الأب أبو رمان و الشيخ حجازين !


يعوض الأردنيون ضعف قدرتهم – ما لم نقل خجلهم – من التعبير اللفظي عن عواطفهم بالتطبيق العملي , لذلك – مثلا – تجد أن أهل المتوفى يدعون بعض اصدقاء الفقيد و احبائه لمشاركتهم تقبل العزاء تكريما لهم , و تعبير تطبيقي عن عواطفهم نحوهم , برغم أن العرف هو إقتصار تقبلها على الأهل عادة .

لذلك وقف الشيخ الجليل مصطفى ابو رمان كتفا بكتف , و قلبا بقلب الى جانب المتقبلين ب " اخذ الخاطر " بوفاة الاب يعقوب حجازين رحمه الله .

الشيخ مصطفى ابو رمان ليس مرغوبا كثيرا في اوساط " الأسلاميين " . فهو " عاقل " و " وطني " و صاحب نظرة عروبية , و الاهم من كل ذلك انه لا يكره أحدا كما يفعلون !

مشهد وقوف الشيخ ابو رمان متقبلا العزاء في جنازة الاب حجازين ليست إختراقا للمشهد العام ! فنحن لسنا في حالة تناحر طائفي اولا , و هي – ثانيا - تنسجم تماما مع مورثنا الاجتماعي التقليدي الذي كان يقسم العشائر الاردنية قديما في تحالفات لا تكترث بالدين . فتجد حلفا يضم عشائر مسلمة و مسيحية , معا مقابل تحالف اخر يضم عشائرا مسلمة و مسيحية ايضا !

لكننا – برغم ذلك – نبتهج بالمشهد بسبب اللوثة الطائفية التي تتفشى في المجتمع , و تحظى برعاية مشبوهة لا تريد للاردنيين خيرا, و مع ذلك يتساهل المجتمع نحوها ظنا منه انه من خلال التعاطي معها انما يعبر عن سخطة من الفشل الذريع في ادارة الدولة , و توريطها في المديونية , و تراجع مستوى العيش ! .

قبل جنازة الاب حجازين بيوم كان همج و رعاع من اصحاب الأسبقيات يعتدون على إحدى الكنائس في الزرقاء بعد ان اوى اليها " دخيل " – لا اظنه مسيحيا اصلا – بعد ان وقع اشكال بينه و بين احد اصحاب البسطات .

" الطريف " في الامر ان زعرانا ممن " يتعاطون " , و ممن يشتمون الذات الاهلية جهارا نهارا , و ممن لا يعرفون اتجاه القبلة اصلا , ينجحون في تسخير مشادة لا علاقة لها بالدين لصالحهم عل اسس دينية , و ينجحون في تعزيز قدراتهم الهجومية بناء على الحمية الدينية , ضد من ؟ ضد كنيسة لم تسيء لهم اصلا , بل وجدت نفسها مآوى لدخيل !
اولا ظاهرة الاعتداء على حامي الدخيل معيبة في اعرافنا , و هي من دواعي نقص الرجولة و تلحق باصحابها العار , فما بالك اذا كانت تتم على دور العبادة .

تخيل لو ان دخيلا لجأ الى احد المساجد , و ليكن هذا الدخيل مسلما , فهل كان من يجرؤ على الاعتداء على مسجد ؟ حسنا , تخيل الان لو ان الدخيل مسلم , و انه لجأ الى احد المساجد و ان جمهورا غاضبا قد اعتدى على المسجد فكيف ستكون نهاية المشهد لو ان المعتدين من المسلمين ؟ و كيف ستكون نهاياته لو اننا تخيلنا ان الجمهور الغاضب من المسيحيين ؟! و هل يحق لمسلمين ان يعتدوا على كنيسة لانهم " اكثرية " فيما لا يحق للمسيحيين فعلها بالاتجاه المعاكس لانهم " اقلية " ؟! و لو ان مصطلح اغلبية و اقلية معيب اصلا .

بالمناسبة , من الذي يعتدي على الكنائس في المنطقة العربية اليوم ؟ و من الذي يعتدي على مساجد الشيعة اليوم ؟! و هل سبق ل "كافر "ان دخل مسجدا للسنة و فجره ؟!

كنا سنفهم تفسيرا للإعتداء على احدى الكنائس في الاردن مفاده ان المعتدين كانوا سيرتكبون نفس الهمجية لو ان الدخيل لجأ الى مقهى او عيادة , و ان الاعتداء عل كنيسة لم يكن مقصودا , لكن حينما يتخلى الناس طوعا عن عقولهم , و يخلعون ضمائرهم , و يستبدلون كل ذلك بغرائز طائفية ثبت انها لم تجلب لعموم العرب دمارا لم يكن يحلم به اعتى اعداء العرب , فإننا نخشى حقا من تلك الحادثة , و تستفزنا ضمائرنا لاضافتها لقائمة طويلة , و يومية من نزق المجتمع , و انفعالاته الشديدة و العشوائة التي لا تبشر بالخير .

هناك تصاعد و مبالغات في التعبير عن عدم الرضى بخصوص الحالة المعيشية تحديدا , لكن هذا الغضب يتم التعبير عنه بما يكفل مزيدا من الويلات , و بالتالي فهو غضب محرم , سيما انه يشير الى فوضى عارمة قابلة للتصاعد لا لبوادر تغيير ايجابي . فسهام الغضب لا توجه نحو من ينكلون بحياتنا , انها تسدد نحو نحور ابرياء منا و فينا !

الحمد لله ان شخصا من طراز الشيخ مصطفى ابو رمان بيننا , هذا هو قدوتنا و فخرنا و صمام اماننا , لا شيوخ الفتن و لا شيوخ متكسبون !



تعليقات القراء

انا88
مقالة جميلة ، نحن بحاجة الى ما يوحدنا وليس ما يفرقنا .
19-06-2016 03:57 PM
النوايسه
يسلم ثمك اخ ادهم
19-06-2016 06:59 PM
j farah
استاذ ادهم دائما صاحب وقفه وطنيه هذه شيمك سلمت
19-06-2016 08:39 PM
فراس
أبدعت
19-06-2016 09:17 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات