"قراءة في كتابين"


جراسا -

عندما يكون الابداع اكثر من مجرد حرفة كتابة أو عمل أدبي، فأنت كقارئ أو متلقٍِ تجد نفسك أمام مفترق طرق كلاهما يسبر عمق روحك ويرقى بها في فضاءات لا متناهية من الجماليات المتصاعدة نحو خالق الحرف والجمال.

في هذه القراءة السريعة، والتي تتناول كتابين ابداعيين من الطراز المتفرد، والصادرتين عن دار قضاءات للنشر والتوزيع في عمان، الكتاب الأول العمل الابداعي للكاتب والروائي الفلسطيني إياد شماسنة، والموسوم بـ "امرأة اسمها العاصمة" والكتاب الآخر "سيدات زحل" في طبعته الثالثة للمبدعة والقامة العراقية المتميزة والتي تشرفت بلقائها الكاتبة والروائية لطيفة الدليمي، تجد نفسك في عوالم من الحرفية الروائية واللغة الشعرية العالية، في مشهد ادبي يُشير الى الحجم المتماهي والباعث على الفخر بأن لدينا في المشهد الابداعي الأدبي العربي مثل هذه الإصدارات، والتي تعد مرجعيات حقيقية وغميقة للمشهد الابداعي العربي الراهن .

الكتابان استنفذا مني وقتاً وجهداً لا بأس بهما لما عانيته من وجع نفسي خلال قرأتهما، وجع مشوباً بالمتعة والترقب والبناء والفائدة ، وأنا أتلقى صورا وايقاعات ادبية تنقل القارئ إلى مساحات شاسعة من الاغراء الفكري الذي تتشبث به حتى اخر سطور الكتابين.

ففي الكتاب الأول تتماهى الحبيبة الأنثى، والعاصمة المدينة في روح واحدة يهيم بهما الكاتب شماسنة حباً وهياماً في تفاصيل عالية اللغة يسكبها عشقاً لمدينته "القدس"، ويرويها بلغة شعرية رمزية يمازج فيهما بين وصف حبيبته "الأنثى" وتاريخ مدينته "القدس" في ظل احتلال ما زال قائماً ما يجعل امتلاكها بالنسبة إليه صعباً للغاية، تماماً مثل صعوبة امتلاك حبيبته لينتهي به الأمر في نهاية المطاف بامتلاك صديقتها الأقرب إليها.

وجدت صعوبة في متابعة قراءة الكتاب خلال فترة قصيرة بسبب لغته العالية من جهة، والتفاصيل الموجعة التي يسردها الكاتب والتي أثرت على مزاجي في القراءة فكنت ابتعد قليلاً بين فترة وأخرى وألجأ إلى قراءات أخرى تشحن في نفسي الطاقة للعودة إلى "امرأة اسمها العاصمة مرة أخرى".


أما الرواية السردية المتميزة للمبدعة العراقية لطيفة الدليمي "سيدات زحل"، فرغم انشدادي القوي ولهفتي لمعرفة تفاصيل أحداثها، إلا أنني كنت مضطرة إلى تركها مرات ومرات للمعاناة النفسية الشديدة التي واجهتها وأنا اقرأ "حالات النساء اللواتي قتلن أو شردن أو اغتصبن أو جرى التنكيل بهن بلا رحمة" إبان الاحتلال الأمريكي للعراق وسيطرة الجماعات المسلحة في ظروف الحرب، وقد نجحت الكاتبة الدليمي في وضع يدها على قضايا المسكوت عنه في معاناة المرأة العراقية التي كانت جزءا كبيرا من ثمن التناحر والاقتتال الذي أودى بنخيل العراق في غير مكانه الشامخ، كما عرت بذات السياق حالة التواطئ وليس الصمت فحسب عما عانه العراق ارضا وانسانا تحت الألة الحربية وحيدا.

رواية "سيدات زحل" رواية متمزة تحكي معاناة الإنسان العراقي بلغة سردية شفافة لا تُشبه الا روح العراقي "الفينيق" والذي يُصر على الخروج من الرماد ليقول للعالم والكون أجمع ان ها هنا كان العراق.. ها هنا لا زال العراق وسيظل وسيكون.


* نوال قصار : كاتبة وروائية اردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات