جدل نيابي يحتدم حول استجواب النسور .. و"الرئيس" فوق الشجرة


جراسا -

ايهاب سلامة - اذا كان الدستور لا يخوّل مجلس النواب استجواب رئيس الحكومة على قراراته وافعاله، وبالتالي عدم مساءلته، وفق ما صرح به رئيس الوزراء، خلال مناقشة نواب لرفع أسعار المياه، وهو أمر اتفق معه - دستورياً - الفقيه الدستوري محمد الحموري، ونوه ان قرار رفع أسعار المياه من صلاحيات الحكومة ولا تستأذن النواب فيه .. معنى ذلك أن رئيس الحكومة يقبع فوق شجرة السلطة التشريعية، ولا يمتلك النواب من شيء سوى القاء مزيد من الخطب العصماء المحضرة للاستهلاك الشعبي، التي قد تنفعهم مع قرب رحيلهم، واقتراب موعد الانتخابات البرلمانية القادمة.

والاستجواب في هذا السياق يعني المساءلة، التي تعني قدرة مجلس الامة على ايقاع اللوم على شخص الرئيس بصفته الوظيفية، ومحاسبته، وتحميله تبعات قراراته، فيما عدم امتلاك المجلس هذا الحق، يحد بشكل مؤثر ومؤكد من قدرته وفاعليته وسلطته، ويضع منصب رئيس الحكومة في مراتب لا تطالها يد النواب ولا الاعيان ومجلسيهما.

طرح الثقة بالحكومة هو الخيار الدستوري الوحيد المتوفر في جعبة مجلس النواب، اذا أقر الرئيس وحكومته قراراً يخالفه المجلس ويعارضه، ودون ذلك ليس أمام النواب سوى البحر ليشربوا منه ما استطاعوا اليه سبيلا.

جلسة النواب اليوم، ربما تكون قد كشفت ما رآه البعض "عورة دستورية"، وعائقاً ديمقراطياً، لم يكن في حسبان الكثيرين، يحد من قدرة مجلس النواب الذي تعرض ويتعرض اصلاً لوابل من التندر الشعبي، على مختلف صعده، من اداء نوابه، وتركيبته الداخلية، وضعفه العام، وعدم ارتقائه الى مستوى طموح الشارع الاردني المتعطش لمزيد من الاصلاحات والديمقراطية.

رئيس الحكومة ، بدا وهو يرد على استجواب تقدمت به النائب رولا الحروب، حول رفع اسعار المياه، وكأنه يعلن عن مواد جديدة في الدستور، تدعم قراراته، وترسخ سلطانه، ربما لم يطّلع عليها العديد من أعضاء المجلس، كالمادة (96) التي نصت على أنه "يحق لكل عضو في مجلسي النواب والأعيان توجيه أسئلة أو استجواب للوزير المعني فقط وفقا للنظام الداخلي"، دون اشارتها الى رئيس الوزراء.

ظهور هذا الجدل على سطح المشهد السياسي ، وفي هذه المرحلة بالذات، قد يفهم منه، أنه يزيح النواب من أمام "بوز المدفع"، مع تسريبات بثتها وسائل اعلامية، ان الحكومة تدرس فرض ضريبة جديدة على تسعيرة المشتقات النفطية، لتغطية نفقات اللاجئين السوريين في المملكة، سيما وأن هذا القرار  المزعوم، يأتي تزامنا مع الانخفاض العالمي لاسعار المحروقات، وكذلك مع ارتفاع توقعات المواطنين بخفض اسعارها عليهم لا رفع ضريبتها، الامر الذي يضع مجلس النواب في مأزق قادم مع ناخبيهم الذين اقترب موعد اصواتهم الانتخابية.

وتبدو هذه التسريبات، متزامنة مع تصريحات الرئيس انه فوق المساءلة النيابية، لتخفيف الضغط المرتقب عن النواب، حال فرضه ضريبة على المحروقات، وبالتالي تحمله نتائج قراراته وحده، كما دأب طيلة فترة وزارته، الامر الذي يشبه القاء طوق نجاة سلفاً للنواب، ويزيح حملاً عن كاهلهم، بخلاف ادعاءات قد تبدو مغايرة.

الغريب في الامر، غياب مسألة استجواب الرئيس التي اثارت جدلا نيابيا واسعا اليوم، عن التداول، حتى من فقهاء الشأن البرلماني، وعدم التطرق لها في أوقات سابقة، حتى أن النائب الحروب التي كانت في أوج هجومها على الحكومة، حولت استجوابها للرئيس بعد إثارة نواب عدم دستورية توجيه استجوابها له ، الى طرح الثقة بالحكومة، ثم ما لبثت أن تراجعت عن قرارها، وأنهت استجوابها.

واحتد الجدل بين عدد من النواب لاحقاً، منهم من أكد أن الدستور لا يجيز استجواب رئيس الحكومة، لافتين الى أن "الاستجواب" وفق النظام الداخلي لمجلس النواب، يكون للوزراء، وليس لرئيس الوزراء، ومنهم من رأى انه من صميم الدور الرقابي للمجلس، مؤيدين النائب الحروب بالمضي في استجوابها لرئيس الحكومة.

النائب سعد هايل السرور أوضح في حديث مع "جراسا" أن أي خلاف حول مادة دستورية هناك مرجعية تفصل الامر فيه، وهي المحكمة الدستورية، مشيراً الى أنه حدث خلط خلال جلسة النواب بين "موضوع الاستجواب" المتعلق بتعديل اسعار المياه، الذي أكد أنه يرفضه تماماً كما يرفض سياسة الجباية التي تنتهجها الحكومة، وما بين نص دستوري ثابت، لا يجيز للنواب أو الاعيان استجواب رئيس الوزراء بل الوزير المعني.

وأشار الى ان المادة (33) من النظام الداخلي قد عرفّت الاستجواب بانه محاسبة الوزراء أو أحدهم.. ولم تتحدث عن رئيس الوزراء، وأضاف أنه اذا لم يقنع النائب المستجوب برد الوزير ، يحق له أن يتقدم بعريضة موقعة من عشرة نواب، ويطرح الثقة بالوزير ، أو بالحكومة.

النائب خليل عطية، توافق مع رأي السرور، وأكد لـ"جراسا" أن لا صلة ما بين فحوى الاستجواب، وبين نص دستوري ثابت، لا يجيز استجواب رئيس الوزراء، معتبرا أن رئاسة المجلس وقعت في خطأ باستدعائها رئيس الوزراء للاستجواب بدلا من الوزير المعني وهو وزير المياه.

وأوضح أن رئيس الوزراء ايضا لا يحق له الاجابة عن استجواب الوزير، وكذلك لا يحق للوزير الرد عن رئيس الوزراء.

النائب علي السنيد رأى الامر بشكل مغاير، وقال ان ما حدث اليوم في المجلس يرسخ عرفاً دستورياً بعدم محاسبة رئيس الوزراء، واعتبر ان الرئيس تترتب عليه المساءلة، ما دام مكلف بالمسؤولية.

وقال أن "تحصين" رئيس الوزراء، غير موجود في الديمقراطيات التي تحترم نفسها، ولا في دساتير الدول التي تسعى نحو الاصلاح الحقيقي، وأكد في حديثه لـ "جراسا" أن جلالة الملك هو الوحيد الذي يمتلك حصانة وفق الدستور، كون جلالته يرأس السلطات الثلاث، بينما رأى أن رئيس الوزراء مسؤول ومساءلته واجبة، كونه تولى سلطة من هذه السلطات الثلاث.

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات