سيناريوهات سياسية


كنت قد تحدثت في مقال سابق بعنوان " هزائم دبلوماسية " عن خيارات النظام المستقبلية بالإنضمام الى مجموعة السعودية أو مجموعة قطر بالمرحلة القادمة , ثم ذكرت بمقال آخر بعنوان " أكذوبة داعش" أن حقيقة مايجري هو تحضير للرأي العام لتقبُّل فكرة دخول الاردن في تحالف دولي لضرب ما يسمى داعش , واليوم وبعد أن حدَّد النظام خياراته وبعد أن أصبح عضوا في التحالف ضد داعش نجد أن النظام بات أمام سيناريوهات سياسية لم يعد بإمكانه تجاوزها أو إنكارها أو حتى تغييرها .
السيناريو الأول :

تبدأ الحملة العسكرية المزعومة ضد داعش فتتراجع قيادات داعش الى العمق السوري تاركة وراءها الشباب المُغرر به من أهل السنة بالعراق ضحية للضربات الجوية والبرية , ثم تنتقل هذه القيادات عن طريق الأردن الى شمالي السعودية لتغيَِر جلدها وتعود الى سوريا تحت إسم المعارضة المعتدلة , في هذه الاثناء تتقدم القوات الكردية نحو الغرب لتلتحم مع القوات الكردية القادمة من سوريا لتشكِّل القوتان مجال عازل يتوسع تدريجيا داخل سوريا بحجة مُطاردة داعش الى أن تتوقف القوات الكردية عند الحدود المرسومة لها لتعلن توحيد تلك المناطق تحت راية واحدة وهي الدولة الكردية

بعد هذه المرحلة تبدأ مرحلة تقسيم سوريا الى دولة الوسط السنيّة الواقعة بين الدولة الكردية بالشرق والدولة العلوية بالغرب وهكذا يتم تقسيم الدولة السورية , أما المناطق الحدودية مع الاردن فتكون مؤقتا مناطق منزوعة السلاح تحت الحماية الدولية تمهيدا لضمها للدولة الأردنية الجديدة .

أما على المستوى المحلي فسيتم حل مجلسي النواب والإعيان تحت ذريعة الضغط الجماهيري ثم تستقيل الحكومة لتتشكل حكومة شبه عسكرية من شخصيات محسوبة على القصر يكون هدفها الظاهري هو بسط النظام والامن بالبلاد لكن مهمتها الحقيقية هي العمل على تحجيم نفوذ المخابرات العامة وتقليص تاثيرها بالحياة العامة تمهيدا لتفكيكها وإستبدالها بجسم أمني جديد تحت إسم " منظمة الأمن القومي " , وهكذا تنحصر جميع أدوات إدارة الدولة بيد واحده وهذا سيجعلها جاهزه للمهمة الرئيسية لها وهي توسيع الشريط الحدودي الشمالي والشرقي والجنوبي لمسافة تتراوح بين 20 – 50 كم وبهذا يكون الجزء الاخيرمن هذا السيناريو قد تحقق بإنشاء دولة جديدة متعددة الأعراق والهويات تشكل حلا نهائيا لمشكلة اللاجئين وعمقا حيويا للنشاط السياسي والإقتصادي الإسرائيلي وحليفا إحتياطيا بديلا عن مصر في حال سقوط الإنقلاب وعودة الثورة للحكم فيها .

السيناريو الثاني :
بعد بدء الضربات الجوية تتراجع داعش الى سوريا فتحدث المفاجأة بتحرك القوات العراقية السنيَّة نحو الغرب لتستعيد مناطقها فتتراجع القوات الكردية أمامها مما يدفع إيران للتدخل العسكري تحت ذريعة حماية المقدسات الشيعية بالعراق فتغرق أيران بالمستنقع العراقي ويتراجع دعمها للنظام السوري , فتجد دول صديقة للشعب السوري الفرصة مواتية لدعم الجيش الحر الذي يتقدم نحو دمشق ويسيطر عليها ويُسقط النظام السوري وبهذا تفشل الحملة وتنسحب القوات الامريكية تاركة حلفائها وحدهم بمواجهة المد الثوري من جهة والغضب الشعبي من جهة أخرى , فتشعر إسرائيل بخطر يدفعها للتدخل لحماية حلفائها بالمنطفة تحت ذريعة الحرب الإستباقية ضد الإرهاب , فتدخل المنطقة بفوضى عنوانها الحرب بالوكالة تنتهي بإتفاق روسي أمريكي يُفضي الى إعادة تقسيم المنطقة وفقا لمصالح ونفوذ الدولتين .
وعلى المستوى المحلي تؤدي هذه الفوضى الى تغيير جذري بشكل النظام تنتقل به الاردن من موقع الحليف الفاعل الى موقع الحليف المُحايد .

السيناريو الثالث :
يحدث تغيير مفاجئ بنظام الحكم السعودي ينتج عنه خلاف حاد بالعائلة الحاكمة يؤدي الى إضطراب بالتحالف المزعوم ضد داعش , كما يؤدي هذا الخلاف الى تراجع الدعم السياسي والمادي للإنقلاب في مصر مما يشجع الثوار هناك للتحرك والإطاحه به , وبصورة دراماتيكية تنتقل الموجة الثورية الى الأردن فتكون أولى المطالب هي التراجع عن دعم التحالف الامريكي وإنهاء المعاهدة مع إسرائيل , لكن هذه المطالب لن يكون بإمكان النظام الإستجابة لها فتحدث أضطرابات بالشارع الاردني تتحرك خلالها بعض الخلايا النائمة وتقوم بإفتعال بعض الأحداث التي يستغلها النظام لأقناع الشارع بضرورة دعمه للتحالف لكن الضغط الشعبي يزداد وسقف المطالب يرتفع وهنا تجد أمريكا نفسها أمام خيارين إما أن تتخلى عن الحليف الأردني وبهذا تفقد آخر حلفائها بالمنطقة وإما أن تدعم النظام ليفرض سيطرته على البلاد ولو بالقوة .

وأخيرا نقول إن هذه السيناربوهات هي نتيجة طبيعية لسياسات اللامبالاة والهروب للامام التي إنتهجها النظام منذ إنطلاق الفعاليات الشعبية المطالبة بالإصلاح , ولم يعد سرا القول بأن النظام قد حسم أمره ووضع بيضة في السلة الامريكية , وهو يعرف مدى هشاشتها وضعفها أمام رياح التغيير العاصفة بالمنطقة , إن الوقت قد حان لوقفة جدية وواضحة من جميع الجهات والأطراف , وقفة تستوعب الموقف وتعمل على تجنيب البلاد خطورته فليس هناك وقت للخلاف أو التواكل وليس هناك من هو أهم أو أغلى من الوطن , فعندما يتعلق الأمر بالوطن لا يوجد فرق بين الخيانة والخطأ .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات