الإسلام وسط


بسم الله الرحمن الرحيم

كتب إبن قيّم الجوزية في "الفوائد" يقول:

للأخلاق حدٌ متى جاوزته صارت عدوانا ومتى قصّرت عنه كان نقصا ومهانه، فللغضب حدٌ وهو الشجاعة المحمودة والأنفة من الرذائل والنقائص فإذا جاوز حده تعدى صاحبه وجار وإن نقص عنه جًبُنَ ولم يأنف من الرذائل.

وللحرص حدٌ وهو الكفاية في أمور الدنيا وحصول البلاغ منها، فمتى نقص عن ذلك كان مهانة وإضاعة، أما إذا زاد كان شرهاً.

وللحسد حد وهو المنافسة في طلب الكمال فمتى تعدى ذلك صار بغيا وظلما يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود وربما يحرص على إيذائه، ومتى نقص عن ذلك كان دناءة وضعف همّة وصغر نفس، قال النبي صلى الله عليه وسلم :"لا حسد إلا في اثنتين رجلٌ آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس"، فهذا حسد منافسة يطالب الحاسد به نفسه أن يكون مثل المحسود لا حسد مهانه يتمنى به زوال النعمة عن المحسود.

وللشهوة حد وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل والإستعانة بقضائها على ذلك، ومتى زادت على ذلك صارت نهمة وشبقا والتحق صاحبها بدرجة الحيوانات، ومتى نقصت عن ذلك ولم يكن فراغا في طلب الكمال والفضل كانت ضعفا وعجزا ومهانة.

وللراحة حدٌ وهو إجمام النفس والقوى المدركة والفعّالة استعدادا للطاعة واكتساب الفضائل فمتى زاد على ذلك صار توانيا وكسلا فات به أكثر مصالح العبد.

والجود له حد بين طرفين فمتى جاوز حده صار إسرافا وتبذيرا ومتى نقص عنه كان بخلا وتقتيرا.

والغيرة لها حد إذا جاوزته صارت تهمة وظنا سيئا وإذا قصّرت عنه كانت تغافلا ودياثة وللشجاعة حدٌ متى جاوزته صار تهورا ومتى نقصت عنه صار جبنا وخورا وللتواضع حدٌ إذا جاوزه كان ذلا ومهانة وإذا قصر عنه أنحرف إلى الكبر والفخر، وللعز حدٌ إذا جاوزه كان كبرا وإن قصّر عنه انحرف إلى الذل والمهانة.

وضابط هذا كله العدل أو الإعتدال وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط وعليه يقوم بناء مصالح الدنيا والآخرة وكذلك الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك.

ولذلك كان من أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود ولا سيما حدود الشرع المأمور والمنهي، فأعلم الناس أعلمهم بتلك الحدود وأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال والمشروعات معرفة وفعلا وبالله التوفيق.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات