الذهبي يتأمّل في رابطة الكتاب وجهات الرواية العربية


جراسا -

يرى الروائي والمفكر السوري العربي خيري الذهبي أن الرواية هي فعل مدينيّ برجوازيّ بامتياز.

وفيما هو يستشهد بمقولة الفيلسوف المجري جورج لوكاش (1885-1971) الذاهبة إلى أن الرواية هي ملحمة البرجوازية، يزيد الذهبي على عبارة لوكاش حول الرواية فيقول: "إنها الكتاب الذي تصف فيه نفسها وتدوّن داخل طياته أحلامها، وتستعرض من خلالها ما حققته وتستشرف ما تود أن تحققه".

الذهبي في اللقاء الذي نظمته له لجنة القصة والرواية التابعة لرابطة الكتاب الأردنيين، وقدمته فيه القاصة بسمة النسور، وتابعه حضور لافت، يرى أن حضارتنا العربية الإسلامية ظلت تتنازعها منذ قيامها وجهتان اجتماعيّتان قيميّتان: الوجهة المدينية التي انتصر لها الرسول فور انتقاله من قرية مكة إلى قرية يثرب عاملاً على تحويل يثرب إلى مدينة وهي التي صار اسمها المدينة المنوّرة، وأما الوجهة المقابلة (المضادة) فهي الوجهة البدوية التي أخذ منها رسول الإسلام منذ البداية موقفاً رافضاً الأعراب الممعنين بجاهليتهم وبداوتهم "الأعراب أشد كفراً ونفاقاً".

مواصلاً قراءته لوجوه هذا الصراع التاريخي، يبيّن الذهبي أن أكثر ما ابتلت به بغداد عندما تجلت كحاضرة مدينية برجوازية عربية إسلامية، هو الغزو البدوي الهمجي القادم من شرق آسيا: المغول والتتار (هولاكو وجنكيز خان وتيمور لينك) القادمون من صحارى آسيا وأكثر مساحاتها قفراً ويباباً وبرداً وفقراً مدينياً معرفياً ثقافياً حضارياً، وهم بما اقترفوه بحقها من دمار وخراب أبقوها 500 عام متواصلة دون مدنيتها التي كانت تفاخر العالم بها وتصدرها باتجاه جهات الكون الأربع.

ولأن الرواية هي فعل مدينيّ/ برجوازيّ خالص كما يرى الذهبي صاحب ثلاثية التحولات، فإن معظم الروايات التي كتبت، برأيه، في بلدان مبتلاة بهيمنة الإقطاعيات الزراعية أو الإقطاعيات العسكرية، خانت طبيعتها، ولم تعاين مدينيتها، ولم تروِ سيرة نفسها، وهربت من كل هذا وذاك للرواية التاريخية التي ترصد سير الأولين وتتغنى بأمجاد الآفلين، وهو ما فعله، على سبيل المثال، الروائي السوري معروف الأرناؤوط بحسب ما يرى الذهبي.

عقود اجتماعية عديدة تحكم، بحسب الذهبي، شكل العلاقات بين الحاكم والمحكوم إنْ في الغرب أو في الشرق، ولكن أكثرها شراسة واختلالاً كما يرى هي تلك العقود القائمة إما على مبدأ: أعطونا أموالكم وثرواتكم وأحلامكم ونحن نمنحكم بالمقابل الحماية، أو على مبدأ: أقتل السلطان فتصبح السلطان. وهما العقدان المغروزان، كما يصف، في بلادنا، لا يبرحان ولا يتزحزحان.

في سياق متصل، يذهب الذهبي إلى أن "ألف ليلة وليلة" هي رواية البرجوازية المدينية العربية الأهم. ولتوضيح رأيه هذا يقول إنها رواية المدينة عندما يتساوى الناس كأسنان المشط مواطنين في مدينة الوطن ومدينة الناس: الأشعريّ والمعتزليّ، هناك حيث وقفا مرّة أمام الخليفة المأمون تحت عنوان (لندع كتاب الله جانباً ونتحاور)، فإذا بالحوار يجوب آفاقاً طازجة من الرأي والرأي الآخر. إنها رواية، الشريحة الجيولوجية للحضارة الإسلامية قاطبة، وفيها، يقول الذهبي، يتساوى الفارسيّ مع الهنديّ مع المصريّ/ الفرعونيّ مع الشاميّ وأخيراً مع البغداديّ/ العباسيّ.

الذهبي جعل القسم الأخير من حديثه العفويّ الارتجاليّ المشوّق لتناول تجربته الروائية الإبداعية منذ أول "ملكوت البسطاء" في العام 1974 مروراً بعشرات الأعمال من روايات وسيناريوهات مسلسلات وأفلام سينمائية وليس انتهاء بـ"الإصبع السادسة" الصادرة في العام 2012، دون أن ينسى الإعلان عن رواية له في الطريق، وصل كما يكشف مراحلها النهائية، إضافة إلى دفعه كتاب مقالات له وأوراق عمل ودراسات وشهادات إبداعية لدار نشر محلية عربية، لعله يصدر، كما يورد، قبل روايته الجديدة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات