حروف مجنحة : بلدنا يستحق الأفضل


كُنت خارج الأردن عندما أنهمر علّى سيل من الرسائل الهاتفية ، التي تبشر بصدور الإرادة الملكية السامية بحل مجلس النواب الخامس عشر. وقد كان سيل الرسائل يعكس فرحاً كبيراً وإستبشاراً أكبر بالإرادة الملكية ، في واحدة من اللحظات التي تجسد حالة التلاحم بين القيادة وجماهيرها. وهو التلاحم الذي يجسد وحدة الوطن ، ويحميه من كل المخاطر. لقد جربنا في الأردن هذه الحالة في الكثير من المواقف المفصلية. ويكفي أن نتذكر أنه بسبب هذا التلاحم بين القيادة وشعبها ، تمكن الأردن من الصمود أمام كل الضغوط التي مورست عليه ، من قبل حلف حفر الباطن ، لتغيير قناعاته وإنحيازه للحل العربي لمشكلة الأمة آنذاك. ولو أنحازت بعض الأنظمة السياسية لما أنحاز إليه الأردن يومها ، واختارت الحل العربي لتجنبت الأمة الكثير مما تعانيه الآن ، من تمزق وحدتها واحتلال أراضيها: إما احتلالاً مباشراً أو احتلالاً غير مباشر ، من خلال الاتفاقيات العسكرية ، وما نجم عنها من قواعد عسكرية في بلادنا. وهذه كلها من عوامل سلب ومصادرة الإرادة السياسية للأمة دولاً وأنظمة. وهي المصادرة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من تمزق وهوان. لقد أنحزنا دائماً إلى كل جهد يرسخ حالة التلاحم بين الأردنيين وقيادتهم لإيماننا المطلق أولاً ، بأن هذا التلاحم هو الضمان الأكيد لإستمرار الشرعية التاريخية والدينية ، ومعهما شرعية الإنجاز التي حققها الأردنيون قيادةً وشعباً. وبسبب أنحيازنا هذا حذرنا وما زلنا نحذر من طوابير النفاق والمنافقين ، الذين يزينون الأخطاء والخطايا بل ويرتكبونها ثم يحاولون إلصاقها بنظامنا السياسي. ومن بين هذه الخطايا الإصرار على تزوير إرادة شعبنا كما حدث في انتخابات المجلس النيابي المنحل ، ومثله المجالس البلدية التي يأمل الناس أن يصيبها ما أصاب المجلس النيابي تصحيحاً للخطأ الذي أُرتكب بحق شعبنا ومؤسساتنا الدستورية.

لقد فات بعض هؤلاء الذين يظنون بأنفسهم الأخلاص لبلدنا وقيادتنا ، أن في بلدنا إجماعاً على شرعية نظامنا السياسي. وأن كل اختلافات الأردنيين كانت تجري تحت مظلة الشرعية السياسية ، التي يجمع عليها الأردنيون ، ولذلك لم يكن من المتوقع أن تفرز أي انتخابات تُجرى في بلدنا من يخرج على هذه الشرعية. بل على العكس من ذلك فإن كل تجارب الانتخابات التي جرت في بلدنا وفق مقاييس النزاهة والموضوعية وأحكام الدستوركانت تزيد بلدنا ونظامنا السياسي قوة ومنعة ووحدة وتماسكاً. في حين أن كل خروج على هذه الاحكام والمقاييس كان يسبب لشعبنا حالة من خيبة الأمل ، وفتور الهمة ، وعدم الحماس للعمل العام. ولعل في السنتين الأخيرتين التي عاشهما شعبنا مع المجلس النيابي الخامس عشر خير مثال على ما نقول ، بدليل هذه الفرحة العارمة لدى الأردنيين بحل المجلس النيابي ، والترحيب غير المسبوق بالإرادة الملكية التي صححت الاختلال في مسيرتنا التشريعية على وجه الخصوص ، ومسيرتنا السياسية على وجه العموم. لقد ظن البعض خلال السنوات الأخيرة ، أنهم بتدخلهم في سير الانتخابات ، والتأثير على نتائجها بطرق غير دستورية ، أو من خلال تفصيل قوانين انتخابية وفق معايير محددة ، أنهم يضعفون هذا الفريق السياسي أو ذاك ، لكن النتيجة كانت سلبية على مجمل الحياة السياسية في بلدنا الذي يستحق أفضل من ذلك بكثير. وهذا خطأ يجب أن يصحح ونظن أن الإرادة الملكية بحل المجلس قد أسست لذلك.

الآن وقد صدرت الإرادة الملكية السامية بحل مجلس النواب ، فإن المطلوب منا أن نرتفع إلى مستوى طموحات بلدنا. وأن نتعامل مع الإرادة الملكية على أنها بداية لمرحلة جديدة في حياة بلدنا ، من خلال إجراء انتخابات حرة ونزيهة وفق أحكام الدستور. لنتمكن من خلال هذه الانتخابات من فرز قيادات جديدة تكون على مستوى المرحلة. فالانتخابات في صورة من صورها هي آلية لإنتاج القيادات ، لتسهم هذه القيادات بدورها في إنتاج طبقة سياسية جديدة نظن أن بلدنا يحتاج إليها. وحتى يتم ذلك فإن على الأردنيين المشاركة الإيجابية في المرحلة القادمة ، سواء في المناقشات التي بدأت حول قانون الانتخابات الجديد. أو من خلال الممارسة الفعلية في العملية الانتخابية بكل مراحلها تسجيلاً وتصويتاً ومراقبة فهذا هو السبيل الوحيد لقطع الطريق على كل محاولات تزوير إرادة الناس أولاً. وهو السبيل الوحيد لفرز قيادات جديدة تكون جزءًا من طبقة سياسية كفؤة ، قادرة على حمل أعباء المرحلة التي يجب أن يكون فيها الأردن قوياً. وقوة الأردن تكمن أولاً في قوة مؤسساته ونظافتها وقدرتها على أداء مهامها وأدوارها ، وفق أحكام الدستور. فهذا ما يستحقه بلدنا لأنه الأفضل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات