سفر خالد من بطولات عساكرنا


يغمرني الفخر والزهو "أنا المدني الأكاديمي" في جوار وصحبة قادة من كبار الضباط المتقاعدين من جيشنا العربي الباسل منذ ما يقرب من عقدين من الزمان. فهذا لواء, وذاك عميد وذلك عقيد....

يسعدني الجلوس معهم, لنقاء سريرتهم ووفائهم, ويعجبني وصفهم الميداني ودقة أحاديثهم المتكررة عن احداث الماضي. اسفارا من بطولاتهم مطبوعة في مخيلتهم, في الذود عن الحمى وعن الأرض المباركة حول نهر الأردن المقدس. تبهرني مسيرتهم الانضباطية وحبهم لثرى الوطن, كما عزيمتهم ودقة مواعيدهم. نذهب للصلاة سويا, مشيا" إلى المسجد المجاور لبيوتنا قبيل الصلاوات, فيحدثونني بومضات عن ذكريات لهم خلت وأيام خالدات.

أجلس وإياهم بعيد الصلاة من يوم الجمعة في بيت لواء متقاعد, ومحافظ سابق, يجلونه ويقدرونه, أنه الباشا صاحب الرتبة والمقام الرفيع, والخلق القويم كما هم أجمعين. حديثهم ثري, حول معارك جانبية خاضوها بشجاعة واقتدار. فبين عقيد مدفعي متقاعد, يروي لي عن موقعة ميدانية في يرقا وسفوح البلقاء, خلال حرب الاستنزاف مع إسرائيل. الرواية تقول "أن كتيبته الميدانية, بتوجيه مباشر منه, كانت قد قصفت موقعا" للجيش الاسرائيلي المعادي على بعد ما يقرب من ثلاثين كيلومتر إلى الغرب من مواقع المدافع الأردنية, وكان يتجمع فيه عدد من الآليات الإسرائيلية المعادية, فحققت إصابات مباشرة بالموقع المعادي. فرح الجنود وقادتهم بهذا الإنجاز النوعي ودقة الإصابة, بعيد الاستطلاع. وفي اليوم التالي للواقعة, وكان يوم خميس, غادر العقيد إلى بيته في الساعة الثانية بعد الظهر, لإجازة قصيرة يقضيها مع أسرته. وعند وصوله للبيت, في الزرقاء "مدينة الجند الأردنية" خلع البيريه عن رأسه ووضعها على الطاولة, وإذ بالسائق يأتي مسرعا" إليه, يخبره أنه قد التقط إشارة مفادها, أن موقعهم العسكري "في يرقا" قد تم قصفه من قبل العدو ردا" على قصفهم المدفعي ليوم أمس, وعندها في التو, لبس العقيد البيريه وعاد مسرعا إلى موقع كتيبة, في السيارة العسكرية ذاتها, فوجد أن الإصابات كانت طفيفة, بعض المركبات التابعة لكتيبته, فحمد الله وأثنى عليه, وقضى ليلته في المعسكر يحرس مع زملاه حدود الوطن.
وعميد متقاعد يروي لي, أن طبيبا" عسكريا" معروف لدي, كان قد أشترى سيارة فولكس فاجن صغيرة, يأتي بها إلى المعسكر على خط النار, كان يستخدمها كلما اقتضت الحاجة, لانقاد جريح تمت إصابته قرب الجسر على النهر الخالد, حيث لم يتسنى للمركبات العسكرية من الوصول إليه لإنقاذه, بسبب انكشاف المكان على العدو, وذلك لتقدير حصيف من القادة الميدانيين للموقف والظروف المحيطة بهم. ذكريات رجولية وبطولات أسمعها دوما ولا أمل تكرارها, أفتخر بها, وتشنف أدني لسماعها, وهم سعداء حقا بروايتها لسامعين مقدرين لاسفارهم وذكرياتهم النبيلة !

إنها روايات أحبها وأرنو إليها, توقا" للبطولة والفداء, وتفريغا" لحرارة كامنة وكرامة منقوصة, لأمة كبرى ظلمت, لكنها لن تظل, فقد يتسرب إليها الضجر, والخوف حينا" لكنه ليس اليأس بأذن الله, خاصة في أيامنا المعاصرة المأزومة !

سعيد أنا بكم وبجواركم, أيها الضباط المتقاعدون, أقدر عاليا" سفر تضحياتكم وبطولاتكم الخالدة التي ستبقى في ضمير الأمة والاجيال, كما نردد سيرتكم الباهرة، كيف لا، وانا من ابناء الجنود ! ورحم الله شهدائكم من مئات القادة والجنود، ورحم الشهداء ابناء عمومتي وبلدتي بيت راس البررة، وهم؛ الشهيد احمد نجيب الخلف؛ الشهيد غازي زيدان المصطفى؛ الشهيد محمد احمد السليمان؛ والشهيد على محمد المصطفى، اللذين قضوا شهداء بررة للواجب المقدس على ثرى فلسطين في جنين والقدس ونابلس وعلى جبل المكبر، يوم كان العدو واحدا معروفا ومعرفا ! اما انتم ايها القادة والضباط المحترفون الجندية الحقة، فآخر دعواي لكم أن يديم عليكم الصحة والنعمة, ويختم الله أعمالكم بالصالحات، وجزآكم الله الجزاء الأوفى لقاء جهدكم. أما بخصوص عرينكم ومبنى قيادتكم العامة, التي تتذكرونا ولا تنسون مآثرها, فلا تحزنوا ولا تتوجعوا ألما لمآلها بعد خصخصتها ! وطوبى لكم ولصنيعكم، فنحن نعترف بجهدكم وعزكم ومجدكم, ولا ننسى أخوة لكم من الجنوذ المجهولين وضباط الصف وكافة الأطقم المنفذة لخططكم والمساندة لإتمام مهماتكم, ونتذكرهم وإياهم على الدوام بكل معاني الإكبار والفخار والسؤدد, ونتمنى من الله لكم وأنت أهلنا وأشقائنا أن يكون مثواكم ومصيركم مع الصابرين ومع الخالدين في سجل السفر الخالد للنشامى من محبي وحماة الوطن والذود عن حمى وكبرياء الأمة.



تعليقات القراء

عقيد عامل في الجيش العربي
رحم الله العميد الركن طلال عبيدات والعميد المهندس محمد هماش رحمة واسعة، وهم ممن اشرت اليهم يا دكتورنا في مقالك الثري بالمعني والقيم. شكرا لك ومتعك الله بالصحة والعافية.
23-12-2014 03:29 PM
فصل من المقال العميق
إنها روايات أحبها وأرنو إليها, توقا' للبطولة والفداء, وتفريغا' لحرارة كامنة وكرامة منقوصة, لأمة كبرى ظلمت, لكنها لن تظل, فقد يتسرب إليها الضجر, والخوف حينا' لكنه ليس اليأس بأذن الله.
23-12-2014 09:30 PM
مبنى القيادة العامة
ايها القادة المتقاعدون/ اما بخصوص عرينكم ومبنى قيادتكم العامة, التي تفخرون وتتذكرونها ولا تنسون, فلا تحزنوا ولا تتوجعوا ألما لمآلها بعد خصخصتها، فلكل زمان دولة ورجال ! ورحم الله حابس وعطالله غاصب.
23-12-2014 09:37 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات