ابو حامد الغزالي ورسالة لعلماء اليوم ..


أبو حامد محمد الغزّالي، أحد أعلام عصره وأشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، (450 هـ - 505 هـ / 1058م - 1111م). كان فقيهاً وفيلسوفاً، وكان صوفيّ الطريقةِ، شافعيّ الفقهِ.

لُقّب الغزالي بألقاب كثيرة في حياته، أشهرها لقب \"حجّة الإسلام\"، وله أيضاً ألقاب مثل: زين الدين، ومحجّة الدين، والعالم الأوحد، ومفتي الأمّة، وبركة الأنام، وإمام أئمة الدين، وشرف الأئمة.

كان له أثرٌ كبيرٌ وبصمةٌ واضحةٌ في عدّة علوم مثل الفلسفة، والفقه الشافعي، وعلم الكلام، والتصوف، والمنطق، وترك عدداَ من الكتب في تلك المجالات. ولد وعاش في طوس، ثم انتقل إلى نيسابور ليلازم أبا المعالي الجويني (الملقّب بإمام الحرمين)، فأخذ عنه معظم العلوم.

ولمّا بلغ عمر شيخنا ابوحامد 34 سنة، رحل إلى بغداد ليعمل مدرّساً في المدرسة النظامية في عهد الدولة العباسية السلجوقية، بطلب من الوزير السلجوقي نظام الملك في خلافة المقتدي بالله العباسي. وفي تلك الفترة، اشتُهر ابوحامد شهرةً واسعةً، وصار مقصداً لطلاب العلم الشرعي من جميع البلدان، حتى بلغ أنه كان يجلس في مجلسه أكثر من 400 من أفاضل الناس وعلمائهم يستمعون له ويكتبون عنه العلم. بعد 4 سنوات من التدريس قرر اعتزال الناس والتفرغ للعبادة وتربية نفسه، متأثراً بالصّوفية وكتبهم.
خرج ابو حامد من بغداد خفيةً، متذرعا بزيارة مكة والمدينة وكي يسمح له ولا يعاقب، برحلة طويلة بلغت 11 سنة (بعد ان احس ان الوزير نظام الملك يريد ان يستخدم محبة الناس له، لجلب ولاء الناس للوزير وللخليفة، وشرعنة حكم الدولة العباسية السلجوقية وقوانينها وممارساتها ) !

تنقل الغزالي خلال ال 11 عاما ما بين دمشق والقدس والخليل ومكة والمدينة المنورة، وكتب خلالها كتابه المشهور \" إحياء علوم الدين\" كخلاصة لتجربته الروحية، وذلك اثناء اعتكافه في زاويته في المسجد الاموي، التي تعرف بزاوية الغزالي حتى يومنا. وفي عام 1109م تم احراق كتابه احياء علوم الدين وكثير من كتب ابو حامد الغزالي بعد تحالف من اصحاب السلطة وفقهاء السلاطين واصحاب المصالح والمكتسبات الخاصة في دولة المرابطين التي تعتقد بالمذهب المالكي -حيث وصلت اليها مؤلفاته- وتم حضرها، وحرقها كذلك كل من تعاون معهم في المشرق العربي، على اعتبار ان بعض مؤلفات ابوحامد التي احبها وتداولتها العامة تشكل خطرا عليهم وعلى مكتسباتهم.

وبهذا يكون الفقية الجليل قد تنحي جانبا، وربما اعتزل \"ابو حامد الغزالي\" بعدما قرر ان لا يكون من فقهاء السلاطين والخلفاء، كطوق نجاة يلمعون به ملكهم وإقطاعياتهم السياسية والدنيوية. إذن فأبو حامد نصب نفسه للدفاع عن المستضعفين من الرعية من جور الحكام وتواطؤ الفقهاء بالصمت والتبرير لخدمة مصالح دنيوية \"لذلك فإن الكتاب كله قد اعتبر بمثابة صك اتهام موجه إلى كل من الفقهاء والساسة\". وربما وعى فقهاء فقهاء الوزراء والامراء خطورة أفكاره وآرائه الإصلاحية والإحيائية، والتي قد تهددهم في مصالحهم، بل قد تهدد النظام المرابطي برمته، فكان أن عارضوه بشدة خوفا على امتيازاتهم، في الوقت الذي لقيت فيه اطروحاته ومؤلفاته فهما وترحابا من طرف العامة.

ولقد تصوف ابوحامد في اواخر ايامه، وعاش مع حلقات الدراويش، وعندما كان يمر به طلابه والعلماء وهو في المسجد \"ويردد مع الحرافيش والدراويش الله حي ... الله حي\" يستغربون فعل فيلسوفهم، ولكنه كان يقول لهم، \"لقد غزلت غزلا كثيرا ولم يلبس منه احد\" ويتركهم يغادرورن ويمضي يقول ويردد الله حي الله حي... !

اما رسالتي الى الفقهاء والمنظرين في عصرنا، وهو عصر من عصور الضنك والخلاف والفرقة والحروب وإسالة الدماء وإهراق الارواح، جراء تلاطم معتقدات وتيارات داخل الدين الاسلامي وكثير من اطروحات الفكر المتطرف وتلاقيها مع مكتسبات اصحاب المناصب والمكاسب، واختلاط المصالح وتنمر القوى الظلامية وسيادة القوى العظمى المفرطة على السكان على مساحة الاوطان، فاقول لهم التاريخ لن يرحمكم وسوف يكون شهادة عليكم وعلى فتاويكم وتخريجاتكم المكشوفة، وسوف يندى جبين ابنائكم ونطفكم من صنيعكم ان لم تقتدوا بمن سبقكم من الفقهاء امثال شيخنا الغزالي. وهنا لا بد ان ادون كلمة للامل، فأقول بكل قناعة، نعم هناك علماء نصاح، صادقون ومصلحون وفقهاء جادون في طول الامة وعرضها ولكنهم لا يسمعون والبطانات تحجب ما يقولون وما يكتبون، وبعضهم له تأثير محدود وله مريدون وعلى ولاة الامور الذهاب اليهم وفهم ما يقولون وما يطرحون وما يكتبون لتعديل حال الامة ومآلات احتمال انفراط عقدها وذهاب ريحها.

واخيرا اقول لمن لدية الولاية في الامة وهم الزعماء والرؤساء والقادة، ايها الراشدون المرشدون ومن يبتغي الرشد، ابحثوا عن هؤلاء العلماء والفقهاء ولا تتركوهم يتنحون ويعتزلون ويهاجرون كما فعل حجة الاسلام ابي حامد الغزالي وغيره في تاريخ الامة التي تكاد ان يصيبها في عصرنا الخوار بعد ان اصابها الوهن وحمى الضنك.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات