قراءة في احالة موظف دار المعاقين بتهمة هتك العرض


فوجئت قبل فترة بخبر احالة موظف كشف عن انتهاكات جسيمة باحدى دور المعاقين بالكرك الحبيبة الى محكمة الجنايات الكبرى بتهمة هتك العرض.

الموظف الغيور بدار رعاية المعوقين .. ارتأى ان خير وسيلة لفضح انتهاكات جسدية وعنف غير مبرر بحق نزلاء الدار تلك .. هي تصوير الكدمات التي تركتها تلك الاعتداءات على جسده .. ربما ظهرت عن غير قصد مواضع من جسده يحرص الانسان عادة على عدم اظهارها .. لكنه قدر لزوم ذلك لايصال الرسالة الى الرأي العام .. وربما لحماية ذلك المعاق ايضاً وفي المقام الاول .. اتراه يحاكم من اجل ذلك وبماذا؟ بتهمة هتك العرض؟

استحضرني حين قرأت ذلك الخبر المثل القائل "خيراً تعمل شراً تلقا" هذا درس لكل الناس لئلا يفعلون المعروف مع احد .. تماماً كاتهام من ينقذ مدهوساً بانه هو من صدمه .. مما يدفعه لأن يكمل سواقته ويترك ذلك الشخص "يفعفط كالدجاجة" .. يريدوننا بمجتمع من الالات الصماء بغير قلب وغير روح .. فقط للانتاج ودفع الضرائب والرسوم .. ولا شيء اكثر .. بهذا يوظف القضاء كاداة لتربية الناس وايصال وعي مجتمعي معين لهم .. واللي ما بربيه بيته بتربيه المحاكم .. كيف؟ بحقيقة ان من اعتدى على المعاق يحاكم امام محكة الصلح بجرم الايذاء البسيط ويحال من فضح تلك الجرائم الى محكمة الجنايات الكبرى بتهمة هتك العرض .

ربما كان على جهات الاختصاص ان تقرأ المبادئ العظمى التي وضعتها المحكمة العليا الامريكية من الملاءمة والمعقولية والتناسب والتي لا ينبغي ان تغيب عن أي قاعدة قانونية مهما كان نوعها وطبيعتها او كانت درجتها وقوتها .. او فلربما كان عليها ان تقرأ القرار التاريخي للمحكمة العليا في المانيا والذي قررت فيه ان "القانون" غير العادل لا يستأهل وصف القانون لتمتنع بالتالي عن تطبيقه وتتجاهله بالكلية، وهو ما يمكن تأسيسه من وجهة نظرنا سنداً لمبدأ الفصل بين السلطات باعتبار ان القضاء لا يلزم –وفقاً لهذا المبدأ- بتطبيق قواعد لا يراها يتحقق فيها الوصف الصحيح "للقانون"، هذه السلطة المستمدة من اخضاع القواعد التي يتلقاها القضاء شأنها شأن أي "عمل قانوني" لوظيفة التكييف التي يختص بها القضاء حصراً دون غيره، فلا تكون لاية جهة اياً كانت ان تفرض عليه وصفاً قانونياً -ومن ذلك وصف "القانون" ذاته- على عمل لا يراه متحققاً به اصلاً.

تلك الامم وصلت الى درجة من الرقي بحيث أعلت من شأن مبادئ العدالة من ناحية واعتبارات المعقولية والمنطق من ناحية اخرى وقدمتهما على نصوص صماء تخطها يد البشر التي تخطئ وتصيب .. هذه النصوص التي كان يتوجب فيها بالقطع تحقيق وظيفة العدالة فان لم تفعل وتحقق وظيفتها هذه انعدمت كل قيمة موضوعية لها وأضحت مجرد شكل لا روح له ولا مضمون .. في حين ان القضاء يطبق مفهومه لتلك النصوص والوظيفة التي تحققها لا مجرد كلمات وتعابير تخطها احبار على اوراق.

اما لدينا وعوداً على بدء فلا نضع اللوم على القانون وعلى القضاء حين يكونان مجرد ظاهرتين مجتمعيتين تعكسان بصورة امينة للغاية قيم المجتمع وتقاليده ليس اكثر ودون ان يتمتعان باية قيمة تقدمية .. فحينها يكون مثل ذلك إحساناً لا يلزم القضاء ببذله .. لكن الخطورة تكمن حين يجرح القانون والقضاء احساس الناس بالعدالة .. حين يتصادم مع العدالة من ناحية ومع العقل والمنطق من ناحية اخرى بشكل مباشر لا مجرد تصادم جانبي بل وجهاً لوجه هنا تكمن الخطورة .. ان تنتزع الثقة من وظيفة القضاء في إحقاق الحق وتحقيق العدالة .. هذه الوظيفة التي اقام الله عليها السموات والارض اذ قال وقوله الحق (والسماء رفعها ووضع الميزان .. الا تطغوا في الميزان) صدق الله العظيم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات