البعث المجاهد و التجديد





لا يمكن أن ننكر أن البعث في العراق جزء مهم من مكونات المقاومة ، ولا يمكن أن ننكر أيضاً أن البعث في ثقافته الاجتماعية قد شكل حاله نموذجية في التفاف الجماهير حوله حتى بعد الاحتلال الأمريكي ، واستمرت هذه الحالة بل وأثرت في الانتخابات البرلمانية، فلا أحد ينكر أن العراق في أول انتخابات وثاني انتخابات كان فيه صوت البعث وصوت إيران وصوت أمريكا، وتوحد الصوت الأمريكي مع الإيراني في تحديد أسماء من يحكم العراق.

ولا يقصد هنا القول أن البعث شارك أو دفع أعضائه وأنصاره للمشاركة إنما هو التوضيح لقوة البعث الاجتماعية.
والتي للأسف لم تستمر وذلك لأسباب كثيرة كان منها ومن أهمها إضعاف النسيج الاجتماعي بإثارة الفتن الطائفية والمذهبية ونقل الصراع الوطني الموحد ضد المحتل إلى صراع داخلي، وقد اشتركت كل الإطراف بإثارة هذا الصراع، والذي أريد منه فقط إضعاف البنية الاجتماعية.

المستعمر لا يهدف لاحتلال الدولة أي دولة وكفى بل يسعى دائماً لإضعاف الشخصية الوطنية وإشغالها وإفقادها توازنها بصراعات مناطقية ومذهبية وطائفية.

فاحتلال دولة والسيطرة على مواردها ونهب خيارتها وإعدام قادتها وحل جيشها لا يعني السيطرة الكاملة إلا إذا استهدف الروح الوطنية وفكك شخصيتها واضعف طموحها.

لا يجوز في هذه المرحلة الحديث عن أخطاء حزب البعث في العراق ولا يجوز الحديث عن المغامرات أو عن غياب مشروع النهضة المرتبط بالحرية القائمة على مبدءا العدل وتكافؤ الفرص وتداول السلطة بقيم ديمقراطية، وليس فقط حزب البعث من ارتكب الأخطاء فكل الأنظمة الوطنية العربية قدمت ذات الأخطاء بقالب مختلف، وان كان الخطأ الأبرز والأكثر وضوحاً هو غياب الحرية وانعدام الرؤيا الديمقراطية.

حزب البعث في معاركه ضد الفرس وإذنابهم وتحديداً في الفلوجة تحالف مع أو تشارك مع مجموعات من داعش من أبناء مدينة الفلوجة والذين استلموا مهمة الدفاع عن أحد أحياء المدينة وهو مدخل للمدينة من جهة المستشفى، وهؤلاء سلموا منطقتهم للحشد بقيادة إيران وانسحبوا ضمن تعليمات وردة إليهم وخرجوا بحماية وحدات خاصة من "الجيش العرقي" وكان قد صدر لعشائر "البوعيسى" أوامر بمنع التعرض لموكب"داعش" إلا أن عشائر "البوعيسى" المنتسبة للصحوات تصدت للرتل الداعشي مما اضطر إيران لإصدار أوامر بتدخل سلاح الجو العراقي لقصف محيط الرتل العسكري أي عشائر البو عيسى.

ليست المرة الأولي في عمر التحالف بين وحدات من "داعش" والبعث المجاهد، بل سبقها التحالف في الموصل والذي أثبتت فيه "داعش" أنها صناعة استعمارية.

قبل عام من معركة الفلوجة تلقى البعث رسالة شفوية من المملكة السعودية مفادها أن يوافق الحزب على الانخراط في العملية السياسية بقيادته للمكون السني في العراق، و وافق البعث بشرط أن لا يطرح كحزب فئة محددة بل أن يكون حزب جامع ببرنامج وطني شامل وان لا يخوض الانتخابات باسم الحزب بل من خلال هيئة تشكل لهذه الغاية يدعمها الحزب بصورة كاملة، إلا أن المخطط الإيراني بدعم أمريكي افشل المبادرة السعودية ، وموافقة البعث التي شرطت بوقف العمل المسلح وهو ما كان ، جعل المقاومة توقف عقارب القوة لديها في أشرس معاركها بعد تحرير الموصل والتي كانت تتطلب حسب الخطة الزحف إلى بغداد للحسم وتعطلت الخطة بالكامل.

كثيراً ما يخطئ البعث سياسياً ولا تكون رؤيته للأحداث صائبة ولا يتعامل مع المجريات في المنطقة بعقل راجح، بل يذهب نحو اختصار الطريق التي تكلفه كثيراً، وأخر ما كان تخليه عن خطته بدخول بغداد للموافقة على المبادرة السعودية.

ومتأخر جداً يحاول البعث إعادة تجميع أوراق "مؤتمر القوى الشعبية"، وينشط بالتواصل والاتصال مع قوى حزبية وشخصيات عربية لإعادة إحياء المؤتمر حتى لو كان بصياغة بيان وتصريح إعلامي بالفترة الأولى حتى يتم عقد المؤتمر في ظروف تناسب انعقاده كالمكان والزمان.

لقد أثبتت مجريات الأمور منذ عام 2010 ولغاية الان أن مكتب العلاقات الخارجية في البعث المجاهد والذي يقوم بعمل التمثيل لجبهة القوى وتمثيل البعث المجاهد والإشراف على علاقاته والتخطيط السياسي الإقليمي والدولي له ، هم أشخاص بالغوا في الفشل.

وحملوا البعث ما لا يحتمل من تفاهمات ومبادرات كلها تضر بمصلحة المجاهدين والعراق عموماً.
البعث خارجياً ضعيف ويضعف الفعل المقاوم ويخرجه من دائرته بقيادة قوى المقاومة العربية، وضعفه خارجياً اجبره على التحالف مع بعض تشكيلات عصابة"داعش" في الموصل والفلوجه من بعدها.

"مناضلين" صنعتهم الظروف و "مناضلين" في قصور و يمتلكون سيارات من احدث الموديلات يتحدثون باسم البعث، والبعث منهم براء.

البعث يحتاج إستراتيجية جديدة يعيد فرض وجوده في الساحة العربية والإقليمية والدولية، يحتاج أن يحرك الشارع العربي برؤيا وحدوية بتوحيد الجماهير تحت عنوان المقاومة، يحتاج إلى إعادة ترتيب الأولويات في فهم ثالوث عداء الأمة العربية، وان يتصدى لمشاريع المستعمر بطرح المشروع الوطني الوحدوي ، والتعاون مع قوى التحرر العربي على أساس شخصيتها المستقلة وليس تابعيتها لمسؤول يقيم مثلاً في لندن.

دون أن يقفز عن قوى ليبرالية وطنية نشأت في العراق ترفض الاحتلال الإيراني وتقاوم التبعية،قوى محيطها شبابي و وسطها نخب من المثقفين و التقدميين.

حركة التحرر العربي تحتاج البعث قوياً ومتماسكاً ، تحتاج للتعاون والتشارك معه وترفض أن يفرض عليها رؤيا صاغها من غلبت مصلحته على مصلحة العراق و الأمة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات