الاستمطار يا دولة الرئيس .. ماذا بعد؟


ها قد مضي عامين وزيادة منذ انطلاق مشروع الاستمطار في وطننا الغالي، فقد مر موسمين مطريين ألا وهما موسم 2015/2016 وموسم 2016/2017 والخيبة تلازمهما، والمصيبة أن القائمين على هذه المشروع مستمرين بتبشيرنا أن النتائج إيجابية ومبشرة، فاين هي النتائج المبشرة؟ هل زاد الاستمطار من معدل سقوط الامطار؟ هل امتلأت سدودنا، هل زادت الرقعة الزراعية؟ هل ساهم الاستمطار في تقليص العجز المائي الذي تعاني منه بلادنا؟ كلها أحلام يقظة.
ولمقارنة هذين الموسمين من ناحية كمية الامطار المتراكمة لتاريخه نرى أن معظم مناطق المملكة لم تحقق نسبة ال 100% حتى بوجود مشروع الاستمطار. فمعدل الهطول الكلي للامطار كم ذكرته ارقام وزارة المياه والري لهذا العام يساوي 77% من المعدل العام
فعلا سبيل المثال في الموسم السابق حققت المناطق الشمالية نسبة 66% بينما في الموسم الحالي حققت هذه المنطقة نسبة 78%، وفي المناطق الوسطى الغربية حققت نسبة 76% بينما حققت في الموسم السابق 72%. وإذا نظرنا الى الاغوار الشمالية نجد أن النسبة في الموسم السابق 55%، بينما في الموسم الحالي وصلت النسبة الى 73%.
أما من ناحية كميات الامطار المخزنة في السدود لتاريخه فقد بلغت 164مليون متر مكعب أي بنسبة 49% من المجموع الكلي لجميع سدود المملكة، بينما في الموسم السابق فقد بلغت 192.3 مليون متر مكعب أي بنسبة 59.1% من المجموع الكلي لقدرة التخزين البالغة 333.24 مليون متر مكعب. وبخصوص سد الملك طلال المنطقة المستهدفة لعمليات الاستمطار فإن كمية المياه المخزنة لغاية التاريخ أعلاه هي 64.3 مليون متر مكعب أي ما يساوي 85.8% من قدرته التخزينية البالغة 75 مليون متر مكعب وهي مساوية لنفس الكمية من العام الماضي.
السؤال الذي يبرز هنا والموجه الى مسؤولينا الكرام الذين لهم علاقة بالموضوع خاصة دولة رئيس الوزراء ومعالي وزير النقل هل مشروع الاستمطار أتى بنتيجة إيجابية على واقع الموازنة المائية المتمثلة بمعدلات الهطول وعلى كميات المطر المخزنة بالسدود؟ من يتفحص الأرقام الواردة أعلاه يجد ان الجواب قطعا لا. فأين هو تأثير الاستمطار على زيادة الهطول المطري الذي تصدعت رؤوسنا بالمقولة أن الاستمطار سيزيد من نسبة الهطول ما بين 15-20% زيادة عن المعدل السنوي. أتمنى أن تدرك حكومتنا أن الأموال التي هدرت وتهدر على هذه المشروع قد تبخرت في الهواء، وأن الذي جرى ويجري ما هو الا ذرا للرمال في العيون.
لم تستفد الإدارة الحالية من التجارب السابقة محليا وإقليميا ودوليا، بل وضربت بعرض الحائط توصيات منظمة الأرصاد العالمية، ومراكز البحث والجامعات التي تستند إلى أسانيد علمية غير آبهة بالتجار والسماسرة الذين ليس لهم هدف سوى الربح المادي بغض النظر عن النتائج.
لكن أشد ما يؤسف له هو موقف حكومتنا السابقة والحالية، فرغم إقرارها بالصعوبات المالية التي تتعرض لها بلادنا ورغم مطالبتها للمواطنين بشد الاحزمة، وبترشيد الانفاق، فهي تضع في الاذن الأولى طين وفي الثانية عجين. فمنذ أكثر من عامين على إنطلاق مشروع الاستمطار مع المملكة التايلندية ونحن ننادي ونناشد حكومتنا الرشيدة بإعادة النظر والتحقق من جدوى مشروع االمشروع التي تحوم حوله الكثير من الشكوك ، ولقد أشرت بأكثر من مقال أو رسالة الى مسؤولينا الكرام مدعم بالأدلة والبراهين وشهادة مختصين في هذا المجال إضافة الى رأي مدراء سابقين لدائرة الأرصاد الجوية حول هذا المشروع، إلا أن حكومتنا لم تجد أذانا صاغية لهذه الآراء، ولا زالت حكومتنا لغاية هذا التاريخ تقدم الدعم لهذا المشروع الفاشل رغم عدم تقديم إدارة الأرصاد أية أدلة على النجاح.
كان من الأفضل لحكومتنا أن تشكل لجنة محايدة من أصحاب الاختصاص لدراسة المشروع من كافة النواحي العلمية والفنية والمالية لتقدم التوصية المثلى بالسير أو التوقف عن هذا المشروع، أما أن يكون القاضي والجلاد هو نفس الشخص، فذلك ليس هو الأسلوب الامثل.
ما فاجأتنا به حكومتنا السابقة بتوقيع اتفاقية تفاهم مع مملكة تايلند لتجربة التقنية التايلندية الفريدة كما قيل على لسان مدير الأرصاد انها فريدة، وفي الحقيقة لا تختلف هذه التقنية عن التقنيات الاخرى إلا بعدد الطائرات المستخدمة أثناء التجربة، والمضحك أن التقنية التايلندية المعروفة ب (Supper Sandwish) لم تطبق هنا كما هو في تايلند ، وللعلم فأن عمليات الاستمطار في تايلند تعتمد على الغيوم الدافئة(Warm Cloud) نظرا لمناخ تلك المنطقة بعكس منطقتنا التي غيومها من النوع البارد(Cold Cloud)، كما أن المواد الكيميائية المستخدمة للغيوم الدافئة ليس بالضرورة أن تناسب الغيوم الباردة، وعليه فليس من الحكمة القول أن نجاح التجربة التايلندية إن كان هناك نجاح أن ينطبق عندنا نظرا لاختلاف الظروف المناخية في كلا البلدين.
الغريب ما نسمعه من إدارة الأرصاد الجوية أن نتائج التجارب بحاجة الى ثلاث سنوات لتحليل المعلومات التي تم تجميعها بعد عمليات الاستمطار، وكأن تلك المعلومات بهذه الضخامة التي يصعب تحليلها للحصول على نتائج أولية على الاقل، فكل الأرقام التي تم الحصول عليها لا تتجاوز أصابع اليدين. إن من يقول بأن تحليل هذه النتائج يحتاج الى هذه الفترة فإنما يخدع نفسه، وأصغر طفل يستطيع أن يفهم أن ذلك لتبرير السير بهذا المشروع. ألم يكفي تجارب الدائرة السابقة لمدة عشر سنوات، والتي فشلت في زيادة الهطول المطري، ألم يكفي تجارب الكيان الإسرائيلي لمدة تزيد عن خمسين سنة التي وصلت الى نتيجة مفادها أن الاستمطار ما هو إلا خرافة وأن الاستمطار لا يزيد من الهطول المطري على أرض الواقع.
مفهوم سعي الحكومة البحث عن مشاريع لسد العجز في المياه الذي تعاني منه بلدنا، لكنه من غير المفهوم هرولة حكومتنا على مشاريع وهمية نسبة الفشل فيها أعلى من نسبة النجاح بكثير. كان من الاجدى والأكثر نفعا لو استثمرت الأموال التي صرفت على هذا المشروع من تكاليف الوفود الرايحة والوفود الجاية ومن مياومات وتذاكر سفر وإقامات من كلا الجانبين، إضافة الى المعدات التي ستؤول الى سكراب، والى المواد الكيميائية التي تم شراؤها على مدى عاميين متتاليين والمقدرة بألاف الدنانير، ونثرت هباء في الهواء، عدا عن الجهد البشري الذي بذل وذهب سدى، كان أجدى ان تصرف على أمور أكثر أولوية من إستمطار الغيوم.
وحتى لا يستهان بالنفقات التي اهدرت على هذا المشروع الفاشل الذي لم يأتي بأي نتيجة، اشير الى بعض الأرقام الواردة في موازنة الدائرة لعام 2017 والمخصصة لمشروع الاستمطار. ففي بند المواد الكيميائية رصد هذا العام مبلغ 85000 دينار قارب للمبلغ الذي رصد في موازنة 2016 والذي كان 90000 دينار. وفي بند عقود خدمات رصد مبلغ 210000 دينار مقارنة بمبلغ 90000 دينار للعام السابق، على ماذا تصرف هذه الأموال؟ الله اعلم. وفي بند أجهزة رصد جوي ومولدات كهربائية رصد هذا العام مبلغ 135000 دينار. في المجمل تم رصد مبلغ اجمالي لمشروع الاستمطار لهذا العام 1200000 دينار، هذا عدا عن المبالغ التي تصرف على السفرات والمياومات التي تصرف من بنود أخرى. أيعقل أن تصرف هذه المبالغ والنتيجة المتحققة صفرا مكعبا. الى متى يتم التفريط بأموال الشعب من أجل نزوة ليس لها القاعدة التي تستند عليها.
لقد آن الأوان لحكومتنا الرشيدة أن تضع حدا لهذه المهزلة، وان تفي بوعودها بوقف الهدر في الأموال العامة، فنحن أحوج لكل قرش يصرف في غير مكانه.
سينتهي العقد مع هذه الإدارة عاجلا ام اجلا، وسينتهي مشروع الاستمطار لأنه مبني على أسس غير قابلة للاستمرار والحياة، بعد أن صرفت عليه الكثير من الأموال والجهود التي ذهبت ادراج الرياح، ولن تنفع المحاسبة لأي فرد تسبب في هدر الاموال في غير محلها.
بقي ان أقول اننا نسمع في الدول الغربية ان من يتولى المسؤولية العامة يقوم بتقديم استقالته من تلقاء نفسه حينما يرتكب أي خطأ بقصد او بغير قصد . هل من الممكن ان نرى ذلك يحصل عندنا؟
حمى الله الأردن تحت قيادة جلالة مليكنا المفدى حفظه الله ورعاه

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات