اللعبة القذرة


عندما يكون مقدار الصرف على التسلح حوالي (400 )مليار دولار سنويا ،فمعنى هذا، أننا نعيش على مخازن أسلحة ،وان الأرض لا تتألف من مياه ويابسة بل من أسلحة وهي البحار والمحيطات واليابسة .........

حقيقة أحبتي الكرام ... لم اكره درسا عندما كنت طالبا ،أكثر من( الحساب) ولهذا،فأنا اترك تقدير عدد المستشفيات والمدارس والمساكن وحصة الأفراد من هذه المبالغ ،فيما لو كرست هذه المبالغ لهذه الغايات ،ووزعت على عدد السكان لرجال الرياضيات والكمبيوترات آخر الزمان إن جاز التعبير .........

ولعلنا إذا تسألنا يوما عن حل شامل وناجع لذلك السباق نحو التسلح في العالم!!!!!!، اعتقد إننا واهمون أن يحل هذا الصراع المرير مابين الخير والشر لاشتراكية والرأسمالية فهي في نظري عملية ترتيب للسلاح المسموح وغير المسموح ..

بلغة أخرى أكثر وضوحا.. ما فائدة مئات وألوف الطائرات المقاتلة والحديثة والمتطورة ،يضاف إليها الدبابات الحديثة والصواريخ البالستية والمتطورة، أمام سلاح واحد فقط تمتلكه بعض الدول، وكأنه مخصصا لها اقصد هنا السلاح النووي..... الذي تمتلكه قوى الشر...... وان كان جوابي غير ذلك!! فماذا نسمي ما تفعله أمريكا في العالم العربي والإسلامي من تدمير واستعمار أو إذا أردتم توضيحا أكثر استيعابا ماذا نسمي ما تفعله إسرائيل مع الفلسطينيين الذين يمدون يديهم ليلا ونهارا باحثين عن السلام واسترجاع حقوقهم بالطرق الدبلوماسية؟!!! لكن هيهات هيهات فإسرائيل ترد على تلك الطموحات والنوايا الحسنة بإنتاج مئات القنابل النووية وكأنها تريد أن تدمر العالم أو تحاربه وليس الفلسطينيين أن جاز التعبير.........؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!.

وانأ حقيقة أتسال في قرارة نفسي هل يمكن إقامة سلام حقيقي في ظل سياسة الأحلاف والنهب الاستعماري والتآمر والقواعد العسكرية، التي نراها هنا وهناك ،بالإضافة لمشكلة أصبحنا نعاني منها وبالتحديد في دول عربية ألا وهي "تصدير الثورات المضادة وتجنيد المرتزقة" في ظل استمرار الاحتلال الصهيوني والعنصري لأراضي الأمة العربية وعدة شعوب في كثير من دول العالم، لاسيما إفريقيا ،هل تكفي الأمنيات لصنع السلام ؟!!.

لو كان الحال كما تتوقعون.ز أيها الأحبة الكرام لارتفعت الصلوات في المساجد ....وقرعت أجراس الكنائس.... في كثير من دول العالم... واخذت الطوائف طريقها إلى أعالي الجبال لإقامة المحافل واللقاءات التي تعبر عن السلام لكن .هيهات ...هيهات ...!!!!أن يحصل ذلك في هذا الزمن الذي أرى فيه، إننا مقبلون على عدة أمور لا تحمد عقباها، وبدت تأثر علينا تأثيرا سلبيا كأفراد وكمجموعات وكدول تسعى للاستقلالية ونبذ العنف والخلاف بين مواطنيها ومواطني دول العالم ....ولعل أبرزها ما تحدثت لكم عنها من خلال مقالاتي السابقة وبدت تشكل الآن كابوسا مخيف اول تلك الكوابيس ..........

1-الانقلاب في مصر – بعد ذلك الحلم والشعور الرائع انقلب السحر على الساحر حيث قد دخلت البلاد في نفق مظلم لا يعرف أبعاده ولا نتائجه ،فقد قامت القوات المسلحة المصرية بصورة مفاجئة بعزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي ،وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بقيادة البلاد مؤقتا ليس هذا فحسب ،بل تضمن القرار تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت ،وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة ،كما تضمن القرار تشكيل حكومة كفاءات وطنية تتمتع بالصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية، وكذلك تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات تحظى بالقبول لدى الشارع المصري لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور المصري، وسرعة إقرار مشروع قانون انتخاب لمجلس النواب، والبدء للإعداد للانتخابات البرلمانية.

كما أنني عندما أتحدث عن الانقلاب لا يعني صراحة أنني مع الرئيس مرسي في بعض إجراءاته زمن توليه الرئاسة الذي ارتكب في السابق أخطاءً لا تغتفر قضت على مشروعه الإسلامي المعتدل، وهي عدم الانفتاح على القوى الثورية، من خلال إشراكهم بالعملية السياسية والتنظيمية، كما أنه لم يستدرج معارضيه في جولة الإعادة ،والذين يشكلون شريحة واسعة من الشعب المصري ،وبالتالي ضياع الفرصة عليه وعلى حركته التي كانت تأمل في أن تكون كالنموذج التركي لكن بأقصر مدة وأقل جهد.

حيث أن السعودية ومعها دول عربية قد أخطأت خطأً جسيما بدعم سلطة الانقلاب في مصر باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول غربية لم تعترف بهذا الانقلاب أبدا ،لابل ذهبت دول إلى رفضه وعودة مرسي رئيسا لمصر كونها ترى فيه ممثل الإسلام المعتدل بعيداً عن التطرف ،لاسيما الموقف الفرنسي المتشدد في ذلك الوقت حيث طالب رئيس وزرائها بعودة سريعة للشرعية الدولية ،بالإضافة إلى تركيا والنرويج ودول الاتحاد الأوروبي التي لم تؤيد حتى هذه اللحظة الانقلاب العسكري في مصر ،بل أكتفت دول العالم جميعا باستثناء دول عربية ومعها السعودية بتصريحات مبهمة هنا وهناك.........

كما أجد أننا مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن لا نستبعد أي موقف يصدر عن الولايات المتحدة الأمريكية، سواء فيما يتعلق بمصر ،وما آل إليه مصير الرئيس مرسي الذي يسكن بين غياهب وأقباض الحديد ينتظر مصيره ،كما ينتظر أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى أو ما يتعلق بالشرق الأوسط بشكل عام ،فالسياسات الأمريكية والغربية تحكمها المصالح الاتفاقيات والمعاهدات ،فإذا رأت من مصلحتها في مرسي رئيسا جديدا لمصر ،فهي سوف تعمل على ذلك ولن تتوانى قيد أنملة في تحقيق ذلك تبعا لمصلحتها القومية والإستراتيجية خاصة إذا علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تختلف اختلافا جذريا في دعم الانقلاب، لا بل ذهبت في موقفها إلى أبعد من ذلك ،حيث عملت على وقف المساعدات العسكرية إلى القاهرة، وهذا ما أغضب دول الخليج وخاصة السعودية التي دخلت في صراع مرير مع الولايات المتحدة خاصة في مواقفها الأخيرة تجاه سوريا.

2-الثورة السورية والضربة العسكرية

الناظر والمتابع للمشهد السوري حاليا يجد بأن نظام الأسد انتقل من مرحلة الفتك والقتل إلى مرحلة غير محمودة العواقب، من خلال استخدامه للأسلحة المحرمة دوليا وانتهاء بالتهديدات المستمرة من قبل قادة وأعوان النظام، وآخرها تهديده لكل دولة عربية بالضرب في العمق الحيوي لها أن سمحت لأي جهة باستخدام أراضيها،واقصد هنا الأردن ودول الخليج بالإضافة لتركيا .

بلغة أخرى اكثر وضوحا، أصبح النظام هناك مسعورا يستحال ترويضه من أي احد حتى من الدول المحسوبه عليه، كروسيا المخادعة أو من الإيرانيين ،والذين يبحثون عن أطماع لهم في شرق أوسط جديد مناصفة مع الأمريكيين ، بحيث أصبح العالم يدرك ادراكا يقينيا، بأن النظام في روسيا يراهن على مليارات وقوفه الكاذب مع الأسد من خلال انتظاره لصفقة تبرم هنا وهناك لتغير موقفه من الرافض للضربة إلى موقف أكثر ايجابية متناسق مع أقرانه من الأوروبيين وحتى العرب،

فالقصة فقط قصة مصالح ومسألة وقت، وعلينا ان نفهم أن الأمريكيين والأوربيين مجرد تفكيرهم في الضربة العسكرية ليس لنصرة أطفال سوريا وإنما لحماية أطفال أقرانهم من الإسرائيليين المجاورين لدائرة الصراع السوري السوري.

الحقيقة المرة التي ربما نغفل عنها وربما نعرفها لكن نتجاهلها بأن وقوفنا مع الضربة العسكرية المحتمله لسوريا هي وقفة أليمة وحزينة وموجعة في نفس الوقت، فلم نكن يوما نتوقع أن دولا عربية تفتك بشعبها ،بمنجزاتها ،بمشاريعها القومية من أجل الكرسي والمنصب.. لماذا نسينا لا بل تناسينا مبادىء الإسلام وأحكامه وأركانه؟؟ لماذا ابتعدنا كل البعد عن أخلاقيات الإسلام ؟؟ و لماذا الغرب سرقوا منا أخلاق الإسلام ،وطبقوها خير تطبيق ؟؟ وهناك عبارة شهيرة للشيخ محمد عبده قالها عندما كان في زيارة للغرب في مطلع القرن العشرين ،حيث سُئل كيف رأيت الغرب..؟ قال: رأيت إسلاماً ولم أرى مسلمين.؟

ويقصد هنا الشيخ أخلاق الإسلام، فيجب أن نعلم علم اليقين بأن الغرب يفهمون الإسلام خير فهم ، لكنهم يستنبطون منه ما يفيدهم، ويدعم حضارتهم دون أشعار أحد بذلك .

وإذا نظرنا إلى الموقف الغربي والأمريكي من الأزمة السورية بالتزامن مع تصاعد لغة التهديد والوعيد، وتزايد التوتر مع اقتراب موعد التئام جلسات الكونغرس الأمريكي ؛ لبحث اقتراح الرئيس الأمريكي باراك اوباما لتوجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري، تسود تكهنات بإمكانية التوصل إلى صفقة يتم الترتيب لها بمحادثات سرية بين موسكو وواشنطن، حيث تتجه الأنظار يوم الاثنين المقبل ليس فقط لاجتماع الكونغرس في واشنطن بل للقاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم بنظيره الروسي سيرغي لافروف في نفس اليوم في موسكو، الذي من المفترض حسب التكهنات أن يحمل أجوبة دمشق على صفقة تسوية تتضمن انتقالا سياسيا تدريجيا للسلطة؛ لإنهاء صراع مستمر منذ ثلاثين شهرا.

ونحن هنا لسنا مع تدمير سوريا وإرجاعها إلى العصر الحجري، أنما نحن نحترم شعب سوريا المناضل المكافح فهو شعب بحاجة لقيادة حكيمة تقدر انجازاته وطموحاته ودوافع شعبه نحو الحرية والعيش الرغد بعيدا عن الانحياز لفئة أو لمجموعة على أساس الدين أو العرق ،وهو كما يحصل الآن في هذا البلد حيث تتوغل وتسيطر أقلية علوية على جميع فئات الشعب من الأغلبية السنية ضاربة بعرض الحائط بكافة الحقوق ومستلزمات الحياة الهانئة لهذه الطبقة المحرومة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، وسوف نتناول لكم لاحقا تأثيرات الضربة العسكرية على سوريا أن وقعت، بشيء من التفصيل على الأردن والدول العربية .

3 - القضية الفلسطينية والربيع العربي

ما أن بدأت شرارة الربيع العربي في تونس حتى بدأت معه الأماني والأمنيات العربية في أن يكون ذلك الربيع محملا بعبق الأزهار، ورائحة النرجس والياسمين ،وزهو الأقحوان إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل .

فهذا الربيع الذي اعتقدنا بأنه محمل بالطموحات والأماني بدا غير ذلك ، فقد جلب معه القتل والدمار والمآسي والويلات للشعوب العربية التي طبلت وزمرت له،باعتباره فرجها الوحيد الذي سوف يخلصها من أنظمتها العربية الفاسدة التي أشبعت تلك الشعوب ظلما وفسادا.

ففي بداية ذلك الربيع استبشرنا خيرا بقدومه، معتبرينه حدثا طبيعيا لمجمل تغيرات سوف تطال المنطقة العربية، وكنا في بداية الأمر نعتقد جازمين أن هذا الربيع هو محصلة طبيعية للفساد والظلم الذي تعرضت له الشعوب العربية قاطبة من أنظمتها الفاسدة التي كانت تكيل بمكيالين:مكيال الظلم ومكيال السلطة.

فالربيع العربي أحدث حالة من الفوضى والدمار عند تلك البلدان التي غزاها ؛ فقد أثقل كاهل تلك الشعوب التي تنادي بالحرية ومحاربة الفساد والظلم ، فبدا لنا الربيع غير ذلك لا بل أصبح كابوسا تتخوف منه الشعوب العربية منه غير مرحب به ؛ فهو ربيع القتل والدمار والبطش والاستعلاء على الحق،ونصرة الظالم على حساب المواطن الذي أشبع ظلما وبؤسا من تلك الأنظمة،وجاء الربيع العربي ليزيده بما فيه من ظلم أضعاف وأضعاف.

إن الربيع العربي الذي بدأ بتونس ومصر وليبيا واليمن ، وانتهاء بسوريا ، قد عزز سياسة الظلم والاستبداد والتشريد ؛ فالأنظمة العربية فهمت الربيع العربي على أنه الاعتداء على أنظمتها الديكتاتورية قد أخطأت في فهمها لهذا التصور، وكذلك الشعوب العربية أساءت في فهمها وتصورها للربيع العربي ؛ فقد أدركت أنه السطوة والتمرد على تلك الأنظمة غير آبهين ؛ لما ستقوم به تلك الأنظمة للرد على هذا التغير الطبيعي ،إلا أنه فيما بعد أصبح تغيرا غير طبيعي ؛ فالشعوب العربية غير مستعدة لفهم واقع التغير السياسي الذي يحدث في الوطن العربي، وكذلك الأنظمة التي لم تعتد على سياسة من هذا النوع المفاجئ لها ولأنظمتها.

والقضية الفلسطينية ليست بمنأى عن الربيع العربي، فقد دخلت تلك القضية العادلة في سبات عميق ،نتيجة لما أحدثه ذلك الربيع من عقبات خطيرة ليس على الواقع العربي فحسب،إنما تعداه للقضية الفلسطينية العادلة التي أصبحت للأسف في وقتنا الحالي في مهب الريح.

فالعرب كما تعلمون .أحبتي قدموا تنازلات ليست بالبسيطة مقارنة بالتعنت الإسرائيلي ، لاسيما مبادرة السلام العربية التي نصت على التطبيع الكامل مع إسرائيل، وعلاقات طبيعية ،سياسية ،وتجارية ،واقتصادية، وحتى سياحية مقابل عودة الأراضي العربية المحتلة، لكن للأسف كما تعلمون لم تلق تلك الاتفاقية رواجا عند أصحاب القرار في تل أبيب لا بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك ؛ فقد انقلبوا على تلك المبادرة ،وضربوا بمقرراتها بعرض الحائط ، وردوا عليها من خلال مهاجمة قطاع غزة وجنوب لبنان .

إن أمتنا العربية لم تكن بمعزل عن تبعات وتوابع الربيع العربي ؛ فالفشل الذريع للدبلوماسية العربية المتكرر ابتداء بحرب الخليج ،وانتهاء بثورات الربيع العربي أصبح هو العنوان الأبرز حاليا في السياسة الدولية للأسف الشديد.

كما أن الثورات العربية التي بدأت بتونس وانتهت بسوريا تشكل في نظر المحللين السياسيين حدثا تاريخيا ، يستدعي منا الوقوف والتبصر؛ لما تحمله هذه الثورات من نتائج سلبية سوف تنعكس تبعاتها على الشعوب العربية ،وأنظمتها لسنوات وسنوات هذا ربما من الناحية السياسية ،أما الناحية الاقتصادية -فحدث ولا حرج -فقد عادت تلك الدول التي غزاها ذلك الربيع القبيح إلى سابق عهدها قبل الازدهار والنمو ناهيك عن ديون مشبعة سوف تتوارثها تلك الدول جيلا عن جيل ، وتحتاج لمليارات نعجز عن ذكرها ،ولولا ذلك الربيع وما خلفه من دمار وخراب للبنية التحتية لتلك الدول لاستعملت تلك المليارات في العيش الرغيد ،ومعالجة البطالة،وربما أصبحت تلك الدول من العالم الثاني،ولكانت تلك المليارات تنفق على تلك الشعوب بدلا من إنفاقها على القتل والتشريد والتدمير.

بيدا أنني لم أشعر بالحزن الشديد من قبل ،وتأنيب الضمير الإنساني ،وإن كان ذلك خارجا عن إرادتي ،إلا عندما كنت في غرفة الصف،وكنت حينها أدرس مادة التاريخ الإسلامي، وبالتحديد درس الفتوحات الإسلامية إبان سيدنا عمر بن الخطاب ،وعثمان بن عفان _رضي الله عنهما_فقد بدت الدولة الإسلامية في تلك الفترة من زمن الفتوحات دولة عظيمة تخشاها جميع الدول في ذلك القرن،فالجيش الإسلامي استطاع في ذلك الوقت من تحقيق أعظم الانتصارات على الإمبراطورية البيزنطية والرومانية والفرس .

وعندما كنت في تلك الفترة منغمسا ومتغزلا في تلك الانتصارات التي حققتها الدولة الإسلامية في ذلك العصر،إذ أحد الطلبة يسألني سؤالا مباشرا،ويقول:هل بقيت الدولة الإسلامية التي تتحدث عنها حتى زمننا الحالي من ناحية القوة والعظمى كما كانت في السابق ؟؟ فكان السؤال كالصاعقة التي وقعت على رأسي،فلم أعرف حينها ذلك السؤال، أقصد ذلك الطالب الاستهتار ؟ أما قصد حقيقة أخرى مغيبة عنا جميعا ؟ فتجاهلته في المرة الأولى، وفي مخيلتي الم شديد، وحزن عميق،وخوف من إعادة السؤال مرة أخرى، وما قد كنت أخشاه حصل مرة أخرى ، فقام وأعاد الكرة مرة أخرى متسائلا عن مصير تلك الدولة القوية،وإلى أين آل بها المطاف ،وربما في المرة الثانية لاحظ علامات الدهشة على وجنتي ،فأجبته في المرة الثانية والدموع تنهمر من عيني محاولا إخفائها أمام الطلبة حتى لا يشعروا بضعف معلمهم ،وما سبب بكائه؛ فقد تناولت منديلا أبيضا متظاهرا بإصابتي بالزكام والرشح لإخفاء ما ظهر علي من حيرة وحزن وبكاء،ولا أعرف حينها، هل انطوت عليهم تلك الحيلة أم لا؟؟

إلا أنني سألت الطالب نفسه وبصريح العبارة من غير توضيح ولا مقدمات ، من هي الدولة العظمى الآن في العالم ؟، فقال لي بكل ثقة :الولايات المتحدة الأمريكية يا معلم ، فصارعت بالإجابة،وقلت:وكذلك الدولة الإسلامية زمن عمر وعثمان بن عفان كانت ، كالولايات المتحدة الأمريكية في القوة والنفوذ والسطوة ، واكتفيت بهذه الجملة متوسلا وخائفا من إعادة ذلك السؤال ،وبعدها أكملت حديثي ،وبقي ذلك السؤال في ذاكرتي يختزلني كلما قرأت موضوعا أو فقرة عن الربيع العربي،وكيف ألت تلك الدول من ضعف .

ومجمل القول أحبتي :إن الربيع العربي له أثر سلبي على القضية الفلسطينية؛ فزيادة على أنه ساهم في إرهاق الشعوب العربية وتحميلها من الولايات والمآسي،ما لا تطيقه أمة من الأمم، وجعلها شعوبا وأنظمة مترهلة وضعيفة ،عمل كذلك على انشغال تلك الشعوب وأنظمتها بنفسها ،جاعلين من القضية الفلسطينية هاجسا وأمنية وأملا صعب المنال ،فقد أصبحت الشعوب العربية غير قادرة على حل تلك التغيرات التي حدثت في الوطن العربي بنفسها بل عجزت كل العجز، فكيف لها أن تقوم بدور صعب تحقيقه زمن التنازلات والمبادرات ؟؟!!لاسيما المبادرة التي تكلمت عنها ،وقبل مجيء الربيع العربي، فكيف تستطيع أن تحققه وهي الآن تسجدي الغرب ليلا ونهارا لحل مشاكلها الداخلية، وتخليصها من أنظمة الفاسدة التي كانت سببا في اندلاع ذلك الربيع الجاف ...

4-الخليج والهاجس التركي

فقد أصبح حلما سهل المنال، فالدولة التركية التي كانت سابقا تربطها علاقات قوية مع العرب طيلة أربعة قرون ، وانفصال تلك العلاقات بعد سقوط الخلافة العثمانية في تركيا، وقيام الجمهورية التركية(أتاتورك) عام 1923التي أبعدت تركيا في ذلك الوقت عن محيطها الإسلامي والعربي ،والعمل على توجه تلك السياسة تجاه الغرب كان العنوان الأبرز في ذلك الوقت .

أما اليوم فالقصة مختلفة تماما ، فالحزب الذي كان ملاحقا ومحاربا على مدار عقود وعقود ، نجده اليوم قد تسيد قمة الهرم السياسي في تركيا بعد معاناة كبيرة وانقلابات عسكرية ، لا بل ذهب الحزب الذي له جذورا إسلامية إلى أبعد من ذلك في سيطرته الكاملة على مراكز صنع القرار في تركيا في كثير من مؤسسات الحكم ، لاسيما المجلس التشريعي ومؤسسات إدارة الحكم في الدولة.

'ومجمل القول' أحبتي الكرام في أنني أرى للتقارب والتحالف العربي التركي مصلحتين:عربية وتركية .

المصلحة العربية :إن التقارب الإيراني الأمريكي الأخير يجب أن يرد عليه مباشرة من قبل الدول العربية وخاصة دول الخليج برد مناسب ، وهذا الرد لن يأتي إلا من خلال التوجه لدولة عظمى تمتلك من السياسة الخارجية والقوى العسكرية ما تملك وهذه المقومات موجودة في الدولة التركية ، فتركيا تأتي من حيث العدد في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية في حلف الأطلسي ، وهذا الدور العسكري تحتاجه دول الخليج العربي ؛ لتعزيز منظومتها الدفاعية تجاه أي خطر إيراني في المستقبل عليها ، خاصة السعودية التي تأخذ التهديدات الإيرانية على محمل الجد ، لاسيما التصريحات المتكررة لبعض أصحاب القرار في إيران في رغبتهم الأكيدة في السيطرة على الخليج.

*-المصلحة التركية :إن الدولة التركية ترى في أي تحالف عربي معها مصلحة عليا تخدم مصالحها القومية والإستراتيجية على المدى البعيد ، لاسيما بعد وضوح قرار الغرب أو بالأحرى الاتحاد الأوروبي في رفضه الشديد من تحت الكواليس ، وخاصة فرنسا لأي انضمام تركي لصفوف الاتحاد الأوروبي ؛ لاعتبارات إسلامية معروفة للجميع ، خاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا ، وسيطرته على جميع مراكز صنع القرار فيها.

كما أن هنالك أحبتي' مؤشرات قوية تدفع بالدول العربية ومعها دول الخليج العربي إلى سرعة التحالف مع الجارة الإسلامية تركيا نوجزها لكم فيما يلي:

* إن التقارب التركي العربي الخليجي يعكس توافقا في المصالح لجميع الأطراف سياسيا واقتصاديا وعسكريا نظرا لأن تركيا تشكل الآن بقيادة أردوغان من القوى الإقليمية ذات الأهمية الكبيرة في المنطقة والعالم والدول العربية ومعها دول الخليج ، يدركون تماما عظمة هذا الدور في المنطقة ، لاستباق أي محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية وحتى إيران والغرب من قيام مشاريعهم الاستعمارية على حساب العرب كما هو حاصل الآن في ما يسمى الربيع العربي.

*هناك تقارب كبير في وجهات النظر العربية التركية وخاصة في الثورات العربية ، فالأخيرة عملت مناصفة مع السعودية والأمارات وقطر والأردن قبل فترة ليست بالبعيدة بدعم التدخل العسكري الأخير في سوريا ، وقبل ذلك تقديم الدعم للثوار الليبيين ، ومساندة الغرب في التخلص من حكم القذافي .

*طبيعة النظام التركي الحالي وتركيبته الإسلامية تعتبر مؤشرا مهما في تقبل الشعوب العربية للتحالف التركي العربي ، خاصة أن الشعوب العربية تعلم جيدا موقف تركيا ورئيس وزرائها الحالي الذي يشكل إلهاما ونبراسا للشعوب العربية ؛ لطبيعة دوره البارز في دعم القضايا العربية لاسيما القضية الفلسطينية وموقفه الأخير من الحرب على غزة الذي تمخض عنه قطع العلاقات مع الحليفة الإستراتيجية إسرائيل.....

كما أن التحالف التركي العربي يعتبر الفرصة الأخيرة للعرب التي يجب أن تغتنم من أجل ترتيب البيت الداخلي العربي ، والوقوف في وجه السياسات الغربية والإسرائيلية والإيرانية خاصة وأن هذا التحالف إن كتب له النجاح سوف يقضي على الآمال الإيرانية والإسرائيلية والغربية في العودة إلى دورهم الحيوي والاستراتيجي في الشرق الأوسط، من خلال البوابة التركية التي أعتقد جازما إنها ستظل مغلقة أمام هذا التوجه الحالي لهذه الدول في ظل وجود نظام إسلامي تركي عمل على جعل تركيا في مصاف الدول المتقدمة ،

وكما أن رغبة العرب وخاصة دول الخليج العربي تتمثل في قطع الطريق على أي مؤامرة غربية أو إيرانية أو حتى إسرائيلية لتقسيم الوطن العربي وجعله مستنقعا للحروب والفتن والسيطرة على مقدراته وخيراته ،والرجوع به الى عهد الديناصورات ، والفراعنة ، والرومان، والاقباط، والاستعمار القديم الدي عانينا منه لغاية هدة اللحظة ......لاسيما فلسطين الاسيرة والقصة هنا تنتهي...... لكن احزانها وشجونها الصارخة مستمرة مالا نهاية.......... لتعطينا درسا يجحب علينا أن نستوعبه ونجعله دائما في دائرة الضوء، بحيث لا نغفل عنه... وهو ان السياسة لعبة قذرة لا يعرفها الا الذي تبصر وخاض ونسج في ميمعة السياسة وعزف على مكنوناتها ومصالحها الضيقة، التي نراها هنا وهناك من مساحات بقع العالم............. لاننا نعتقد، ان السياسة قوى خفية تعتمد على المصالح الضيقة ،بحيث لا تكتشف الاعيبها وخداعها المستمر............. الا بعد مزاولتها بعد حين بعد وقوعك في شبك دهلستها ومكر مبادئها، التي تبقيك حائرا تعانق نواميس الخداع والمؤامرات، لتكتشف للوهلة الأولى انها لعبة لاتختلف كثيرا عن الاعيبنا، التي نمارسها كل يوم.......... الا انها تبنى على الخداع، بينما الثانية تبنى على التسامح والاحترام ....والحديث يطول .......



تعليقات القراء

زيد الشاكر
بارك الله فيك اخي يوسف عندما تحدثت وقلت أن أمتنا العربية لم تكن بمعزل عن تبعات وتوابع الربيع العربي ؛ فالفشل الذريع للدبلوماسية العربية المتكرر ابتداء بحرب الخليج ،وانتهاء بثورات الربيع العربي أصبح هو العنوان الأبرز حاليا في السياسة الدولية للأسف الشديد.
01-06-2014 06:45 PM
محمد محارمة - معلم في الطفيلة
استاذ يوسف يجب علينا ان لا نستبعد أي موقف يصدر عن الولايات المتحدة الأمريكية، سواء فيما يتعلق بمصر ،وما آل إليه مصير الرئيس مرسي الذي يسكن بين غياهب وأقباض الحديد ينتظر مصيره ،كما ينتظر أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى أو ما يتعلق بالشرق الأوسط بشكل عام ،فالسياسات الأمريكية والغربية تحكمها المصالح الاتفاقيات والمعاهدات ،فإذا رأت من مصلحتها في مرسي رئيسا جديدا لمصر ،فهي سوف تعمل على ذلك ولن تتوانى قيد أنملة في تحقيق ذلك تبعا لمصلحتها القومية والإستراتيجية خاصة إذا علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تختلف اختلافا جذريا في دعم الانقلاب، لا بل ذهبت في موقفها إلى أبعد من ذلك ،حيث عملت على وقف المساعدات العسكرية إلى القاهرة، وهذا ما أغضب دول الخليج وخاصة السعودية التي دخلت في صراع مرير مع الولايات المتحدة خاصة في مواقفها الأخيرة تجاه سوريا.
01-06-2014 07:08 PM
Mhammad
ان الاقتصاد العالمي يمر برحلة حرجة ففي بداية القرن العشرين واجه
اول الصعاب بما سمي انذاك بالكساد الكبير / وكان الحل تدخل الدولة
في الاقتصاد وهذا ما كان من المحرمات وعاد الى الاستقرار مجددا
ثم عادا بإنتكاسة جديدة مطلع الخمسينات عندما كانت بريطانيا على
حافة الافلاس / وكان الحل عند كينز ونظريته المشهورة وعاد الى الاستقرار
الى بداية ثمننيات القرن الماضي ولم يكن هناك من حل الا اشعال حروب
حتى تمنع الحكومات الشركات الكبرى من الانهيار وتسريح جيش من العاملين
وكانت الحرب الايرانية العراقية / والمجاهدين العرب " وكان الممول الاول
لكلا الحربين الخليج العلابي وعلى راسه المملكة السعودية . الموضوع يطول الحديث عنه
وقد تحدث علماء الاقتصاد والسياسة فيه واسهبوا ’ ولكن ما لا يمكن ان ان يتقبله عقل
هو انجرار العالم العربي نحو هذه المنزلقات وبارادتهم ما لا يمكن ان يتصوره عقل
في عقد الهزائم العربية 1990-2000 أنفق العرب على الأسلحة المتراكمة
في المخازن ما مجموعه 190 مليار دولار أميركي ذهبت لمصانع الاسلحة والوسطاء والتجار
في عام 2013السعودية أنفقت 59,6 مليار دولار - وهو تقدير قال باحثون إنه محافظ بشدة- لتأتي في ترتيب متقدم
على بريطانيا التي أنفقت 57 مليار دولار أو فرنسا التي أنفقت 52,4 مليار دولار.
وكل هذه الأموال تم انتزاعها من حق المواطن العربي في الرعاية الصحية والاجتماعية والنمو الاقتصادي والأجور والتعليم
لتذهب في أسلحة مكدسة لا يوجد مجال لاستخدامها الا على الشعوب العربية كما هو الحال في سوريا ومصر وليبيا والعراق ......
01-06-2014 08:39 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات