باسلوب نبيل شامل من الاحتراف الاعلامي والوفاء والمهنية والذوق الرفيع غطت الاعلامية المصرية الاستاذة لميس الحديدي الايام الثلاثة الاولى بعد وفاة الصحفي المثقف والمثاقف الكبير الاستاذ محمد حسنين هيكل، وهو بحق ظاهرة فريدة موصولة في الصحافة العربية لما يقرب من ثلاثة ارباع القرن من الزمان، وذلك في برنامجها الهام هنا العاصمة.

لم يخفي علي وربما على غيري ان هيكل كان قد اعد فريقا مهنيا بقيادة الاعلامية لميس لهذه التغطية الحرفية المبهرة، التي شاهدتها كما شاهدها الكثير وهي بالطبع عالية الجودة وموثقة بالصور الوثائقية مشفوعة بصك وسباكة الكلمات والعناوين الرئيسية في الصحف القومية وبوابات الاعلام الالكتروني واليوتيوب وغيرها من وسائل تناقل الخبر.

لقد تابعت برنامج هنا العاصمة بكل ترقب لانني ارى بأن كتابات الاستاذ هيكل جزء من مكون ثقافتي واجيال غيري، منذ النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي “التي ما زلت افخر بها” وقد كنت اشتري الاهرام من مكتب للصحافة في اربد لقراءة مقال بصراحة فقط، وبعدها عكفت على شراء مجلة السياسة الدولية لاتابع دراسات الاستاذ الموسوعية والهامة وخاصة مع بدايات بذرة اسلمة الحرب على روسيا الشيوعية، بفلسفة ومنطلقات الجهاد على الطريقة الامريكية لدحر الروس عن ارض افغانستان، وذلك بحجة السماح بتجييش المجاهدين والمتطوعين العرب بتسهيلات امريكية لا تخلو من إغراءات ووعود مجزية لهم وعائلاتهم، وكذلك تخفيفا من ظغط الاسلاميين قبل واثناء معاهدة كامب ديفد المصرية مع اسرائيل يتمويل من صناديق إئتمان مالية مشبوهه، شاركت بها دول غربية وعربية نفطية …
ولقد تميزت حلقات الاستاذة لميس في مرثاة الاستاذ هيكل بالتركيز على الجوانب التالية:-

1. الوثائق المكتوبة والمخزنة في ارشيف الاستاذ هيكل الضخم.

2. سحر الكلمة الانثوية بعاطفة صادقة جياشة

3. الاتصال مع مختلف الاطياف السياسية المؤثرة في مراحل متعددة من حياة مصر والوطن العربي

4. استحضار الحقبة الناصرية والقومية بكل القها ومريدوها ورموزها التي ما زالت على قيد الحياة

5. الاستفادة من الراهن العربي الاليم للامة، وتذكير الجيل بقامة وقيمة شامخة ساهمت في حقن اجيال من الامة بالعزة الوطنية النظرية وفي اختيار المشي في مسالك وعرة مزروعة بحقول من الالغام ما بين الصحافة والسياسة ومعاندة الواقع بوقائع ناعمة يؤكدها الحاضر العربي ...

6. ابراز عصامية هيكل في مشواره الطويل في الصحافة منذ عهد المراسل الحربي الصحفي الى الحكواتي الحكيم على القنوات التلفزيونية ذات الابعاد الثلاثة !

7. التركيز على سلاسة ومرونة الاستاذ كصحفي والذي دخل عالم السياسة مبكرا مع كبار عصره فخرجوا من التاريخ ليدخل هو بين سطوره صانعا لمجدهم معبرا عن تاريخهم !

8. تغبط الاعلامية لميس الحديدي على قدرتها الفائقة في التجسير ما بين الاعلام والسياسة والتارخ والارشفة الحديثة، وعلى التعافي من بريق الاعلام المبهر والتعايش مع منزلقاته

9. متابعة انتشار خبر الوفاة مع اسرة الزعيم عبد الناصر مثل د. هدى وعبد الحكيم عبد الناصر والتركيز على العلاقات الانسانية الموصولة بين اسرتي الصحفي والزعيم.

10. متابعة صحافة بيروت وبعض العواصم العربية والعالمية وكذلك شهادات كبار الاعلاميين والاكاديميين العرب والعجم حول سيرة هيكل …

شكرا للميس الحديدي، وشكرا للصحافة القومية ووسائل التواصل ونقل الخبر على تغطية وفاة عميد وعماد الصحافة العربية، معتبرا ان ما تابعته من تغطية ما هو الا شمعة وفاء اشعلتها لميس في الليل البهيم للراهن العربي الذي يحتضر في غرف عواصم القرار العالمي للعناية المركزة بتقسيم ارضه وشعبه والسيطرة على مقدراته وتحديد اسعار المحروقات في محطات وقودة.

وشكرا للاعلامية المبدعة لميس الحديدي على ما قدمت من تغطية منصفة للثائر الكبير في الاعلام والسياسة العربية.

مع خالص العزاء والمواساة للميس الحديدي وعشاق الحقيقة في مصر وفي عالمنا العربي، مع حسن العزاء والمواساة للاسرة الصحفية العربية ولاسرة الصحفي الاسطورة الاستاذ محمد حسنين هيكل.