معجزة الصمود السوري و هزيمة الارهاب


يستنتج معظم المراقبين والزائرين الذين يزورون دمشق هذه الأيام، أن سوريا تبدو مرتاحة ومطمئنة إلى أن الأزمة في أواخرها، ولكن في المقابل قد تبدو الصورة في شمال سوريا عكس ما هي عليه في دمشق العاصمة، فلا تزال هناك أجزاء واسعة من الأراضي السورية تسيطر عليها المنظمات الإرهابية ابتداءً بداعش والنصرة وانتهاءً بما يسمى الجيش الحر، وذلك بدعم كبير من تركيا والدول الخليجية وبعض دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.
ولأن العاصمة دائما ً هي العنوان الرئيسي الذي تظهر فيه هيبة الدولة ونظام الحكم، فإن دمشق وما حولها قد انحسرت عنها الحرب، فلم يعد سكانها يسمعون أصوات سقوط القذائف إلا من أماكن بعيدة حيث تدور المعارك بين الجيش و بعض الخلايا المسلحة في الغوطة الشرقية، وهي في آخر مراحلها، فتبدو المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق وقد تحررت من كابوس القذائف المتساقطة بين الفينة والأخرى.
تقوم الحكومة السورية منذ أشهر بإجراء المصالحات الوطنية مع العديد من المجموعات المسلحة في مختلف أنحاء سوريا، وقد نجحت نجاحا ً كبيرا ً في إقناع العديد من المواطنين الذين كانوا يقاتلون إلى جانب المنظمات المسلحة بتسليم أسلحتهم وتعهدهم بعدم العودة إلى تلك المنظمات. وبالمقابل تقوم الحكومة بتسهيل أوضاعهم واستيعابهم في مؤسساتها لممارسة حياتهم المدنية كما كانوا يعيشون قبل اندلاع الأزمة في سوريا.
وتشير آخر المعلومات أن تشبث بعض المنظمات بشعار "إسقاط النظام" قد أخذت في الانحسار، حيث بدأت المعارضات تتوافد إلى موسكو لبحث الطريقة المناسبة لتكريس الحل السياسي الذي يحفظ لسوريا وحدة أراضيها وأمن واستقرار مواطنيها، وبناء الدول السورية المدنية التي تحترم التعددية السياسية والرأي الآخر، والمواطنة التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.
وما زيارة وزير الخارجية السورية الأستاذ وليد المعلم إلى موسكو في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني حيث يلتقي كبار المسؤولين الروس وفي مقدمتهم الرئيس بوتين إلا مؤشر للوصول إلى تفاهم مع مختلف العناصر المعارضة والحكومة من أجل إنهاء الاقتتال على أسس وطنية سورية.
لقد كانت المباحثات ناجحة بكل المقاييس والأعراف الدولية، فقد أكد الطرفان على تطابق وجهات أنظارهما من كل القضايا ومنها التوافق التام للتصدي للإرهاب. وتقديم الدعم الكافي لسوريا، ورفض أي استهداف لإسقاط النظام. كما رفضت موسكو عقد المؤتمرات الدولية، والاكتفاء بالحوار السوري السوري بعيدا ً عن التدخلات الخارجية. كما اعتبر الرئيس بوتين في اجتماعه مع قادة الجيوش الروسية، الوقوف مع الدول الحليفة ومنها سوريا لضمان أمنها واستقرارها وسيادتها. وتم في المؤتمر الصحفي المشترك بين المعلم ولافروف توجيه رسائل عديدة للأطراف التي تستهدف سوريا كالسعودية وقطر وتركيا، وهي بمثابة إنذار لهذه الدول التي مازالت تشن عدوانها وتدخلها ضد الدولة السورية.
لقد انعكست الحرب الدائرة في سوريا على معظم جيرانها، وامتدت إلى أبعد من الدول المجاورة، إلى الدول الأوروبية، وتتمثل هذه الانعكاسات في النزوح الكبير من المواطنين السوريين بإكراه من المجموعات المسلحة، أو هروب من خطر الاقتتال الذي أصاب بيوتهم بالهدم وأملاكهم بالنهب والسلب، وخلق هذا النزوح للدول المحيطة بسوريا ومنها الأردن أزمات متعددة اقتصادية واجتماعية وأمنية، مما جعلها تفكر جديا ً في إنهاء الأزمة ووقف الحرب التي ساهم بعضها في إذكائها واستمرارها، وليست قرارات الأمم المتحدة الأخيرة المتمثلة في القرارين المتتابعين 2170 و 2178 اللذين يدعوان إلى تجفيف منابع الإرهاب ومنع تدفق المسلحين إلى سوريا حيث وصل عددهم حسب الإحصاءات الغربية إلى ألف مقاتل شهريا ً، إلا شعور بالخطر المحدق من هذه المجموعات على أمن واستقرار دول العالم. فقد بات خطر تنظيم داعش الآن يستفحل ويتمدد بشكل فاق التصور، مما يترتب على دول العالم التنسيق المستمر لوقف خطره وزحفه وإضعافه ثم القضاء عليه.
استغلت الولايات المتحدة هذين القرارين كعادتها، وقامت بتشكيل ما يسمى بالتحالف الدولي للتصدي لتنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من المنظمات الإرهابية، دون الرجوع إلى مجلس الأمن وأعلنت أنها مع حلفائها من الدول الغربية والأوروبية سيتمكنون من مواجهة وإضعاف هذا التنظيم، ولكن الضربات الجوية أثبتت أنها عاجزة عن دحر هذا التنظيم الذي اكتسب عطفا ً كبيرا ً من شعوب المنطقة التي تعاني من ظلم الأنظمة الحاكمة، والفقر والبطالة المنتشرين بين أوساط الشعوب، وقد رفضت روسيا الاتحادية وحلفاؤها هذا التحالف لخروجه على القوانين الدولية واعتبرت الهجمات الجوية على الأراضي السورية بمثابة عدوان على دولة ذات سيادة. علما ً بأن سوريا الدولة الوحيدة التي مضى على مواجهتها للإرهاب ما يزيد على الثلاث سنوات. ولا تزال الولايات المتحدة تصر على موقفها هذا، بل وتعمل علانية على دعم المجموعات المسلحة، وتقوم مع دول الحوار على فتح معسكرات لتدريب العناصر وتأهيلها بحجة أنها تدعم العناصر المعتدلة لمواجهة داعش والنظام معا ً!!!
إن مصطلح المعارضة المعتدلة الذي اخترعته أمريكا لتبرير موقفها من دعم الإرهاب الذي تتصدى له سوريا، لا مبرر له ولا يستند إلى منطق، فالموقف من الإرهاب لا يتجزأ، وتعريف الإرهاب أصبح مفهوما ً لدى العامة والخاصة، فكل من يحمل السلاح في وجه دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة هو متمرد على النظام وإرهابي، من واجبات الدولة التصدي له والقضاء عليه.
باتت الأوضاع بعد لقاء المعلم بالقيادة الروسية تتجه إلى الحسم بشقيه السياسي والعسكري، فالقوى الوطنية المعارضة تسعى مع حلفاء سوريا إلى بلورة مفهوم مشترك مع النظام ينتهي لمصلحة الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه. وبدأت الأطراف جميعا ً تتجه للحل السياسي بعد أن تأكد لها أن الحلول العسكرية المعتمدة على التدخلات الخارجية حلول عقيمة وغير مجدية وتضر بسوريا وشعبها. اما الحسم العسكري فقد اصبح مطلبا ً يستهدف المنظمات الإرهابية ويجب الاستمرار في مواجهتها حتى يتم القضاء عليها.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات