غرايبة يكتب: ثلج دافئ !


خاص - كتب أدهم غرايبة - العاصفة " هدى " كانت عاتية حقا .لكنها مرت بسلام و بحد أدنى من الخسائر في دولة كان قدرها أن تولد في النار دون أن تحترق , على حد وصف الزعيم الشهيد وصفي التل , الذي لم يقدر له أن يعيش الى اليوم الذي يرى فيه عواصف من نار تهب طيلة فصول السنة على دول عربية محيطة بنا فيكون قدرنا ان نقبل , برحابة صدر , نتائج تلك العاتيات كنتيجة طبيعية لموقعنا الجغرافي و تكوينا القومي العروبي الجيني برغم سلبيات ذلك .

مرت العاصفة " هدى " بسلام لأن الحكومة قررت , ببساطة , أن تعمل ! . الجهد الرسمي طيلة أيام العاصفة العاتية يستحق الثناء هذه المره . مؤسسات الدولة إنخرطت في حملة وطنية أروع ما فيها أنها أعادت الدفء للعلاقة مع المواطنيين و أعادت اليهم نظرة الإحترام التي إهتزت في سنوات حقبة رجال " البزنس " الذين أعلنوا العداء للدولة عبر مشاريع الخصخصة التي أفلست الدولة و نكلت بمواطنيها. الجهد التطوعي الشعبي , هو الأخر, إنخرط في حملة الشهامة الوطنية بقدر ما يستطيع , إنما أراد أن يترجم حبه لبلده و تمسكه بدولته بعد أن راعه المشهد من حولنا في سوريا و العراق و مصر .

أثبت إندفاع الأجهزة الرسمية , في طليعتها الجيش و الدفاع المدني و الأمن العام و البلديات و الاشغال العامة و الصحة , ان هذه القطاعات هي بؤرة الوطنية الاردنية التي كانت هدفا إستراتيجيا لحملة الخراب الإقتصادي لغايات إضعاف الأردن و تفكيكيه و الإمعان في إنهاكه لغايات غير بريئة و لا تعني مصلحة شعبة تحديدا .

ثمة عواصف من نار تتشكل من حولنا ليست من مصدر قطبي حتما . إنما تتشكل في طبقات الفساد المالي و السياسي الذي لم يحظى حتى بمجرد " تكشيره " من جهات سيادية و أمنيه في الوقت الذي تظهر هذه الاجهزة جاهزيتها الدائمة للإعتقال و التضييق على كل وطني شريف . و تتشكل في طبقات دينية طائفية تكفيرية مشبوهة تستفيد من تراكم نتائج نخب الفساد المآساوية التي إستعدت الدور الإجتماعي للحكومات و نظرت للمواطن على أنه زبون تريد أن تكسب منه أكثر ما يمكن . هذه العواصف نستطيع مواجهتها حتما بإعلان واضح و عاجل من المرجعيات السياسية العليا في الاردن يقول فيه كلاما شديد الوضوح بخصوص خطة طوارئ سياسية و ادارية و مالية تنهي حالة السقيع في الحياة السياسية الاردنية عبر حكومة وطنية يتاح لها مساحات غير تقليدية للتحرك .

من المؤسف حقا أن الجهات السيادية في الاردن أعفت نفسها من ملاحظات جريئة و غير مسبوقة دفع الحراك الوطني الاردني الذي أطلقته فئات اجتماعية و طنية غير تقليدية , كاللجنة الوطنية العليا للمتقاعدين العسكريين و حركة عمال المياومة و بعض الناشطين اليساريين الوطنيين المستقلين و حراك المعليمن , للتداول و رفع من سقف الخطاب الشعبي و انهمكت تلك الجهات النافذة بتخريب الحراك الوطني عبر عمليات إنزال و دس لفئات سعت للتشويش و التمزيق بدلا من الحوار مع الحراك و تقليب وجهات النظر و التوافق معه على رؤية داخلية . سيما أن هذا الحراك لا غايات شخصية له و لا يقبل بأن يكون قناة عبور لجهات خارجية و تعرف الجهات الأمنية ان جل غاياته إصلاح مسيرة البلد بدون دماء ليكون الأردن نموذجا حقيقا للربيع العربي فيستفيد النظام و الشعب معا , و هذا ما لم يحدث الى الان للاسف , لان النظام - ببساطه - ما زال يستند لرؤية أشخاص و فئات فاسدة لا تعرف حدودا لجشعها و لا تعنيها مصلحة البلد أصلا و يقدم الولاء الأعمى على الكفأة في إدراة الدولة.

إنحسر الحراك الوطني شكلا بعد أن قدم الإحتفاظ بوطنه على إصلاحها عبر الدم . لانه يدرك أن النموذج السائد حاليا مآساوي و لا يتماشى مع أهدافة النبيلة . النظام بدلا من أن يلتقط اللحظة التاريخية لتجديد نفسة أعتبر ان مآلات الربيع العربي تصب لمصلحته و انه ما من داعي لتقديم مشروع جاد لطالما أن الأنظمة التي خرجت من ابواب الثورات تعود الى الحكم عبر شبابيك الإنتخابات التي تديرها جهات عالمية و يصرف عليها مليارات . مع ان نموذج الربيع الاردني مختلف تماما عما هو عليه في باقي الدول العربية من حيث انه لا يريد اسقاط النظام بل إصلاحه لغايات حساسية وضع الاردن .

إنحسار الحراك الوطني لا يعني أن مطالبة الأساسية - المتمثلة بحماية الهوية الوطنية الاردنية و العدالة الاجتماعية المتمثلة بتنمية المحافظات و تمكين القطاع العام و محاسبة السارقين و الشروع بحوار وطني يستهدف دستور جديد للبلاد يضمن المشاركة السياسية بشكل جاد - قد الغيت . المطالب ما زالت هي ذاتها و خبو الاصوات امر يبعث على القلق خصوصا ان عقلية الإنتقام بدأت تتفشى و تدفع بكثيرين لقبول خيارات كارثية عبر تنظيمات إجرامية هي لا تمثلهم اصلا لكن ما من خيار سواها تعتاش من وراء إحباط الناس و استبعادهم من المشاركة السياسية و التوغل في الفساد المالي و ابقاء ادارة الدولة بيد ذات الفئات التي تسببت بكل الإنتكاسات التي نشهدها .

في عز العاصفة كانت أجهزة الدولة تعمل بتناسق يستحق التقدير و يبعث على الاعجاب حتى ان الثلوج المتراكمة و البرد الشديد لم يمنعا فرقا أمنية خاصة من مداهمة المجرمين و لم تثني الجيش عن التصدي لمحاولة العبث بالامن على الحدود و المستشفيات تعمل بشكل مقبول و الجهات المسؤولة عن المياه و الكهرباء و صيانة الشوارع تبذل جهدا طيبا في الوقت الذي نشهد فيه منذ سنوات حالة مشبوهة من سوء التنسيق و التشتت و تدني الانتاجية في عز الصيف !

في نهاية المطاف نريد لبلدنا لا أن يبقى فحسب , بل أن يتطور أكثر عبر المصالحة بين مؤسساته الرسمية و مواطنيه و هذا لا يحتاج لأكثر من نوايا طيبة متبوعة بخطوات على الارض تتعلق بحملة استعادة للاموال العامة و معاقبة كل مستهتر بوظيفته و مراجعة صادقة للوضع المالي العام و التفكير بصيانة سلة العيش للمواطنين و تحسين مستويات الصحة و التعليم و النقل و الشروع بحملة تنموية كبرى تستهدف قطاعات حساسة مثل الطاقة و التعدين و المياه , نستطيع عبرها تحرير الاردن من عجزه المالي الدائم و المصطنع اصلا و تشغيل عدد هائل من شبابنا . كي يشرع الاردن , لاحقا , في أخذ مكانا مرموقا إقليميا ثبت انه يستحقه و أن الدولة الأردنية , بعكس كل الاكاذيب التي احيطت بها , راسخة و قوية و متماسكة و جذرية .

دعونا , إن كنتم صادقين , نحارب الإرهاب بشكل إستباقي في عمان لا في باريس !



تعليقات القراء

متابع
ابدعت
13-01-2015 08:06 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات