غرايبة يكتب .. أسرار النزق العام


خاص - كتب أدهم غرايبة - على موقع إخباري إلكتروني أردني مرموق ظهرت العناوين التالية في قسم الأخبار الرئيسة مساء يوم الثلاثاء الغابر :

" مدرب أردني يعتدي على حارس مرمى ب " موس " , مسلح يهاجم الأمن – فيديو , طالب يكسر يد معلمه بالحجارة , ملثمون يحرقون مدرسة بالبادية الجنوبية – صور " .

في ذات الوقت و على موقع أخر واسع الإنتشار أيضا ظهرت عناوين أخرى على ذات وقع العنف و منها:
" طالب يرشق معلمين في جرش بالحجارة , توقيف احد المعتدين على مصادر المياه 45 يوما , براءة سيدة من تهمة قتل زوجها بالإتفاق مع عشيقها بجبل النظيف , طلبت الطلاق لضربه لها " ببريش " , انهاء خدمات شرطي شرع بتهريب مخدرات لسجين "

صبيحة يوم الاربعاء التالي ظهرت العناوين التالية :
" اتحاد كرة القدم يوقف العدوان , رصاصة اب تنهي حياة ولده , قتل شقيقه برصاصه " !
عناوين رئيسه في مواقع الكترونية اردنية ليست مختصة في الجرائم للعلم . لاحظ كم العنف المنبعث في اخبارنا اليومية التي تعكس التوتر المتصاعد في المجتمع الاردني و تدني المستوى الاخلاقي و تراجع هيبة الدولة و حالة النزق الاجتماعي غير المسبوق في الحياة الاجتماعية الاردنية .

ما زلت اذكر أحدى الصحف الصفراء الاسبوعية التي كانت معروفة قبل عقدين من الزمن حينما كانت تختص في اختلاق قصص رعب " مسلية " تداعب رغبة الناس في كسر روتين الوداعة التي اعتادها المجتمع . لا ادعي اننا كنا مجتمعا ملائكيا , كنت تسمع عن مشاكل محدودة الخسائر في اعقاب انتخابات بلدية مثلا لا تتخطى نتائجها كسور في العظام و الالواح الزجاجية و كان يتكفل النظام الاجتماعي القائم على اعراف عشائرية – التي يهاجمها اليوم كل طارئ على الاردن و بعض مدعي الثقافة ! - بتجبير كل الكسور و انهاء الاشكال في ايام و عادة ما ينتهي الامر باغتنام الفرصة من اجل المصاهرة ! .

كرنفال العنف الذي يشهده المجتمع اليوم يستحق من جهات مختصة ان تتعب على نفسها قليلا لتبحث في اسبابه و مآلاته و كيفية علاجه .

" الدولة " تعرف الاسباب و الحيثيات و تتغاضى عنها , التوتر الذي يعيشه المجتمع اليوم مرده لحالة القلق المعيشي بعد تراجع سلة الامان الاجتماعي بفضل انسحاب الدولة من واجباتها الاجتماعية . قبل زمن جماعة الخصخة كانت القطاعات الاجتماعية بأحسن حال . التعليم مضمون في المدارس و الجامعات باسعار منصفة و في متناول الجميع , الصحة متطورة و تغطي اغلب القطاعات , وسائل النقل كانت تتناسب مع عدد السكان حينها و بأسعار مناسبة , الخدمات البلدية و النظافة كانت اكثر من مقبولة و نذكر ان البلديات الى اوائل تسعينات القرن الماضي كانت تقوم بتوزيع اكياس القمامة مجانا على المواطنين لحثهم على النظافة العامة في حين انها اليوم تترك اكوام النفايات مكدسة مع انها تتقاضى كامل الرسوم ! . الوظائف كانت متوفرة في ظل احتفاظ الدولة بمواردها و قطاعاتها المنتجة و التي كانت قابلة للتطوير مثل " الملكية الاردنية " و قطاع التعدين الذي كان و ما يزال واعدا لولا بيعه لشركات يملكها اشخاص يعيشون في الاردن ! , القطاع السياحي كان بالامكان ان يكون افضل حالا حتما سيما بالاستفادة من اوضاع دول الاقليم , قطاع المياه و الطاقة هما ايضا قطاعان حساسان و يشكلان تحديا كبيرا يمكن ان يتحول لفرصة تنموية بوجود حكومات تعنى ببلدها و تتخذ من خدمة شعبها هدفا .

يشعر المواطن الاردني اليوم انه بلا هيكل عظمي اقتصادي , فلا يقوى على الوقوف اما متطلبات الحياة القاسية في ظل نمط استهلاكي يستنزف كل موارد الناس و لا يحثهم على نهج استهلاكي عقلاني . التعليم على كافة مستوياته في تراجع مريب , الدراسة الجامعية باتت مكلفة جدا و تستدعي " التفريط " بما يرثه الاباء لاجل تعليم اولادهم في تخصصات لم تعد مطلوبة في سوق العمل , المسشتفيات الحكومية يرثى لها , طواقمها تعمل فوق مقدورها و تتعرض للاذى و لا تحظى بالدعم و لا تتوسع بما يتناسب مع الزيادة السكانية المنفلتة, قطاع النقل فاشل تماما و الدولة التي تتحدث عن دورها المحوري في المنطقة فشلت في مجرد مشروع هزيل كالباص السريع و فشلت في ضبط سلوك السائقين العموميين !

اضف للخلطة تلك قوانين تشرعها مجالس نيابية " منتدبة " لا منتخبة تسهم في افلات المجرم من عقاب رادع و تعقد اجراءات شكوى المظلوم و تدفعه للتخلي عن حقه فيما يبقى تداول المواقع العليا بيد فئة معينة ترتكب الخطايا دونما حساب نموذجا رديئا يدفع الناس لابراز اسواء ما لديهم .
الدولة التي تدعي انها " محدودة الموارد " من واجبها ان تحافظ على ما لديها و ان تسعى لتطويرها و تبحث عن موارد اضافية , لا ان تبيع ما لديها ثم تتفرغ للإشتكاء لمواطنيها و ندب قلة الحيلة !
كل ما سبق و سواه يدفع الفرد في المجتمع للشعور بالاستضعاف , و الضياع , و القلق على امنه الاجتماعي, و يدفعه لاستعداء باقي افراد المجتمع , و استسهال تفريغ غضبه , و احباطه, في جهة اقل بطشا من الحكومة التي تسببت في كل شقائه !

كارثة المجتمع الاردني انه بات يفكر على هذا النحو " اذا اصيب ابني بمرض ما فأني سأقتله بدلا من ان اسعى لعلاجه " !

اترك لسعة خيالك الأن تخمين أخبار الأيام القادمة !



تعليقات القراء

مواطن 2
التشريعات قاصرة في قانون العقوبات حيث لا تتيح للقضاة إيقاع عقوبات رادعة بحق مرتكبي الجرائم الجنائية , عدم تنفيذ احكام الاعدام ساهم بشكل كبير في ازدياد جرائم القتل دونما ذنب و لا سبب ,, جرائم خلفت يتا
25-09-2015 12:53 AM
رامي عيسى
ان من يعطل تنفيذ عقوبة الاعدام هو شريك في كل جريمة قتل. الاسبوع الماضي اضافة لما ذكر الكاتب قتل شخصان في عين الباشا دونما ذنب و تركا يتامى و ثكالى.يجب تغيير التشريعات و تنفيذ الاعدام او الاخذ بالثأر
25-09-2015 12:58 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات