هل إعلان الحرب على داعش يحل الأزمة؟


خاص - غيث حدادين - مشهد إعلان الحرب على الإرهاب يتكرر رغم مرور نحو أربعة عشر عاماً على أحداث الحادي عشر من أيلول، وهاهو التاريخ يعيد نفسه لكن بنكهة أخرى ومعطيات جديدة، فإعلان الحرب على الإرهاب وأقصد هنا الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، جاء هذه المرة باتفاق دولي لم يقتصر على الولايات المتحدة فقط بل على الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، إلا أن المفارقة جاءت كذلك بإعلان كافة فصائل المعارضة السورية حربها على التنظيم بل تسابقت كتائب المعارضة بإصدار تصريحات مصورة تعلن فيها الحرب عليه، وفي ذلك أنضمت إلى جوقة الحلف الدولي بجانب نظام الأسد لمحاربة التنظيم.

المعارضة السورية المسلحة وبعد أيام قليلة على إعلان أوباما بتشكيل حلف دولي لمحاربة داعش هرولت لإعلان حربها على التنظيم، وعلى رأس تلك التنظيمات جبهة ثوار سوريا بقيادة جمال معروف، وألوية فجر الحرية بقيادة المقدم أبو فؤاد، لكن تعقيدات الحرب على التنظيم لن تقف عند تلك التنظيمات التي تصنفها واشنطن بالمعتدلة، بل الحرب على التنظيم لربما تغير معايير كثيرة وتضع وتزيل تنظيمات من على قائمة الإرهاب، وتطال أنظمة لطالما اعتبرتها واشنطن إرهابية، حيث تذكرنا هذه الأحداث بالخيارين التي طرحهما جورج بوش الإبن على دول العالم في حربه على الإرهاب بين الانضمام الى حربه أو وقوفها ضده.

لكن تساؤلات كثيرة لا زالت مطروحة حول حقيقة هذا التنظيم الذي حقق في فترة قصيرة إنجازات ميدانية وسيطر على مناطق شاسعة، فتنظيم الدولة الإبن العاق للقاعدة والمنشق عنها بقيادة أبو بكر الغدادي، لقي في عام 2012 تأييد معظم من ناصر الثورة السورية، حيث حظى التنظيم ولا زال! بقبول شعبي في مناطق عدة، منها الدعم الذي تلقاه من عشائر في دير الزور والرقة، كما حظي التنظيم بحاضنة شعبية من عشائر الموصل في العراق، تلك هي الحقيقة التي يحاول البعض تجنبها وعدم الخوض فيها، لكن لولا تلك الحاضنة لما استطاع التنظيم التغلغل في تلك المناطق رغم محاولات بعض العشائر محاربته كعشائر الشعيطات في دير الزور والتي لقي معظم أفرادها مصرعهم على يد التنظيم.

داعش الذي لم يدع له صديق أو حليف في المنطقة من تنظيمات أو دول، خاض ويخوض حروباً حتى مع جبهة النصرة ذراع القاعدة في سوريا والتي تحمل تقريباً ذات الفكر الديني والسياسي، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية شطب واشنطن لجبهة النصرة من قائمة التنظيمات الإرهابية وذلك كمكافئة على تعاونها في الحرب على داعش، وعودة القاعدة إلى أحضان الأم أمريكا بعد قطيعة استمرت منذ الحرب على الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.

الحرب على داعش غيرت قواعد اللعبة في سوريا والمنطقة، حتى النظام السوري الذي تغنى خلال فترة ثلاث سنوات بنظرية المؤامرة متهماً الولايات المتحدة بقيادتها، أبدى استعداده للتعاون مع من تآمر عليه في سبيل الخلاص من داعش الذي أعدم أكثر من مئتي عنصر من الجيش السوري مؤخراً بعد السيطرة على مطار الطبقة العسكري في محافظة الرقة.

دول وتنظيمات ومعارضة وموالاة كلها أعلنت الحرب على داعش، لكن دون معرفة حقيقة ذلك التنظيم التي انقسمت الآراء حوله، كالآتي؛ في سوريا يتهم مؤيدو النظام الولايات المتحدة والمعارضة السورية بدعم التنظيم وتمويله وذلك ضمن المؤامرة الكونية على نظام الممانعة والمقاومة، وفي سوريا أيضاً يتهم معارضو النظام، الأسد وحلفائه في إيران بدعم التنظيم وتمويله لشق صفوف الثورة وتشويه صورة الثوار، أما في العراق، فيتهم مؤيدو المالكي وحلفائه دولاً إقليمية سنية بدعم التنظيم، أما معارضو المالكي منهم من اعتبر التنظيم جزءاً من ثورة قامت بها عشائر العراق السنية ومنهم من تذرع بوجود التنظيم كنتيجة للظلم والهوان التي تعرضت لها الطائفة السنية في العراق من قبل حكومة المالكي الطائفية. أما على مستوى الدول، فكل الدول المتهمة بدعم التنظيم تبرأت منه وعلى رأسها قطر والسعودية.

كل تلك الاتهامات لا يمكن تنصيفها إلا في قائمة التكهنات والتحليلات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إلا أن حقيقة واحدة لا يمكن تجاهلها وتبقى هي الأكثر قرباً إلى المنطق والموضوعية، هي أن تنظيم داعش مهما كانت الجهة التي تموله أو تدعمه أو تقدم تسهيلات له، هو واقع مجتمعي لقي قبولاً بين شريحة واسعة من الناس وأن انتشار التنظيم بهذه الطريقة ما هو إلا دليل على ذلك، فالحرب القادمة لن تكون سهلة ولا يمكن القضاء على التنظيم عسكرياً فقط، فالأزمة الحقيقة تكمن في "الفكر" ما يحتاج إلى جهود تتجاوز الحل العسكري.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات