الوعيُ عند تزاحم الأفكار


بسم الله الرحمن الرحيم

تحددت أصول المعرفة في كتاب الله الكريم بقوله تعالى " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " وكل واحدة من هذه الأصول لها تأثير في وعي الأنسان بدرجة ما .

والوعي في اللغة هو الفقه و الحفظ و الكياسة و ادراك الامور على حقيقتها ومنه الحكمة و الهداية وفي هذا سئل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن اعمالهم في الجاهلية ، اما كانت لكم عقول؟! فقال : قد كانت عقول ولكن لم تكن هداية .

و تعتبر " المشورة " من أهم الوسائل التي تساعد في رفع درجة الوعي و تمحيص الرأي ، قال تعالى " و أمرهم شورى بينهم " وقال جل جلاله " واخفض جناحك للمؤمنين " و خفض الجناج يعني التواضع ولين الجانب و الاصغاء إلى الاراء الأخرى وقد جعل الله تعالى خفض الجناج حقا على القائد للمؤمنين فقط ولم يجعله للفاسدين أو المنافقين أو اللبراليين أو العلمانيين ، لأن الخير بمشاورة أهل الايمان فقط وفيهم الخبير في السياسة و الادارة و الحرب و السلام وفيهم الخبير في الاقتصاد و التربية و الاعلام وفيهم المهندس و الطبيب وفيهم الفقيه العالم بالشرع و احكامه ، فأهل الايمان لديهم كوادر متخصصة قادرة و كافية لإدارة شؤون دولة بجدارة و الأمثلة على ذلك حاضرة منذ دولة الخلفاء الراشدين وحتى يومنا هذا ممتدة إلى الرجل الطيب رجب طيب في تركيا اليوم .

لذلك يعتبر الوعي امرا حيويا و ضروريا للحياة عامة و للدولة خاصة ، لكن الوعي وحده قد يكون كافيا في دولة اسلامية عادلة اما في ظل الانظمة الاستبدادية فأن الوعي وحده لا يكون كافيا لإصلاح الاوضاع المتردية إذ لا بد من ان ترافق الوعي الجرأة و الشجاعة ، قال تعالى " وقل لهم في انفسهم قولا بليغا " لأن وعي الجبناء له حدود لا يستطيع ان يتخطاها فلا يؤدي لا إلى إصلاح ولا إلى حرية اما وعي الشجعان فهو القادر على التأثير في قوة الظلم و الفساد و الاستبداد ، و الوعي بلا جرأة كزعيم بلا سلطة و نستذكر هنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " سيد الشهداء حمزة ابن عبد المطلب ورجل قام إلى امام جائر فأمره ونهاه فقتله " .

وتعتبر " الاحزاب " العامل الثاني بعد المشورة الذي يساهم في رفع درجة الوعي عند الناس ، لأن الاحزاب تتنافس فيما بينها بإراء متعددة ببرامج شاملة في ظل الاسلام الحنيف بحدوده و آدابه ، وهذا يعمل على تزاحم الافكار و تلاقحها و تنافسها لعمل الافضل لمصلحة الشعب و الوطن و الدين فتزداد مساحة الوعي عند الناس .

ولقد رأينا هذا في إيران الدولة الشيعية بالرغم من اختلافنا معها ففيها حزبان كبيران يتنافسان حزب المحافظين و حزب الاصلاحيين وكل له جمهوره ويتناوبان على تشكيل الحكومة .

وهذه تركيا تتنافس فيها عدة أحزاب بانتخابات نزيهه شفافة لم نسمع يوما أن مواطنا تركيا واحدا شكك في نزاهتها " الشر برا و بعيد مثل انتخابات العرب " وقد فاز فيها الحزب الاسلامي عدة مرات و يجري ذلك وفق قانون انتخاب متطور و عادل و الوطن كله دائرة واحدة .

ومن المؤكد ان وجود قانون احزاب متحضر و قانون انتخاب متحضر لا يسمح لأحد بالترشح إلا إذا كان منتميا لحزب من الاحزاب في ظل الاسلام الحنيف هما سبب الوعي و النهضة في هاتين الدولتين الصاعدتين بقوة ، قوة ترتكز على الوعي و الايمان بقوة العقيدة الاسلامية وإن اختلف المذهب في الدولتين ، قوة العقيدة المتصادمة دوما وطبعا مع القوة المادية ، ولا تخدعنك التحالفات المؤقتة الآنية المصلحية فهي متغيرة وما اسرع تغيرها و تبدلها .

ولا يخفى على ذي بصيرة كيف وقفت و تقف قوة العقيدة دائما ندا قويا للقوة المادية رغم امتلاك الاخيرة أسلحة متطورة و تفوقا عدديا إذ دائما تكون الغلبة في النهاية لقوة العقيدة .

و نستذكر هنا قول الصحابي الجليل عبد الله ابن ابي رواحة في استراحة جيش المسلمين في معان في طريقه إلى مؤته عندما اختلفت الأراء حول المضي أو العودة بعد ان جاءتهم الاخبار بأن عدد جيش الروم 200 ألف رجل وكان المسلمون 3 الاف فقط ، فقال " ما نقاتل الناس بعدد ولا عدة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، وقام يرتجز

يا حبذا الجنة و اقترابها ... طيبة و بارد شرابها
و الروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة انسابها

عليّ ان لاقيتها ضرابها . "

فأخذوا برأيه رضي الله عنه و ارشده الله من غازٍ وقد رشدا .
لذلك أقول .. الوعي عند تزاحم الافكار .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات