بنت حلال … .. مِن مُذَكِّراتِ شابَّةٍ بالأربعينَ


جراسا -

كانَ لي أصدقاءُ بالجامعة يُعْرَفُونَ تمامَ المعرفة بمعنى الصداقة, وأَعْتَبِرُ نفسي محظوظةً؛ لأنِّي وَجَدْتُ مَن يُقَدِّرُ الصداقة في هذا الزَّمَن.

صديقي المُقَرَّبُ هو أدهم أحدُ أروعِ الأصدقاء الذين لم أُقابِلْ مثلَهم في حياتي, نشيطٌ محبوبٌ من الجميع، ومُتَفوِّقٌ في دِراسَتِه حيث كانَ مِن الأوائل، وكانَ له فتاةٌ يُحِبُّها كثيرًا وتُحِبُّهُ أيضًا, اكْتَشَفَتْ صُدفَةً فيما بعدُ أنَّه كانَ جاري في المنزل.

مَرَّتِ الأيّامُ سريعًا, وهأنذا في الفرقة الثالثة، أَصْبَحَ لي أصدقاءُ كثيرونَ، وانْدَمَجْتُ أكثرَ في الحياة الجامعيّة, جاءني صديقي أدهم يومًا قائِلًا: كيفَ حالُكِ جميلة؟

جميلة: بخير، كيفك أنت؟

أدهم: قلق بشأنِكِ؟

جميلة: لماذا؟

أدهم: لا أدْرِي أتمنّى لو تُخْبِرِيني.

جميلة: أبدًا لا شيء.

أدهم: أعتَقِدُ أنَّ أحدَهم يشغل بالَكِ؟

جميلة: ما المقصود بأحدهم؟!

أدهم: أَوَدُّ لو تُخْبِرِيني.

جميلة: أتمنّى لو كانَ هناكَ ما أُخْبِرُكَ إيّاه.

أدهم: أنتِ حائرة في الفترة الأخيرة, موجودة بيننا وكأنَّكِ غيرُ موجودة, أَعْتَقِدُ أنِّي فهمتُ حالَتَكِ، إنّهُ الحُبُّ سيِّدتي الفاضلة, لكنْ لماذا الحُزْنُ؟

لمْ أَرُدَّ أو أُعَلِّقْ فقط استأذنْتُ بابتسامة هادئِة حزينةٍ لم يكنْ هناكَ كلماتٌ تُعبِّرُ عَن حُزْنِي وخَسارتي.

بعد عِدَّةِ أيّامٍ…

أدهم: بنت حلال، الحمد لله إنِّي وجدتك.

جميلة: خير يا أدهم اتفَضَّلْ.

أدهم: ابن عمَّتي بيبحث عن عروس, يعمل محاسب بالسعوديّة، وعمتي طيِّبة واللهِ وناس محترمين, أبْلِغِي عائلَتَكِ بالبيت وحدِّدي موعدًا لزيارتنا.

أَبْتَسِمُ قائِلةً: طيِّب.

أدهم مُستطرِدًا: واللهِ هو راجل محترم.

أَبتَسِمُ مِن إلحاح الصديق قائلةً: تمام سَأُبَلِّغُ عائلتي وأَرَدُّ عليكَ.

رَجَعْتُ البيتَ فَقَصَصْتُ لِأُمِّي ما حَدَثَ ولكنَّها ثارَتْ قائلِةً: إنّه فتى صايع غير جِدِّيٍّ. وَأَمَرَتْنِي ألّا أُحَدِّثَهُ ثانيةً ومِن ثَمَّ بَرَّرَتْ ثورتَها وغضبَها بأنّها تَحْمِيني, كلُّ شخصٍ يحمي ما يَعنيه بطريقته الخاصّة، وإنَّني أَعْنِيها بالمقام الأوّل وَتُفَكِّرُ بِمَصلَحَتِي.

لمْ أَرُدَّ حينَها على أُمِّي واحْتَرَمْتُ غَضَبها.

وبعدَ أُسبُوعٌ قابَلْتُ أدهم بالكُليَّة وَسَأَلَنِي عن رأيي، فقلتُ له: كلّ شيء نصيب يا أدهم.

أدهم: أَصْبَحْتِ غير مفهومة, اعْتَقَدْتُ أنَّ هذا سَيُسْعِدُكِ!

ابْتَسَمَتُ قائِلةً: كلّ شيءٍ نصيب.

أدهم: إنتِ بنت حلال وتستحقين كلّ خير.

أَرُدُّ: إنْ شاءَ الله, أَخْبِرْني هل حَدَّدْتَ موعد خطبتك؟

أدهم بِعُيونٍ لامعةٍ: قريبًا بإذنِ الله سيكتمل حلمي، إنِّي أُحِبُّها كثيرًا حُبًّا جُنُونيًّا.

أبْتَسِمُ قائلةً: يا لها مِن فتاة مسكينة وَقَعَتْ بِحُبِّ مَجنون.

أدهم: حقيقي أنا مَجنون؟ بالمُناسبة أَتَعرفينَ الدكتور عبد الفتّاح؟؟

أَرُدُّ باشمئزاز: وهل يخفى القمر؟!

يَضحكُ صديقي قائلًا: إنَّه حقًّا قمرٌ, سَأَلَنِي عَنْكِ مِن يومَيْنِ، أعْتقدُ أنَّه مُعْجَبٌ!

أَضحكُ قائلةً: أَقالَ لكَ هذا؟؟

أدهم: أي نعم, معجبٌ بِكِ وَيَوَدُّ التقدُّمَ لِخطبتك.

ضَحِكَتْ ساخِرةً مِن أدهم: خطبتي!! أعتقِدُ أنّه كبيرٌ في السِّنِّ؟

أدهم: السِّنُّ لا يُشَكِّلُ فارقًا كبيرًا, المُهِمُّ هلْ هو فتى أحلامِكِ؟

جميلة: أَتَسْخَرُ مِنِّي!!

أدهم ضاحِكًا: أبدًا، أَتَمَنّى لكِ السعادة, مبارك مُقَدَّمًا.

جميلة: لن أوافِقَ.

أدهم وقد بَدَأَ في إغاظتي: عريس مميَّز، فرصةٌ لن تتكرَّرَ، راجِعِي نفسَكِ جيِّدًا.

ما زِلْتَ تسخَرُ منِّي وسَتَنْدَمُ على ذلك.

أدهم: لنْ أسخرَ مُجدَّدًا، ولكن مبارك، تُشبهينَهُ كثيرًا.

لن أَحْضُرَ خطبتَكَ إذا استمرَّيْتَ في هذا الهراء.

أدهم: لن أسْتَمِرَّ… وَيُدِيرُ ظهرَه ماشيًا ثمَّ يلْتَفِتُ إليَّ قائلًا مبروك.


بقلم الكاتبة إسراء أبو زيد


israabozid@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات