تدخل يا جلالة الملك ..


من السهل على المتابع لوضع الشارع الأردني أن يدرك أن الشعب الأردني اليوم بات في وضع غير مستقر نهائياً، وباتت الحكومة تجلس على فوهة بركان قابل للإنفجار في أية لحظة، ولكنه ما زال ينتظر فتيل الإشعال الأخير.

لقد تمادت حكومتكم الحالية يا سيدي بشكل مفرط في إستخدام جميع الأدوات من أجل تحصيل مبلغ عجز الموازنة والبالغ 450 مليون دينار أردني، ولكن من الملاحظ أن المبالغ التي سيتم تحصيلها من الإجراءات الحكومية الأخيرة تتجاوز أضعاف ذلك الرقم بكثير.

إعتبرت الحكومة أن الضرائب هي الحل السحري الذي سيعمل على رفد خزينة الدولة بمزيد من الأموال، وسيشكل تياراً جديداً يصب في تلك البحيرة المثقوبة والتي تتطلع الى المزيدِ دوماً، وما درتْ الحكومة أن المزيدَ من الضرائبِ على الشعوب كان السبب في سقوط الكثير من الدول، وثوران العديد من الشعوب، بل وإنطاق تلك الأغلبية الصامتة.

وفي مقابل الإرتفاع الجنوني لأسعار العديد من المواد والخدمات التي تعدت جميع الحدود الطبيعية، بل وتخطت متوسط أسعارها عالمياً في ظل إنخفاض متوسط دخل الفرد الأردني؛ نجد أن الحكومة ما زالت بكوادرها المتبعثرة في الشركات والمؤسسات تنفق من الأموال العامة دون حسيب أو رقيب على إقامة الحفلات وإستحداث المناصب من أجل إرضاء بعض الشخصيات وغيرها الكثير من أشكال الفساد المبطن ولكن رائحته لا تخفى على الشعب الذي يلهث وراء قوت يومه وبالكاد يجده.

لقد أصبحت السلطة التشريعية اليوم يا سيدي خاضعةً الخضوع التام للسلطة التنفيذية، بعد أن أدركت الأخيرة أنه أصبح لدينا نواباً يسعون الى الإمتيازات والتسهيلات كجواز السفر الدبلوماسي، والتأمين الصحي الكامل في المستشفيات الخاصة، ورواتب تقاعدية، وخصومات على مشاريعهم الخاصة، وإعفاءات ضريبية، وما يخفى أعظم، ولكن ما نشاهده من مسرحيات في رواق المجلس وتحت قبته لم يعد ينطلي على أحد، خصوصاً أن مذكرة حجب الثقة عن الحكومة التي يوافق عليها ثلاث أرباع الشعب على أقل تقدير لم تجد من يوافق عليها من النواب ما يتعدى أصابع اليد الواحدة.

أصبح المواطن وحيداً أمام هذه الحكومة الشرهة لما في جيب المواطن، بعد أن لجأت الى إطلاق الرصاصة الأخيرة على قوته وقوت عياله، فلم يجد إلا الميادين لكي يعبر عن سخطه وغضبه من هذه الإجراءات بعد غياب دام أكثر من عامين.

نحن نعلم أن تدرك يا سيدي أن ينزل الناس الى الشارع في هذا الجو البارد جداً من أجل المطالبة برحيل الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، والتراجع عن الزيادات التي حصلت في 2017 "عام الحزن" هو شيء خارج عن المألوف؛ ومن المؤكد أن ما أخرجهم من بيوتهم إلا ما هو أشد من البرد الذي يلاقونه في الميادين والشوارع.

وفي ظل أزمة إنعدام الثقة وتأزم الوضع بين الشعب من جهة وبين الحكومة والنواب من الجهة المقابلة نجد أنه لا بد من تدخل جلالتكم الملك كما عودتنا بأنك أنت صمام الأمان للشعب الأردني، وأنت الفيصل في الملمات من الأمور، وأنت البلسم الذي يشفي جراح المواطنين.

الوضعُ الإقليميُ متوترٌ جداً، والوضعُ العالميُ قد أصبحَ مجنوناً بعض الشيِ ؛ وموضوع اللاجئين السورين وقضية فلسطين النازفة منذ ما يقارب القرن، والحرب على داعش؛ كلها ملفات ساخنة وتحتاج الى إهتمام جلالتكم وإنتباهكم الكامل، ولكن الشعب يحتاجك يا جلالة الملك.

الشعب يحتاجك من أجل أن توقف من يحاول مص دماءه عبر رفع الأسعار، فأسعار المواد الغذائية قد إشتعلت ووجد المواطن نفسه مضطراً الى إستبعاد العديد من الأصناف من على مائدته، وكذلك أسعار المحروقات والمواصلات، التي أصبحت تحتاج الى أكثر من 25% من دخل الأسرة.

أما الإتصالات فحدث ولا حرج، فالحكومة تنظر الى أن مصروف الشعب على الإتصالات مرتفع، وبالتالي تعتقد أن الشعب يملك من الأموال ما بإمكانه أن يدفع الضرائب، ولكنهم لا يدركون أن هذه الأموال المهدرة في الإتصالات هي أموالهم وأموال أبناءهم وأقرباءهم في متابعة أعمالهم ونشاطاتهم الإقتصادية، أما المواطن الغلبان فهو بالكاد يجد ثمن بطاقة شحن من أجل ابنته التي تدرس في معان أو الطفيلة من أجل الإطمئنان عليها، والعسكري الذي يرابط بالأسبوع الكامل ينتظر الراتب من أجل شحن هاتفه والإطمئنان على أهله أثناء آداء واجبه والتضحية بروحه.

حتى من وجد في الغربة حلاً من أجل الخلاص من ضرائب"الملقي" وحكومته، وآثر الرحيل مخلفاً وراءه أسرته وأهله ووطنه وذكرياته، إصطدم بقرارت الحكومة برفع ثمن جواز السفر، فهل من المعقول أن يتراوح ثمن بضع ورقات من 50 الى 200 دينار؟ لقد تم الإدراك وبشدة أنها سياسة الجباية من جيب المواطن.

وبالنسبة الى إرتفاع معدل الإنفاق على السفر؛ ذلك الخبر الذي يتصدر الصحف بشكل دوري، تأكد جلالتك أن أكثر من 75% من الأردنيين بالكاد يقدرون على زيارة العقبة ودخول الشاطئ المجاني فقط، حتى الفنادق والمنتجعات الداخلية فهم يحلمون بالتوقف أمامها وإلتقاط بعض الصور التذكارية فقط، ولكن تلك الزمرة التي تستأثر بالملايين لا تتردد في إنفاق ما يكفي الآف الأسر من أجل معالجة "كلب" أو حتى إقامة عيد ميلاد له.

نعلم أنك تدرك يا سيدي كم إرتفعت تكلفة التعليم، لقد كان والدي موظف حكومياً في واحدة من الشركات المرموقة، وبالكاد إستطاع أن ينفق على دراستي في واحدة من الجامعات الحكومية، ووالله إني لأتساءل كيف يستطيع باقي الأردنيين تعليم أبناءهم في الجامعات ورواتبهم الشهرية لا تتعدي ال300 أو حتى 500 دينار.

نسألك بالله أن تتدخل يا جلالة الملك، أوقف هذه المجزرة المالية التي تحدث للشعب، تدخل قبل أن يصل الكثير من أبناء وطنك وشعبك الى نقطة اللاعودة، تدخل وأوقف أولئك المتطاولين على قةت أبناءك من الشعب الأردني.

تدخل ألغي رواتب النواب والأعيان، بما أنها خدمة للوطن والمواطن كما يزعم من يترشح لها، تدخل وألغي الإمتيازات التي يحصلون عليها، وسترى بعينك التي لا تغيب عنها الحقيقة تلك الوجوه التي تختبئ خلف قناع حب الوطن وخدمته تتهرب من تلك المناصب التي تجثم على صدور المواطنين.

تدخل وأنهِ كل أشكال التوريث الحكومي والواسطة والتعيين المعرفة، وأجعل لكل مجتهد نصيب، ولا يصل الى المنصب إلا من يستحق بجدارة وإهتمام. تدخل وأطلق يد العدالة ومكافحة الفساد التي تقيدها المحسوبية والواسطة والنفوذ والصلاحيات المطلقة. تدخل وأعلن العقاب أمام الشعب لتلك المجموعة التي يثبت فسادها، وعاقبهم في ميدان عام ليكونوا عبرة لغيرهم.

تدخل وستجد أبناء شعبك من حولك ليكونوا يدك التي تعاقب بها الفاسدين وتكرم بها المحسنين الصادقين المخلصين، وعينك التي تراقب كل مسؤول في مكانه، وسمعك الذي يسمع من يخطط ويدبر ويكيد لهذا الوطن الغالي، وسترى أنهم سيفرشون الأرض أمامك بأرواحهم وأرواح أولادهم دون وجل أو تردد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات