الذكرى 44 لرحيل جمال عبد الناصر


في 28 أيلول من عام 1970غيب الموت قائدا كبيرا للأمة وهو في عز عطائه، بل في عز استعداده لشن حرب استعادة الكرامة للأمة، واستعادة لتوازنها مع عدوها الجاثم فوق أرضها، فأحست الأمة أن فراغا كبيرا قد أصابها، يفوق الحزن الذي لفها بل يزيد منه، وان هذا الفراغ سيبدأ في مصر كبيرة أقطار الأمة، ليمتد إلى كل أرجائها.

لقد رحل جمال عبد الناصر بعد أن أنهكته – وهو ابن الثانية والخمسين- قمة عربية استثنائية دعا البها لوقف حرب دموية تفجرت في الأردن بين المنظمات الفلسطينية والجيش الأردني، وكان في ذهنه وقف تلك الحرب، واحتمالات تطورها إلى احتراب أهلي، وحماية المقاومة الفلسطينية، رغم انزلاق بعض فصائلها قبل أيام من أحداث أيلول في إطلاق حملة عنيفة، لم تخل من الشتائم ضد جمال عبد الناصر على خلفية موافقته على مبادرة روجرز(وزير الخارجية الأمريكي آنذاك)، القاضية بوقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني الذي أنهكته حرب الاستنزاف (1967- 1970) التي بدأتها مصر بقيادة عبد الناصر، وبين مصر التي كانت تحتاج إلى هدنة قصيرة تسمح لها ببناء ما عرف يومها "بحائط الصواريخ" المضادة للطائرات من اجل تنفيذ عملية عبور قناة السويس وتحرير سيناء.

وفي هذه الذكرى يتداخل الألم بالأمل، وفلسطين بالوحدة، وتراث عبد الناصر بفعل المقاومة، وبرزت في حياة الأمة حقائق لا يمكن لأحد تجاهلها أو نسيانها أو القفز فوقها أو إطفاء نورها، وهي إننا امة واحدة، وإننا أصحاب قضية واحدة، وإننا أهل مقاومة واحدة، مهما تعددت الأسماء والرايات والعناوين.

عشرات بل ربما مئات من قادة وزعماء الدول رحلوا عن عالمنا من رحيل عبد الناصر، بعضهم لهم انجازاتهم وكثير منهم لهم سلبياتهم، لكن لم يبق منهم من يثير الجدل والحوار، وتدور حوله النقاشات الكثيرة، وترصد له الصحف صفحات، وتكرس له الفضائيات البرامج، وتحد الألسنة للهجوم عليه، وتنطلق الحناجر تهتف باسمه وفكره ومبادئه، سوى عبد الناصر، بل انه رغم العقود الطويلة على رحيله ما زال يخيف الكثيرين من أعداء الأمة العربية، ونذكر ما قاله الوزير الإسرائيلي ايهود باراك أثناء أحداث 25 يناير المصرية، عندما صرخ طالبا من واشنطن أن تحسم موقفها من مبارك بسرعة قبل أن يخرج من الشارع عبد الناصر جديد.

كان عبد الناصر نصير الفقراء، وعدو الأغنياء، جاهر بحق مصر في الحياة، وقادها بعد سنوات من الاحتلال البغيض، والارتهان تحت إمرة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وقد غربت بعد أن فارق الاحتلال مصر اثر ثورتها العظيمة.

لقد نذر عبد الناصر نفسه لخدمة أمته، وتعرض أثناء حياته وبعد مماته لهجوم كبير على شخصه وأفكاره، فقد تكالبت عليه قوى الاستعمار والتبعية والظلام من حروب ومحاولات اغتيال، ومحاصرة مشروعه النهضوي الوحدوي.

ومع كل ذلك فقد سجل اسمه في تاريخ مصر والأمة العربية، مؤسسا لحركة عدم الانحياز، ومقاوما للأحلاف الاستعمارية، وأمم قناة السويس، وشيد السد العالي، وفتح جامعات لمصر لكل أبنائها وأبناء العرب بعد أن كانت حكرا على أبناء الذوات، وأتاح لفقراء الفلاحين ملكية الأراضي، وقضى على الإقطاع، ودعم حركات التحرر في الوطن العربي ودول العالم الثالث، وحقق أول وحدة في تاريخ العرب الحديث بين مصر وسوريا، وادخل مصر معركة التصنيع .

لقد تصدت دول وحركات للنيل من سمعة وسيرة عبد الناصر موظفة المال والإعلام لتشويه تاريخه، ولكن لا الزمان استطاع أن يمحو الذكرى من قلوب وعقول الناس، ولا الحملات المنظمة نجحت مع هذا الزعيم الذي جاء من صعيد مصر ليصبح أول مصري يتولى حكم البلاد بعد مئات من السنين، ورحل ولم يترك مليارات وقصورا ويخوتا، فعاش ومات فقيرا.

وبعد 44 عاما لا يزال الإقبال الجماهيري يتنامى على أدبيات ثورة تموز والفكر الناصري، ولا تزال الدراسات التي تعرضت لسيرة حياة عبد الناصر تتنامى كقائد عربي تجاوز بفكره وزعامته الوطن العربي ومحيطه الإقليمي، كما يدلل ذلك أيضا تصدر شعارات الثورة وصور قائدها جميع المظاهرات

والتجمعات الشعبية التي تشهدها الأقطار العربية بين الحين والأخر، تعبيرا عن رفض الجماهير لحالة التردي الرسمي، ورفض الخضوع للاملاءات الأمريكية- الإسرائيلية، ورفض السياسات الاستعمارية التي تستهدف تفكيك الأمة وتفتيتها أكثر مما هي مفتتة، مطلقين في ربوعها عصابات الإرهاب تقتل وتدمر تحت ستار الدين.




تعليقات القراء

الاسود اسو...
لم تنجب الامة منذ250عامارجلامؤمنااومخلصا لقضايا امته كعبدالناصر.......
01-10-2014 10:09 AM
معن
الحمد لله رب العالمين

الرحمن الرحيم

مالك يوم الدين

اياك نعبد و اياك نستعين

اهدنا الصراط المس
01-10-2014 05:47 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات