طوقان يكتب لـ"جراسا نيوز": عنكبوت السياسة الاردنية .. يعتزل


زيد الرفاعي رئيس مجلس الاعيان الاردني اعتزل العمل السياسي بالامس واعتزل الخدمة العامة قبل اوبرا وينفري المذيعة الامريكية ذائعة الصيت و هو لا يقل شهرة عالمية عنها في الاروقة السياسية ولا يقل تاثيرا عن كيسنجر وزير الخارجية الامريكي.

يعتزل  بعد اثنين و خمسين عاما في خدمة العرش ، وهو مثال نادر لحزب ملكي مكتمل العدد في شخص "واحد".

 وعندما يتم تسطير تاريخ المملكة الاردنية الهاشمية ، فأن " الرجل " هو عنكبوت السياسة الذي حمى "العرش" في غار من سياسات مضطربة عصفت بالاردن ، و كان الاقرب الى الملك الراحل الحسين و الذي نفذ وصيته في اعلاء و تسلم الحكم دستوريا لمن يخلفه ممثلا بجلالة الملك عبد الله الثاني في اهم ملحمة مفصلية في تاريخ المملكة الاردنية الهاشمية ، و الاكثر صدقا رغم ما مرت به تلك الصداقة و الخدمة من بعض لحظات انقطاع خدمة الاتصال ، و ان كان دائم التواصل ، دائم الحراك ، دائم التفاعل ، صاحب فكر "خلق شرائح سياسية " في المجمتع الذي لم يكن مجتمعا كما هو الان . و تلك الشرائح السياسية هى التى انتجت رؤساء وزراء ووزراء فيما بعد ، و اسست لقيام بعض منهم بتأسيس احزاب ووصولهم الى سده المجلس التشريعي و التنفيذي.

و عندما يشار له "بالعنكبوت " ، اقصد ان له ثمان ارجل و ثمان اعين ، فهو ليس سياسي ذو عين واحده او اثنتين ، فقد استطاع ان يفتح عينيه و يرى في وقت واحد  بريطانيا ، امريكا ، ايران ،اسرائيل ،فلسطين ،العراق ، مصر و الاتحاد السوفييتي و يتعامل معهم في ملفات الشرق الاوسط  ، و ان يضع ارجل ثابثه في ثمانية اماكن  داخلية  و خارجية منها الديوان الملكي ، السفارة الاردنية في لندن ، رئاسة الحكومة ، رئاسة مجلس الاعيان ،وغيرها في الخارج و في كل منهم كانت اقدامه الثابته تتجاوز المساحات المعطاه له ، و مع ذلك فلم يكن ليخرج عن مساحته الجغرافية او النص السياسي و بكل تواضع ينتزع التصفيق.

و كما ان العنكبوت يتميز باعاده انتاج اجزاء من جسده و ارجله ، فأن "الرفاعي " استطاع ان يعيد اجزاء من تاريخ حاول اقتطاعها و بترها هيكل متساقط من صداء الساسة ، و نجح في مد خيوط حريرية ناعمه لا تخلو من اشارة "اللدغ القاتل " لكل من يقترب من الملكية ويحاول النيل منها او الانتقاص من هيبتها ، و دفع بنفسه امام مداحل الهدم الخارجي منقذا قصورا اعتقد البعض انها من رمال الصحاري ، ليثبت مجددا التاريخ انها قصورا من قلب الشعب احتضنت الملكية و رعتها و ضحت لاجلها في اروع صور العمل السياسي المحترف بصمت ، و المدمغ بعلم نافع من ارقى المدارس مثل كلية فيكتوريا و جامعه هارفرد .

 و سياسته العنكبويته ، مثل الشبكة العنكبوته الالكترونية ،تمتد دون ان يشعر بها المتصفح ، و تحمل ملفات لا تحصى ، واضعا لمسات في العمل السياسي المشترك على المستوى الاوروبي و الدولي.

و لقد كان يمثل العلاج الشافى لامراض الملاريا السياسية التى واكبت الديمقراطية الحديثه في الاردن من قبل بعض المستهرتين غير الواعين لدقائق الامور ، تماما كما في الطب القديم عندما كان يتم ابتلاع العنكبوت مع العسل الاسود للشفاء من الملاريا ، فضحي بحياته و بريقه و اختار ان يبلع "ملكيا " في سبيل "الملك " و المملكة  الاردنية مع نهاية القرن الماضي ،

و حقق الانتصار بجراءته و اقدامه على تقديم نفسه فدية للخلاص من الملاريا بنظريته الاقتصادية في التعامل مع الازمات المالية و المديونية .

و "البلع " هو احد اهم النظريات التى تدرس في هارفرد تضحية من مسؤول لاجل دولة ، و هذه هي احد الفضائل التى تحلى بها و نفذها .

لقد ادار زيد الرفاعي كل مؤسسة ترأسها بنظرية سداسية ، ذات اضلاع متساوية جعلت كل من عمل معه او تعامل مع سياسته على امتداد "ذراع واحده " ، و اقصد انه استطاع ان يجعل الجميع مقربون منه ، و ان يؤسس من خلال الالتصاق مع الملك عبد الله الثاني خلال عشر سنوات لمنهجية حاكمة مستقرة و فاعلة .

و هو اول رئيس مجاس اعيان تتم في عهده انتقال السلطة من ملك راحل (نتيجة الوفاه)  الى ملك قادم (نتيجة الوصية ) ، و هي ليست بالمسؤولية الهينة او الرويتينة ، و انما تحتاج الى فكر عملاق و جهد جبار و عمل دؤوب لتأمين "الدولة "، و صلابه موقف ربما شاهده الملايين على شاشات الفضائيات وهو يدمع لرحيل ملك و يفرح لتولى ملك. انها من اروع اللحظات المؤثرة في عقل الانسانية بعيدا عن كل ما يجول في عقل بعض من الساسة ، رغم الحزن و الفرح و الاسى و النشوة المختلطة .

و لقد نجح و استمرت سفينه النجاه الهاشمية في بحور متلاطمة ، و قراصنه من كل صوب .

اعتزال دولة زيد الرفاعي ، يدمع في يوم اعتزاله كل من عرفه ، هو خروج نجم مبارة كبير و هداف سياسي في مرمى الحراس الدوليين ، و لكن يحترم على قراره و الذي يأتي ضمن مفاهيم "ادب السياسة , اخلاقياتها " في زمن اعتلاها و هجم عليها الجراد .

يعتزل بعد ان تم اختيار ابنه "سمير الرفاعي " رئيسا للوزراء ، فقد كان كل منهما عقبة في طريق الاخر ، و هي من العقبات المحببة و التى يشهد لها في التاريخ السياسي و سيكتب عنها الكثير.

نعم قدم زيد الرفاعي استقالته لاجل الاردن اولا و لاجل ابنه ثانيا في اكثر المواقف السياسية رجولة و عنفوان ، و لم يقال و يطلب منه ذلك ، قدمها وثيقة للاجيال التى عاشت معه و التى تأتي من بعده .

درسا جديدا يقدمه الرئيس زيد الرفاعي لمن يريد "العمل " في زمن اختفت فيه اخلاقيات الساسة و السياسيون و تلاشت القيم .

شكرا للاستاذ .

aftoukan@hotmail.com



تعليقات القراء

ري ري
توصيف بالغ الدقة لدولة الرفاعي الاب.. شكّل واجهة سياسية بحد ذاتها ، ونشط في المشهد السياسي الداخلي في أدق الازمات التي شهدها الاردن في عهد الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه
13-12-2009 10:24 AM
ابن السبيل
نخشى ان نترحم على مثل ذلك الرعيل !!
13-12-2009 10:28 AM
محقق
كفيت ووفيت في خدمة الوطن
الله يعطيك العافية على مشوارك الطويل
وجزاك الله كل خير
13-12-2009 10:39 AM
حسام البطيخي
كل الاحترام والتقدير لدولة الريئس السيد زيد بك الرفاعي الافخم الاب الحنون لن ننساك مدى العمر
13-12-2009 10:40 AM
عقلاني
ألا ترون معي ان (بعضهم) ملكيين أكثر الملك ؟؟؟
13-12-2009 10:45 AM
مانيدلا الاردن
لا شك ان الرفاعي الاب خدم الاردن كن بلمقابل استحصل على هبات منقطعة النظير، ولا نخفيسرا اذا قلنا ان كثيرين من المنتمين للدولة الردنية طالما ضلوا مقربين طالما بقي اوفياء
هذه المعادلة مخدوشة بعض الشيء وتشير الى ضرور اعدةهيكلة نع القرار بالمناصب
وشكرا جرسا نيوز على نشر هذه القراءات لعميقة
13-12-2009 12:07 PM
احمد خليل القرعان / الكاتب
شكرا لاخي د. عبد الفتاح طوقان على كل كلمة جادت به قريحته بحق هذا الرجل الذي التصق تاريخه بتاريخ الاردن في احلك الظروف.
ولكن تقبل عذري وانا اخلفك الرأي جملة وتفصيلا في بعض مواضع المقالة وخاصة تلك التي تقول فيها بان زيد الرفاعي هو من حمى العرش, فمع خالص تقديري لدور الرفاعي فاني اقول بان من حمى العرش هم جنود القوات المسلحة والذين كان ابي احدهم . شكرا لك اخي عبد الفتاح على مقالتك الجميلة جدا بحق رجل يستحق الاحترام سواء اتفقنا مع سياسته او اختلفنا.
13-12-2009 12:21 PM
ايمن المرايات
اتفق مع الطرح في التعليق رقد 7 واضيف عليه بان العرش محمي بعناية الله سبحانه وتعالى وتحية لجراسا
13-12-2009 01:05 PM
متابع جراسا
الى الاخ مشرف الموقع تابعت معظم التعليقات التي تكتب على الكتاب واسمح لي بانها جميعا الا ما رحم الله كانت لها علاقة بالمقالات بل شتائم ومسبات وكلمات يجب ان تترفع عنها جراسا اذا ما ارادت ان تبقى في المقدمة .
ودعني يا اخي المشرف في الموقع ان اشيد بالتعليق رقم 7 لكاتبكم احمد القرعان والذي كان بمنتهى الادب واللياقة ويدل على احترامه لذوق القراء الذي بتنا نفتقده بسبب المسبات والشتائم. فلماذا لا يكون الانتقاد موجه للمقالة وما يدور فيها ؟ لان الشتائم تكون لخلافات شخصية يستغلها البعض لتشويه صورة فلان ولماذا لا يذكر المعلق اسمه الحقيقي وهاتفه وعنوانه البريدي اذا كان صادقا في تعليقه؟ افعلي ذلك يا جراسا قبل ما يجي قانون ويجبرك على ذلك

جراسا نيوز: ؟؟؟؟؟؟؟ لا ندري عن اي تعليقات تتحدث؟؟؟ ليس هناك مسبات او شتائم !!!!
13-12-2009 01:52 PM
سيف
نعتذر
13-12-2009 02:42 PM
محمد خضر
وهل نسى الشعب الاردني ما حصل بسنة 1989 الازمه الاقتصادية التي كان المسؤول عنها زيد الرفاعي أيام سوداء لا أرجعها الله على الاردن الحبيب ...................ويوجد الكثير الكثير يجب أن نعود على قول الحق ما لك وما عليك
13-12-2009 03:27 PM
safy
الى محمد خضر : ممكن اعرف كيف كان مسؤول عن ازمة ال 1989 الاقتصادية ، حابة اعرف لو تكرمت .
13-12-2009 03:50 PM
خلف يقول
الله يستر من ازمه 1989 تانيه اذا لم ياتى الدعم من رب العالمين
13-12-2009 08:10 PM
خريويش الطوز كلانا
شو قصة البلد فعطوا الصحفيين والكتاب والمسؤولين والقاعدين والواقفين والمستوزرين والمتسلقين والمزايدين الكل فعطوا مره وحده وكلهم بلشو يتغنوا ويشعروا ويكتبوا ايش يلي عم بصير الزلمة ممتاز ما حد حكى عليه شي وابنو الله يوفقوا بالمهمة يلي حملو ياهه سيدنا صاحب الجلاله الله يطول بعمره ..بس زودوها كثير يعني في كتابباهم ومقالاتهم واضح وباين كلها رياء وتزلف ..يعني صار الواحد يقول يارب خلال ساعة تشكل الحكومة ونخلص من هالكتاب هلكونا ..
13-12-2009 09:35 PM
ابراهيم عفنان
كتابه جميله ورائعه نشكر الدكتور غلى هذه الكلمات الذهبيه حقيقه استقاله ارفاعي تدمي العين وياريت يادكتور كتابه اكتر عن دوله زيد الرفاعي حتى توفيه حقه و لانه مدرسه في الساسه الاردنيه حتى نتعلم من خبراته
14-12-2009 01:49 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات