لا قلعة في الكرك ، في الكرك قِلاع


في الكرك إنْ أتهت قِبلتَكَ ، فمدّ روحكَ سجّادةً وصلِّ صوبَ قلعتها ، في الكرك إِنْ لم تحِنْ صلاة الفجر وسمعتَ دوّي البنادق ، فكبَّر لله وصلِّ على عزف بنادقها ، في الكرك قصة حبٍ قديمةٍ بينها وبينَ المنايا ، فكلّما رأتْ الكرك المنايا راحتْ تُعانقها ، في الكرك إن بحثتَ عن المساجد والكنائس ودور العبادة وبيوت الطين والحجر ودكاكين العِطارة ومخابزها ، ستجدها واقفة في خنادقها ، في الكرك لو فتّشتَ جيوب أهلها لن تعثر على دفتر (خدمة علم) ، فالنساء هناك لا تلد إلاّ جنداً ، جميع الطرق تأخذك أينما شئتْ إلاّ إلى الكرك ، فهي مدينة لا مفاتيح لها ، ولا أبواب لها ، ولا طريق لها إلاّ من السماء .

كذب علينا معلم التاريخ صادقاً حينمَا حدّثنا عن (قلعة الكرك) ، فهو لم يخبرنا -يا زاد شأنك- أنّ في الكرك قِلاع ، كـــلّ بيتٍ قلعة ، وكلّ متحفٍ قلعة ، وكلّ عربة على قارعة الطريق قلعة ، وكلّ جبل قلعة ، لا سهل في الكرك فكلّ السهول صِعاب ، وكلّ الرجال قِلاع . وتنادي أمّ القِلاع بحجارتها وسمارها وترابها الأقدس : "خلفي كافر فاقتله" ، حتى الحجارة في الكرك ترتدي بزّةً عسكرية ، حتى الأطفال فيها يحملون رقماً عسكريّ ، هناك لا تحتاج إلى عتادٍ أو بارودٍ لتدافع عنها ، فالأكفّ مسدسات ، والجِباه راجماتٍ عاليات ، والصدور دروع حاميات ، والأكتاف كالنسور حاملات حائمات ، والأقدام صوبَ الكرامة صُبحاً عاديات ، والقلوب رايات على ساريات ، في الكرك قِلاع تمشي وسط القِلاع .

كي تفهم لماذا جُنّ الموت حبّاً بالكرك!! ، عليك أن تزور بيوتها القديمة ، وأن تمشي حافياً فَوْقَ ترابها المُخضّب بكُحل الدماء ، وأن تشرب مع عجائز الصباح الزعتر البريّ ، وأن تردّ التحيّة على طفلٍ يرتدي لباساً مدرسيّ يطالعك بكلمة " قوّك" ، وأن تشارك في تأدية واجب الفرح لعريسٍ يُغسَّل زفاً لعروس من حوريات الجنّة ، وأن تلوّح لطائرة (معاذ الكساسبة) -رحمه الله - والتي ما زالت إلى الآن تؤدي عرضاً عسكرياً في سماء الكرك ، وأن تلقي التحية العسكرية على شواهد قبور الأنبياء والصالحين والشهداء فيها ، وصدقني لن تفهم لماذا جُنّ الموت حبّاً بالكرك .... فالحياة تُحبّهم ولكنهم يحبّون الكرامة أكثر .
رحم الله شهداء التراب ، لأرواحهم الفردوس وسدرة المُنتهى....




تعليقات القراء

سميح القطاونه
كلام رائع في الوصف والاختصار والايجاز بحاجه الى اكثر من قراءه متانيه لاستيعابه لن تستوعبه كل الحكومات
13-02-2018 11:19 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات