عام على مجيء الفنانة يسرا الى الأردن


ترددت كثيرا قبل أن أكتب هذه الكلمات، فقد تم عرض أعمال هذه الفنانة كثيرا في الأردن في دور السينما و على الفضائيات من دون موجات الإعتراضات التي احاطت بمجيئها الى الأردن في اذار من العام الماضي 2015، و قد زارت الأردن من قبل بحسب ما ورد في بعض الصحف العربية من دون أن تعترض طريقها الصحف المحلية في الأردن، و عُرِضَ لها مسلسلات كثيرة اثناء ثورات الربيع العربي في الأردن من دون اية تعليقات سلبية من الصحف المحلية، فيبدو لي أن الحركة الإعلامية كانت تتقبل هذه الفنانة و أعمالها بصورة معقولة جدا طوال فترة ممارستها لنشاطها المهني فحتى ذَكَرْتُ بمقالة سالفة لي عن خبرة مررت بها اثناء عرض فلم الإرهاب و الكباب في دارٍ للسينما فكانت هذه الأعمال تُقَابَلُ بالإستحسان من قِبَلْ الجمهور المحلي...فأين كانت المشكلة في مجيئ الفنانة يسرا الى الأردن في العام الماضي؟

طالعت معظم النقد الذي احاط بزيارة هذه الفنانة في أذار من العام الماضي لأشعر بخيبة أمل كبيرة في داخلي كأديب و ناقد فني...بل حتى كمواطن اردني ايضا، فقد اتصف الهجوم عليها بالعشوائية الذي طالها بصفة شخصية مع كل أسف و جرح مقامها كفنانة...بل حتى طال ارشيفها الفني بصورة عشوائية و فوضوية و اتسم بالسخرية و عدم الإحترام بصورة مطلقة لأفلامها، و هذا مؤشر غير سار و لا يريح إطلاقا للحركة الثقافية المحلية فالهجوم الإعلامي بهذا الصورة الذي تم يَدُلُ على أن مفهومنا للدراما مُشَوًشْ جدا و ثقافتنا في أصول النقد الفني غير سليمة كلياً و بأننا نسعى لتفريغ غضبنا على من لا يأتي على نفس طباعنا و مزاجنا الشخصي و بصورة جارحة و غير مهنية ككتاب و أدباء و إعلاميين، بل حتى يدل على عدم امتلاكنا لِفَنْ تَقَبُلْ ثقافة الغير، للفنانة يسرا عدد من الأعمال الضخمة التي لم يذكرها الإعلام الاردني إطلاقا خلال الهجوم عليها، و سأذكر بعض منها على سبيل المثال لا الحصر حيث نالت هذه الأعمال على استحسان جمهور الوطن العربي و نقاد كِبَار في مصر و العالم العربي و قد أثنيت شخصيا على عدد منها...1) فلم الإرهاب و الكباب، 2) فلم المهاجر للراحل يوسف شاهين، 3) فلم حدوته مصرية للراحل يوسف شاهين 4) فلم اسكندرية كمان و كمان للراحل يوسف شاهين، 5) فلم اسكندرية نيويورك للراحل يوسف شاهين 6) فلم الجلسة سرية مع الفنان محمود ياسين 7) فلم دم الغزال مع لفيف لامع جدا من نجوم الشاشة المصرية الكبار 8) فلم عمارة يعقوبيان 9) فلم ما تيجي نرقص، و من المسلسلات أذكر على سبيل المثال لا الحصر 1) مسلسل رأفت الهجان، 2) ملك روحي، 3) لقاء على الهواء 4) بالشمع الأحمر، 5) سرايا عابدين، و من أعمال الرعب أذكر 1) التعويذة، 2) الإنس و الجن،

لكل من هذه الأعمال صبغتها الفنية الخاصة، فالفنانة يسرا وليدة موهبة صقلها تاريخ فني عمره لا يقل عن مائة و خمسة أعوام، فالحركة الفنية بمصر توأم للحركة نفسها بالعالم الغربي و ابتدأت و ترعرت على ايدي عباقرة كبار قدموا عبر العقود السالفة عشرات الأعمال الناجحة مما فتح المجال للعديد من الفنانين في تقديم موهبتهم الدرامية و الفنية، فكان للسينما حضورها القوي في بلاد النيل التي شهدت انفتاح واسع على العالم بثقافاته المتنوعة بفعل هذه الحركة السينمائية الضخمة، فالسينما لغة تتكلمها معظم بلاد العالم و في القاهرة حركة غنية جدا من المهرجانات الثقافية التي تقدم كل جديد لمصر بما يتخص بخبرات المخرجين و المنتيجين حول العالم بهذا المجال، و حدث بلا حرج عن مشاركة الأعمال المصرية في مهرجانات خارج مصر ايضا،

و قد ساهمت هذه السينما الغنية في مصر بفرض مناخ مميز جدا من الحريات الفكرية و الإبداعية لتتمكن هذه الحركة السينمائية من البقاء في تلك البلاد و لكي تصل الى ذروة نشاطها و لكي تستمر بالإزدهار و العطاء، فعبر الخبرات المتراكمة اصبحت السينما و الدراما و فنون المسرح في مصر مساقات أكاديمية لها العديد من الأفرع تقوم معاهد اكاديمية بتدريسها للطلاب، فبفضل تراكم الأعمال الفنية عبر فترة القرون الماضية أصبحت بين ايدي الكادر التدريسي مناهج دراسية و اعمال لمخريجين و فنانين كثيرة جدا تمكنهم من تقديم مناخ دراسي مقنع و ناجح للطلاب، فَغَزَلَ القَدَرُ الدراما عبر العقود العديدة السالفة و أسسها ضمن ثقافة تلك البلاد و أصبحت جزءا من هويتها الثقافية كدولة، و قَوْلَبَتْ معها الحريات المناسبة لكي تستمر بالعطاء في مصر، و قد تأثر بما تقدم الكثير من المخرجين و كتاب السيناريو و الفنانين عبر مسيرة عطائهم الفنية، الارشيف الفني لمصر يتضمن الآلأف من الأعمال السينمائية و المسرحية و أعمال الدراما التلفزيونية فالسؤال الذي يطرح ذاته هو أين نحن في الأردن من هذا الإنتاج العملاق في مصر؟ نحن رصيدنا ما دون الصفر المئوي فليس لدينا تجارب إطلاقا مقارنة بهذه الدراما العملاقة التي عمرها دهر بأكمله، فلذلك لم نستطيع استيعاب الأرشيف الفني لفنانة عملاقة بحجم يسرا و لم نتكمن من استيعاب ارشيفها الفني، حتى النقاد و الأدباء لم يمارسوا المهنية اللازمة و لم يتمكنوا من فصل مواقفهم الشخصية عن مهنتهم و اعطاءها حقها كفنانة لها كيانها المميز و أرشيف كبير و لامع بشهادة التكريمات التي حصدتها من مهرجانات كبرى في داخل مصر و خارجها،

توقفت عدة مرات عند أعمالها، فمنها ما وجَهًتُ اليه النقد القوي، و من أعمالها ما مدحت به و أعطيته حقه، فإحترامي لأصول مهتني جعلني أتوقف مع أعمال كثيرة لها و لزملائها من الفنانين و الفنانات، فالكتابة عن أعمال هذه الفنانة و مثيلاتها من الفنانات مثل (مع حفظ اللألقاب و على سبيل المثال لا الحصر نبيلة عبيد و نادية الجندي و هالة صدقي و ليلى علوي و الهام شاهين) و ايضا عن فنانين صنعوا فارق كبير بعالم السينما مثل (مع خفظ الألقاب و على سبيل المثال لا الحصر عادل أمام و نور الشريف و فارق الفيشاوي ) يستغرق وقتا طويل جدا و سيتطلب مجهود كبير جدا، ففي داخل مصر بلد ثاني يعيش في قلب الحركة الثقافية اسمه عالم الحريات و الإبداع و هو مربوط مع عالم الفنون و الدراما و السينما بصورة مباشرة،

كنقاد و أدباء يجب أن نفصل نقدنا عن شخص الفنانة يسرا كإنسانة، فمهنيا لا علاقة لنا بكيانها الشخصي إطلاقا، و نقدنا يجب أن يكون مهنيا سواء كتبنا الأمور الإيجابية عن أعمالها أو السلبية، و يجب أن يكون بعيدا عن السخرية يتسم بالجدية و المهنية و يجب أن تنحدر افكارنا من خلفية اكاديمة أو خبرة في مجال النقد و العلوم الدرامية، فالعشوائية و الهجوم الأعمى ليس صديقنا في هذا المجال أخذين بعين الإعتبار أننا سنتقبل بصدر رحب اي نقد سلبي عن الافلام الدرامية فهذا هو الطبيعي...ان يكون هنالك تعليقات و مقالات تعالج الأعمال الدرامية سواء كانت ايجابية او سلبية، أما الهجوم العشوائية الذي لحق بالفنانة يسرا فهو أمر غير مهني إطلاقا و لا يدل على فهم عميق للسينما و الدراما..فلو كان لدينا في الأردن حركة غنية و دسمة مثل التي تتمتع بها مصر لكانت لهجة الأقلام اختلفت كليا،

أتمنى أن تتسع الصدور لكلمات هذه المقالة عند القراء الأعزاء...فالفنانة يسرا قَدِمَتْ الينا من مناخ يختلف كليا عن مناخنا في الأردن، فالبيئة السينمائية في جمهورية مصر العربية منفتحة جدا جدا لذلك هنالك متسع ضخم لهذه السينما أن تأخذ مداها و أن تصل الى نشوات عملاقة و جبارة كالسينما الموجودة بالغرب تماما لذلك كنت أتمنى من صميم قلبي التَرَيُثْ بأمرها و أن يكون لدى الزملاء القليل من البصيرة العميقة بأن ليس كل ما لا نتفق معه هو خطئ، فالخطئ عندنا قد يكون الصواب و السليم في مجتعات أخرى غريبة عنا، فنحن جزء من عالم به حضارات كثيرة و لكل منها تقاليدها التي تميزها و التي تختلف عن قيمنا و تقالدينا في الأردن، فلذلك حينما نحتك بأبناء تلك الحضارات يجب علينا أن نتفهم بيئتهم و نشأتهم و الظروف المهنية التي تحيط بهم...قبل أن نكتب...لأن الحياة هي الدراما و الدراما هي الحياة، هما توأم و الفرق الوحيد بينهم أن الحياة حقيقة أما الدراما فهي مرآة للحياة...و هذا الإطار الذي يعمل به كل ممثل خلف الكاميرا، و هذه أحكام السينما التي لطالما حبست أنفاسنا و نحن نشاهدها في دور العرض و على الفضائيات،

شتم الناس و الهجوم عليهم لأنهم يحملون قِيَمْ تختلف عنا ليس من سِمَاتْ الكاتب و الناقد السينمائي الناجح، و ليس من الأمور التي يجب ن نفتخر بها، فنحن جزء من إنسانية تتشعب حضارتها كثيرا و الفكر بين أخ و أخيه قد يختلف فكيف بإنسانية تختلف حضاراتها و عقليات ابناء تلك الحضارات بصورة جذرية، و للفنانة يسرا كل التقدير و لأرشيفها الفني، فلو كانت الحركة السينمائية في مصر موجودة بالأردن لصقلت أقلام كثيرة معها و لغيرت الحركة الإعلامية و الثقافية في الأردن قلبا و قالبا.

الجزء الاول 

 

يتبع



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات