قانون يحرّض على الحبّ أكثر


قارب ديوان التشريع والرأيّ على إنجاز مشروع قانون لمكافحة التمييز والكراهية ، هذا القانون والذي أظنه قادم لا محالة ، ما زالت صفحاته ساخنة في أدراج الديوان ، وأظنّ بأن حبره الأسود لم يجفّ بعد على مسودته البيضاء ، علاوةً على أنّ قهوة نسّاخه لم تفتر بعد ، فهكذا قانون يحتاج إلى شرب خزانٍ من القهوة قبل أنْ يُمهَر بختم الديوان ، كما أنّه يحتاج إلى جولات ميدانيّة طويلة في الأروقة الضيّقة للمزاج الوطني والإنساني ، علاوةً على حاجته للتحميس على نار هادئة ، أكثر هدوءً من تلك المشتعلة في الشارع ، فجميع القوانين التي تلامس النسيج الوطني ، أو تلك التي تكون ناظمةً للمكونات الوطنيّة ، أو التي تسعى إلى إعادة تعريف الهويّة الوطنيّة ، أو إلى تطويق دائرة الحوار والرأيّ ، هي من أكثر القوانين المُلتهبة على مائدة البيت الوطني الواحد ، وهي تحتاج إلى طاهٍ سياسي وتشريعي محترف ، لا يجعل من هذا القانون رادعاً ، بقدر ما يخلق منه مُحفّزاً ودافعاً.

"التمييز والكراهية" ، بحثتُ طويلاً في القاموس الوطني عن تعريفٍ لمعنى هاتين الكلمتين -وحمداً لله- وبعد عناءٍ طويل (لم أجد تعريفاً لهما) ، فمثل هذه المصطلحات هي دخيلة على النسيج الوطني المُطرّز ، وضخمة جداً على دفاترنا البسيطة ، وتفوق قدراتنا الخطابية في فهمها أو أستيعابها أو تصديقها حتّى ، لا أحد ينكر بأنّ هناك حالات فردية تعبر عن عدم قبول الأخر أو إقصاءه أو قلب طاولة الحوار عليه ؛ وذلك كلّه بشكل غير ممنهج ولا ينطوي تحت مظلة منظمة تسعى إلى نفث ما يسمى
بخطاب الكراهيّة في عقول الناس ، وصولاً إلى مجتمع هشّ ومتناحر لا يقبل فيه كلّ لونٍ اللون الأخر.

لسنا بحاجة إلى قانون لمكافحة الكراهيّة ، بقدر ما نحن أحوج إلى قانون يحرّض على الحبّ أكثر ، كم نحن أحوج إلى عملية تنموية شاملة لإعادة إنماء ثقافة قبول الأخر وتقبّله ، والتي تبدأ من البيوت والمدارس والجامعات والأحزاب ومنابر العبادة والشوارع والحافلات والمقاهي ، الحبّ لا مكان له ( بل كـــلّ مكانٍ له) ...

في وطني ، إِنْ ازدحمت المساجد بالمصلّين ، فتحتْ الكنائس أبوابها ، في وطني ، لا يوجد علبة ألوان فلا لونَ غير لون التراب ، في وطني ، لا أحد يسألك عن رقمك الوطنيّ ، فأنت أغلى من أن تكون رقماً على بطاقة ، في وطني ، لا لغة أصدح من لغة الإنسانيّة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات