من " قبلة الموت" الى حكاية غولدستون فلغتين خشبيتين


مروان البرغوثي والقادم من الأحداث ؟

... ما بين " قبلة الموت " التي طبعها ايهود أولمرت رئيس وزراء الدولة العبرية السابق على خديّ الرئيس محمود عباس أثناء استقبال أولمرت لعباس في مقر الأول مطلع العام 2007 م من جهة .... وبين مبادرة يهوذا "الأسخريوطي" في عناقه السيد المسيح عليه السلام  من جهة أخرى , لم تشهد القدس قبلةً مثل هذه القبلة وجرت مياه كثيرة قبل وأثناء وبعد ما ذكر آنفاً .... وصولاً الى " حكاية " تقرير القاضي ريتشارد "غولدوستون " حول حرب الأبادة التي شنّتها " اسرائيل " على غزّة آواخر عام 2008 م , وسيمفونية تأجيل بحثه , كل ذلك يشي بتساؤلات عديدة تقود الى مآلات متشعبة كنتائج قد تكون كارثية  ان لم تجري ديناميات مراجعة عاموديّاً وأفقيّاً  وحقيقية وشاملة , وخاصةً بعد خطابين متناقضين لكل منهما برنامجه السياسي , الأول جاء على لسان عباس من رام الله واستخدم فيه لغة خشبية عصبويّة استنهاضية للخطاب الفئوي ,  والثاني على لسان مشعل من دمشق حيث من الطبيعي أن يكون أثر توظيف الجغرافيا السياسية واضحاً في خطاب الأخير ولم تكن فيه لغة تصالحية , وانما لغة تؤشر لنهج حماس لكي تكون بديلاً .. فغدى تقرير " غولدستون " قميص عثمان وكلا الفصيلين يوظفه لصالحه ومن دار في فلك كل منهما من باقي الفصائل .

كلاهما وضعا العصا في دواليب المصالحة الفلسطينية , فصارت مصالحة بلا موعد وبلا أفق سياسي , وكلاهما بخطابيهما عمّقا الشرخ العامودي والأفقي وتناسو جميعاً أنّ فلسطين المحتّلة أكبر من فتح وحماس وأيّ شيء آخر .

تحمّل المسؤولية لا يكون بتشكيل لجنة تحقيق ! تحقيق مع من ؟ فكيف يمكن مثلاً أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلةً بالرئيس عباس هي القاضي والخصم بنفس الوقت ؟! هل للتيّار المتأسرل في السلطة وفي حركة فتح دوراً في التأجيل ؟ أم أنّ وزارة فياض ونفسه ومن تحالف معهما من فتح التيّار المتأسرل هي من تقف وراء التأجيل ؟ أم أنّ هناك عملية مساومة وابتزاز سياسية من قبل نتنياهو حيال الرئيس عباس فيما يتعلق بمقتل الرئيس عرفات ودور السلطة الوطني الفلسطينية في الحرب على غزّة كشف وثائق وأدلة ماديّة ,  أم مساومة وابتزاز لما تسمى لعملية سلام تجمّدت كانت سبباً من أسبباب التأجيل ؟

 هل كان للعرب دور حقيقي في تأجيل بحث تقرير " غولدوستون " ؟ ! مدى نوعية هذا الدور , وهل يمكن اعفاء العرب من مسؤولياتهم اتجاه ما جرى ؟ هل أدّى التأجيل الى خلخلة وضعضعة التوافق الدولي المؤيد للفلسطينيين لأقرار تقرير " غولدوستون "لاحقاً ؟ وهل هناك ضمانات حقيقية لجعل الدول تبقى على مواقفها السابقة من التأييد لأقرار التقرير ؟! من صاحب المصلحة في التأجيل "اسرائيل " أم واشنطون أم كليهما ؟ هل لتأجيل بحث تقرير " غولدوستون " أثراً على تعميق الأنقسام الأفقي والعامودي السياسي والوجداني داخل الساحة الفلسطينية ( الضفة الغربية , قطاع غزّة , الخارج الفلسطيني) ؟ هل التأجيل للتقرير خلق اصطفافات سياسية جديدة داخل فسيفسائية المشهد الفلسطيني الداخلي والخارجي ؟ تساؤلات عديدة وكثيرة هي حق لكل مراقب .

ففي تأجيل مناقشة تقرير " غولدوستون " لا توافق عربي أو اسلامي ... وزير الخارجية المصري أوضح من عمّان ذلك عقب لقائه الملك , وكذلك الدكتور أوغلو أمين عام منظمة المؤتمر الأسلامي ,  أكد وذهب الى المسار والموقف المصري مما جرى... فلا توافق اسلامي بالتأجيل ... والجميع وبكل اللغات أكد أنّ التأجيل كلّه خطيئة السلطة الوطنية الفلسطينية وعليها أن تتحمل مسؤولية ذلك !!. لماذا عندما تعاظمت فرص توقيع اتفاق مصالحة فلسطينية – فلسطينية داخلية من أجل تعزيز الصف الداخلي على أرض وطن فلسطيني ممزق أصلاً ...وبعد أن تغزّل الجانبين ( فتح , حماس ) غزلاً عذريّاً صوفيّاً بالجانب المصري الوسيط ... نزاهةً وحياداً وفي تذليل الصعوبات والعمل على اجراء مقاربات سياسية وتنظيمية نحو مسار قطار ملفات الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية , جاءت عملية التأجيل البحثيّة الدراماتيكية لتقرير القاضي " غولدوستون " ؟ ! وهل لخطوة التأجيل هذه مساهمات مباشرة وغير مباشرة في تعاظم تعطيل لغة الحوار بين الأخوة الأعداء في بيت ممزق ؟

"ريتشارد غولدوستون" هذا قاضي من جنوب أفريقيا ذات أصول يهودية أعترف صراحةً أنّه مناصر لأسرائيل , وأنّه سعى بكل السبل الى التخفيف من حدة لغة التقرير وانقاذ " اسرائيل " من تهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الأنسانية , وهناك الكثير من التحفظات على مضمون ولغة التقرير .

حماس قالت عن التقرير في البداية أنّه منحاز " لأسرائيل " كونه ساوى بين الجلاّد "اسرائيل" والضحية غزّة وشعبها .... وتعاملت معه بالرفض القاطع ... والتقرير ذاته اتهم حماس بجرائم حرب عبر صواريخ بدائية لم تحدث أي ضرر لا على البشر ولا على الحجر ولا على الشجر ... وعلى هذه الخلفية رفضت حماس التقرير جملةً وتفصيلاً واعتبرته منحازاً ومحكوماً بسيطرة اللوبي الصهيوني .... وهذا موقف سليم وصحيح ومنطقي مقنع للعامة والخاصة وحتّى للسذّج من العوام .

ما هي التطورات الدراماتيكية التي حدثت كي تغير حماس من موقفها حيال تقرير القاضي ريتشارد "غولدوستون" وتنادي بالتصويت عليه داخل مجلس الأمن الدولي ؟ هل سقطت من التقرير فقرة اتهام حماس مثلاً بجرائم حرب ؟ هل كان رفض حماس للتقرير مسألة مبدئية أم لعبة ومناورة سياسية تتغير قواعدها بتغير الظروف ؟

هل التأجيل مناورة عبرية لكي تعرّي الرئيس محمود عباس وتكشف عن عجزه وضعفه وأنّه ليس بمستوى شريك لصنع السلام , ولكي تغذي الأقتتال والأنقسام الفلسطيني – الفلسطيني , كونها أي " اسرائيل " متيقنة في زمن هرولة كل طرف فلسطيني لمسك زمام السلطة سوف يسعى الى استغلال الظرف الراهن لأستغلال الآخر ... حماس لفضح السلطة وكشف تواطئها مع " اسرائيل " ؟ .

هل هدف الفضيحة تمهيد لضرب الرئيس عباس وجماعته وحرقهم سياسياً , بعد ان انتهى الدور , وطبيعة المرحلة القادمة لا تقبل بوجودهم ؟ أم أنّ الهدف هو التهديد بورقة مروان البرغوثي ومن ثم اخراجه من سجنها لتبدأ لعبة جديدة في الداخل الفلسطيني المتهاوي أصلاً ... فيصبح السجين بطلاً مغواراً تغفر زلاّته وتقبل تنازلاته وان كانت مؤلمة , ولا يمكن لأحد أن يزاود على البطل بعد ان وشّح صدره برقم في سجون العدو ومن يحسن تسويق التنازلات مثلاً غير البطل وتقبل شعبويّاً ؟! .

" اسرائيل " تخشى وبقوّة حالات الوفاق الفلسطيني – الفلسطيني , وهي لا تريد القضاء على حماس , كونها تخشى غياب خطاب استراتيجي عنيف ضدّها , فهي توظف ذلك جيداً لصالحها وتقتات عليه لدى مفاصل المجتمع الدولي لتحقيق انحيازات لصالحها كونها تظهر في صورة الدولة المهدّدة من المتطرفين متناسيةً انّها دولة قائمة على القتل المنظم كمنهج وعلى الأرهاب كعقيدة وجدانيّة ... وتتناسى أيضاً أنّها دولة عصابات انتهازية ارهابية.... دولة وكما يصفها الملك عبدالله الثاني ما زالت تعيش في عقلية القلعة في التفكير... واذا لم تقبل بالآخر فمصيرها الى زوال!!  .

اذاً ما العمل الآن وبعد أن وقع الفأس بالرأس ؟ وما هو المطلوب فلسطينيّاً وعربيّاً واسلاميّاً ؟

أعتقد ببساطة أنّه يجب اعادة طرح مناقشة تقرير القاضي "ريتشارد غولدوستون" من جديد في مجلس حقوق الأنسان التابع للأمم المتحدة , وطلب جلسة استثنائية من المجموعة العربية والأسلامية ومن المؤيدين من باقي الدول , حيث آليات العمل داخل هذا الأطار الأممي تجيز ذلك , طرحه في الجمعية العامة للأمم المتحدة , أيضاً داخل مجلس الأمن الدولي , ولدى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ومع كافة منظمات حقوق الأنسان الأممية , مع العمل على اجراء محاكمات شعبوية " لأسرائيل " في كافة الدول العربية والأسلامية من قبل القوى السياسية والشعبويّة ومؤسسات المجتمع المدني المحلية والأقليمية والدولية كي تبقى " اسرائيل " المتهم الرئيس بجرائم ابادة ضد شعب أعزل ... على أن يتم العمل على تعظيم اعتبار تقرير "غولدوستون" لكي يرقى الى مستوى الدليل المادي الذي يدين دولة الأرهاب المنظّم ... دولة العصابات الأنتهازية ... الدولة العبرية الطارئة على كل شيء في المنطقة .

* عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية * 

mohd_ahamd2003@yahoo.com 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات