات لم تكن معروفة لنا من قبل، الى آخر ما عاشته أوروبا من تحولات هائلة عبر عصرها الحديث الممتد من القرن الخامس عشر الى القرن العشرين.
وعلى النقيض من ذلك فما زالت مجتمعاتنا تعيش في مرحلة تاريخية أصدق ما تعبر سياسيا وثقافيا عن تلك المرحلة التي درجنا على تسميتها بالعصور المظلمة؛ فهي مرحلة تشيع فيها وبقوة منظومات فكرية وقيمية تنتسب حقا للعصور الوسطى الاوروبية.
ألسنا مجتمع يؤمن بالخرافات التي هي أمر آخر غير الغيبيات الايمانية، ويؤمن بالتواكل وهو غير التوكل، ولا ينتصر لقيم الانتاج والتنظيم والنظافة واحترام المال العام، واحترام مكانة ودور المرأة، ولا يعترف بالآخر المختلف دينيا، بل وحتى مذهبيا بحقوق مماثلة لمن ينظرون لأنفسهم على أنهم الاغلبية، بل ويعمل على مصادرتها، والاعتداء على دور عبادته وممتلكاته، أو ليست الرشاوي العينية والنقدية هي أبرز عامل يحسم ما يسمى الانتخابات، ويقوم بها من يتصدرون المشهد؟
فاذا كان هذا هو واقعنا، وهو كذلك، فلماذا نستكثر أو نستغرب على قوى وصلت الى الحكم، أو تسعى للوصول اليه، أن تكون التعبير السلطوي عن هذا التخلف الضارب في كل مكان؟ وكل عام وأنتم بحال أفضل



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات