في الذكرى التاسعة لرحيل مؤسس »اللواء«


»اللواء« قصة نجاح أردنية وإسلامية تستحق أن تستمر

التلوث الفكري صار سيد الموقف والبغاث أزداد استنساراً في أرضنا

القوانين التي تخنق الإعلام صارت عابرة للقارات


صدر العدد الماضي من جريدة »اللواء« قبل يوم واحد من الذكرى السنوية التاسعة لوفاة مؤسسها المرحوم بإذن الله حسن التل. وكان الزملاء في »اللواء« قد أعدوا مواد حول هذه المناسبة لنشرها في العدد, لكنني اجتهدت فمنعت النشر لسببين أولهما: خوفي من شبهة المبالغة, وأن نفرض على الناس القراءة حول ذكرى لها طابع خاص. لكنني فوجئت بعد صدور العدد بكم هائل من الاتصالات والرسائل المعاتبة, بل والمعنفة أحياناً. لانها اعتبرت الذكرى مناسبة عامة, لأن صاحبها شخصية عامة. ولأنه صاحب مدرسة فكرية وسلوكية; لا بد من استمرار الحديث عنها, حتى تتكرس. خاصة في هذا الزمن الرديء الذي كان الراحل يكتب من خارجه ليصف عيوبه ومثالبه. ويحدد أمراضه ومن ثم يصف لها الدواء الذي أصبحنا أكثر حاجة إليه مما كنا قبل رحيل مؤسس »اللواء« طيّب الله ثراه. فقد استفحلت الأمراض, وصار التلوث الفكري »الذي طالما حذر منه« سيد الموقف.
هذا هو السبب الأول الذي دفعني لمنع نشر المواد المتعلقة بوفاة مؤسس »اللواء« في عددها الماضي, أما السبب الثاني: فيتعلق بي شخصياً; فقد تنازعتني نحو المناسبة عاطفتان متناقضتان; الأولى: حزني الشديد لفقدان الأب والصديق والسند, الذي ترك لي أمانة ثقيلة اسمها »اللواء« قفز الجميع من قاربها. وظل علي وحدي أن أحافظ عليها حتى لا يموت حسن التل موتاً حقيقياً باختفاء »اللواء« وقد كانت مشروع عمره وحاملة رسالته وقد صارت كذلك قصة نجاح وطنية. فأنْ تصمد صحيفة أردنية, بملكية فردية لأربعة عقود متواصلة, فهذه شهادة لهذا البلد ولإنسانه, ولقدرة هذا البلد على تحمل الرأي الآخر إذا كان هذا الرأي محترماً وموزوناً ويعبر عن نفسه بدون إتهامات وإثارة وضجيج.
و»اللواء« كما هي قصة نجاح أردنية, فإنها قصة نجاح إسلامية. فأنْ تبحر سفينة »اللواء« لأربعة عقود متواصلة وهي ملتزمة بنهجها الإسلامي دون أن تساوم, في نفس الوقت الذي فتحت فيه صفحاتها لكل الآراء والمدارس الفكرية في العالم الاسلامي. ولكل المؤمنين بالحوار دون التفريط بالثوابت. فتلك شهادة على عظمة الإسلام القادر على مقارعة الحجة بالحجة, والأمر لأتباعه بأن يجادلوا بالتي هي أحسن. والجدل بالتي هي أحسن هو خط »اللواء« الذي أرساه مؤسسها. وسارت عليه إلى يوم الناس هذا. وهو خط كان, وما زال محل ثناء الناس وتشجيعهم. وقد فات كثيرين ممن يثنون على »اللواء« ويطالبون باستمرارها. أنَّ الثناء وحده لا يكفي, وأَن الاستمرار يحتاج إلى تكاليف كثيرة, خاصة في هذا الزمن الرديء الذي صار القابض فيه على الحق كما في »اللواء« كالقابض على الجمر. والحمدلله أولاً وآخِراً على نعمة الثبات والاستمرار الذي ندعوه أن يمدنا بما يعيننا على الاستمرار, حتى نظل أوفياء لمؤسس »اللواء« الذي نعيش هذه الأيام الذكرى التاسعة لوفاته.
العاطفة الثانية التي تتنازعني كل يوم. وفي يوم ذكرى وفاة مؤسس »اللواء« والتي تتناقض مع الحزن, هي الإحساس بالعزاء للخاتمة التي أنهى بها أبي حياته. فقد منّ الله عز وجل عليه بالموت واقفاً, كما يموت الفرسان. فقد لقي وجه ربه في الميدان الذي أمضى حياته فيه, رافعاً لراية الدعوة ناشراً لكلمة الله ذابّاً عن دينه. وهذه هي الميتة التي يتمناها الحر الكريم. فكيف إذا كان الموت يدخل في باب الشهادة. فقد مات أبي وهو خارج في سبيل ربه. فلعله من الذين يصدق فيهم قوله تعالى:»ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيما«. وقد مات أبي مهاجراً في سبيل الله ناشراً لكلمته مدافعاً عن دعاته.
ليس الموت وقوفاً قادراً يحتاج إليه الناس ولا يحتاج هو إلى أحد منهم ليعيله, عزائي الوحيد بوفاة والدي وأنا أستذكره. فهناك أسباب كثيرة لهذا العزاء في طليعتها ان الإعلام والصحافة على وجه التحديد التي أمضى فيها جلّ سنوات عمره مؤمناً بأنها رسالة, وأداة من أدوات الإصلاح وسبيل من سبل الدعوة, لذلك رفع لواءها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وحسن البنا وغيرهم; هذه الصحافة صارت اليوم مجرد مشروع تجاري, ومصدر ارتزاق, ووسيلة ابتزاز. وهو تحول في مفهوم الصحافة, لو عاصره حسن التل بهذه الصورة التي نعيشها, لكان مصدر عذابٍ له, وإحساس بالإهانة كان لن يرضاه. فكيف إذا ترافق هذا التحول في مفهوم الصحافة ودورها مع هذا الحجم الهائل من التضييق على أصحاب الكلمة الحرة. وهو التضييق الذي صارت تسن من أجله القوانين المحلية والقوانين العابرة للقارات. كما تفعل القوانين التي يسنها الكونغرس الأمريكي, ونتولى نحن في بلاد المسلمين تنفيذها سمعاً وطاعة.
وإذا كان حسن التل سيكون معذباً لو أنه عايش هذه الأيام التي يُشرع فيها الكونغرس للإعلام في بلاد المسلمين, فكيف ستكون حاله وهو يرى التدخل الأمريكي وغير الأمريكي يتم في كل جوانب الحياة في بلاد المسلمين. ابتداء من المناهج الدراسية, وصولاً إلى الحج والزكاة وما بينهما? وقد عاش الرجل داعية استقلال وحرية وكرامة وها هي بلاد المسلمين التي أحب تفقد استقلالها وحريتها وكرامتها, وتتوزع بين احتلال مباشر, كما في العراق وأفغانستان وقبلهما فلسطين, وبين احتلال بواسطة القواعد العسكرية الأجنبية الجاثمة فوق صدور المسلمين, وصولاً إلى سلب القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي من النظام الرسمي في أرض المسلمين جلّها ان لم يكن كلها.
وفي ظل هذا الاستلاب للقرار, وهذا الاحتلال للأرض, صارت مطاردة المجاهدين والمقاومين مَهمةً رسمية للكثير من السلطات في بلاد المسلمين. وصار حصار المسلمين للمسلمين بقرار أمريكي أمراً مقبولاً عند الكثيرين. وهو أمر ما كان ليُرضي الراحل الذي نذر حياته للدفاع عن المجاهدين ونصرة المقاومين والتصدي للظالمين.
وإذا كان الراحل سيكون في صف المدافعين عن الجهاد والمجاهدين, فإنه سيكون بالضرورة أكثر عذاباً وألماً, لما وصلت إليه حالة المسجد الأقصى. الذي صار على شفا الإنهيار, والأمة صامتة لا تفعل شيئاً أكثر من التلوم فيما بينها. وعندي أن حسن التل ما كان سيقف عند حدود العذاب والألم في قضية الأقصى التي طالما حمل رايتها.
مصادر عذاب حسن التل لو قُدِّر له أن يعيش إلى يوم الناس هذا كثيرة وكبيرة. فإذا كان ثائراً على واقع الأمة قبل سبعين عاماً من الآن فكيف ستكون ثورته وهو يرى الاحتلال يعود إلى أرضها, يهدد أقصاها بالهدم, ويستبيح حرماتها في فلسطين والعراق وأفغانستان? ويراها وقد انتشر البغاث والإمعات في سمائها وأرضها وتكاثروا عليها, وسلبوا قرارها وكرامتها وضيقوا على أبنائها حتى منافذ الحوار; وقد كان الراحل رجل حوار لا يستطيع العيش بدونه.
رحل مؤسس »اللواء« قبل أن يرى كل هذه الانهيارات والنكسات, فلِلَّه الحمد والمنّة أن اختار له ميتة تشرفه وتبقى ذكراه حيّةً في قلب كل من عرفه أو سمع عنه أو قرأ له.
في ذكرى رحيله نقول لروحه الطاهرة: إنه مهما اشتدت ظلمة ليل هذه الأمة فإن فجرها آتٍ. وسنبقى كما علمنا مؤمنين بزيف كل هذا الواقع, متمسكين بحلمنا بغدٍ تنتصر فيه أمتنا بفعل السواعد المتوضئة.. وإن غداً لناظره لقريب.




تعليقات القراء

حسين علي حسين المحارمه
ندعو الله ان يتغمد ابا بلال بواسع رحمته وان يسكنه فسيح جناته فقد كان علما من اعلام الإعلام الأردني وما عاش من لا يترك اثرا بعد موته ، يكفي صوت بلال واخوانه ، وارجو من كل من يقرأ هذا المقال ان يهدي المرحوم بإذن الله حسن التل ثواب الفاتحه .
26-01-2010 04:06 PM
صحفي لوائي
نعتذر
29-01-2010 12:47 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات