فقه الدم وضرورة ( فصل الأعمال عن حقيقة الإيمان ) !


ما زالت هذه الآفة تقتل وتدمر وتفجر وتغتال الآمنين الغافلين الأبرياء، وقد شرعت فوضى فتاوى فقه الدم تكفير المسلمين، وأحلت قتلهم وقتالهم، وهذا ما يحدث في سورية والعراق وليبيا وبعض المناطق التي تمتد إليها يد الإرهاب الآثم ؟ جرائم إبادة جماعية ترتكب باسمِ الإسلامِ وباسمِ الشريعة السَّمحاء، وإذا كان الداء في القوة فإن الدواء في المقاومة ، لأنها السبيل لاسترداد الحرية سواء العلمية أو الثقافية أو التربوية وغيرها ، بالتالي المسألة ليست في تغلّب السلطة على الشريعة، ولا في تغليب الشريعة على السلطة ، خاصة وإن ناتج الأمرين هو : مشاركة الله في الجبروت،وإنما في تحريض أهل العزائم على أن الدعوة للتوحيد لله حقاً لا بد أن تكون خالصة لوجهه الكريم ، علماً بأن التوحيد الذي لا يقود إلى الوحدة الإسلامية باطل من أساسه ، والسؤال الموجه لكل موحد بالله : إذا كان عموم الناس أحرار في خياراتهم ، فكيف يسلب هذا الحق من المسلمين عند اختيار لمذاهبهم ؟! في حين أننا كمسلمين لا نبحث عن هوية في الإسلام الذي كان وما زال وسيبقى إلى أن يرث المستضعفون الأرض يمارس طقوسه وشعائره الدينية في الجامع، الذي لا يمنع أحد من حنينه إلى لغة ووطن أو ولاء ثقافي وروحي ، لكونه المكان الذي يتسع لكل المتناقضات التي تذوب خجلاً في محراب التعدد والتنوع الإنساني الغارق في السجود لله ، المسلمين كل المسلمين هم مسلمو القلب والعقل والوجه واليد واللسان ، هؤلاء أولاً مسلمين ولهم الحق بعد ذلك ما يختارون من المذاهب !

أعود إلى التساؤل أين دور الدولة أي دولة تزعم أنها ترعى مصالح المسلمين : أين دورها في ( التثاقف المذهبي ) تلك الضرورة لميلاد الشخصية الوطنية الإسلامية القادرة على حمل ما نسميه بـ ( الوطنية الإنسانية ) ، يقول لي أحد الأصدقاء من غير المسلمين أهذا هو دينكم ؟ ما يحدث يا سيدي سلوكاً همجياً متعطشاً لسفك الدماء وقتل الأبرياء ، والدين أبعد ما يكون عن هذا العنف والكراهية والأحقاد بين أتباعه من مختلف المذاهب ، فقلت نعم هذا ليس ديننا ، إنه سلوك كما وصفت ، ولكن للأسف مصاب هذا الدين من أتباعه ، لأن ظاهرة استباحة الدم المسلم من قبل المسلمين ليست بالجديدة علينا وقد درسنا تاريخ فرقة الخوارج ، والانحراف هو ذاته وغير ذاته ، هو ذاته في المفهوم ، وغير ذاته في الشخوص ، أما في المفهوم فما زال الفهم الخاطئ للعلاقة بين مفهوم الإيمان بالله تعالى كأصل ، والأعمال كفرع ، وغير ذاته بهؤلاء الشباب الذين وقع عليهم ظلم الأنظمة العربية ، وفاقد الشيء لا يعطيه فكيف نأمل من شباب كانت معاملة الأنظمة والحكومات لهم دونية ولا ترقى إلى أبسط الحقوق الإنسانية ، نتحدث عن شباب يفتقدون إلى المؤهلات العلمية والثقافية لمعرفة الإسلام ، إلا الحقد على الظلم ، والتحضير لانتقام العاجزين المستضعفين ، فلم يجدوا أمامهم من سبيل إلا التكفير كأسرع وسيلة للتعبير عن ذلك الواقع المرير ، وحاشى لله أن نبرر الإرهاب ولكننا نبين أسبابه وأهمها الاستبداد غير المبرر من قبل السلطات الحاكمة بأمر أعداء الله وأعداء الإنسانية، لهذا علينا أن نعترف أن هذا الناتج الإرهابي ما هو إلا مخرج لمدخل القهر والضغط والظلم والفقر والبطالة وغيرها الكثير ، ما يعني أنه ليس منهجاً في الحركة الإسلامية العامة وإنما هو فكر أزمات متنوعة ومتعددة و مركبة ومتداخلة بذات الوقت.

هنالك جملة من القضايا الكبرى سيطرت على مزاج شباب المسلمين ، منها المذهبية ، والتي جاءت في ظل غياب الإدارة الإسلامية العالمية الراشدة والجامعة، والتي لا بد أن تبحث في ثلاثة مفاهيم التوحيد ، والوحدة ، والعدل ، لنصل بالمسلمين إلى عتبات العالم الإنساني الجديد ، الذين يعانون أصلاً من أزمة تطور حضاري ولا يوجد معايير صحيحة لمفاهيمنا للخروج من هذه الأزمة المركبة ، علينا إذاً أن نتفحص إمكاناتنا من خلال معرفة ما نحن مؤهلون له حقّاً ، لأننا نعيش أقبح أنواع الاستبداد والمتمثل من خلال استبداد الجهل على العلم، واستبداد النّفس على العقل،عدا عن استبداد الحكام على المحكومين ، ولنعلم جميعاً أنه من غير الممكن وجود استبداد سياسي ما لم يسبقه استبداد ديني ، يكفي قتل باسم الله ، يكفي ظلم باسم الله ، أسألوا أنفسكم هل حقاً أنتم مسلمون ؟ كيف وأنتم مذاهب وشيع متعادية تقاتل بعضها بعضاً ؟ والخلاصة يفنى بأسكم بينكم بسبب اختلاف المذاهب ، ويخلوا الأمر للشياطين ليفسدوا أخلاق الأمة ، والتي لا تتقن أساساً إلا الشراسة والطاعة العمياء ، ويحكم أتقتلون بلقيماتٍ على مائدة اللئام ، يا صغار النفوس ، وصغار الهمم، يشتريكم ذاك الأداة اللعين بقليل من المال الذي غالبه قصر النظر! والله لن نجد غير العلم حرباً دائمةً وطراداً مستمر للإرهاب وإلا كيف يجهدون في إطفاء نوره في الجهل وفي الجهل ظلمة وفي الظلمة خوف ، وفي الخوف استسلام ، ولا إسلام ولا سلام مع الاستسلام ، وفي المقابل نجد في العلم قول وفي القول فعل ، عندها لن تجد أثر لأولئك الذين يطبقون ما يتلجلج في صدورهم وهو ليس من القرآن والسنة ، خاصة وأن قاعدة القرآن والسنة واضحة وضوح الشمس نبذ العنف والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة .

إذن فقه الدم لم يأتي من فقه سديد وفكر رشيد ، وإنما جاء ردة فعل و انعكاس لواقع فاسد وظالم ، إلا أننا لا نستطيع أن نجمل الإرهاب وفقه الدم بهذا السبب ، لأننا نعاني كمسلمين من حقيقة أرث الغلو والتشدد في غالبية المذاهب الإسلامية ، وليس من علاج لهذه الطامة الكبرى إلا من خلال إحلال ما نسميه بـ ( الثقافة المذهبية الإسلامية ) سيما في هذا الوقت وهذه اللحظة التاريخية التي نشهد فيها انحراف واضح عن العقيدة الإسلامية ، والسؤال في هذا السياق لكافة المتخصصين : أليس مفهوم الإيمان في مختلف المذاهب الإسلامية قائم على قاعدة الاعتقاد القلبي الخالص لوجه الله تعالى ؟! علماً بأن العمل يرفع الدرجات أو العكس إلا أنه لا يمكن له أن ينفي الإيمان ، وهذا بالدليل النبوي القاطع ، حيث جاء في الحديث النبوي الشريف فيما رواه مسلم في صحيحة بقوله: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث" ، وبمقتضى التعريف النبوي الأعمال لا تدخل في حقيقة الإيمانِ ، وكمسلمين علينا أن نتفق جميعاً من كافة المدارس والمذاهب على نقطة غاية في الأهمية لحقن الدماء وسلب الأموال والاعتداء على الأعراض إلا وهي ( فصل الأعمال عن حقيقة الإيمان ) !

وهنا أقول لأتباع كافة المذاهب ومن منطلق مسؤولياتنا الإنسانية والأمنية على المستوى العالمي : قد عضتنا نوائب التشرذم وآفات التعصب المقيت لمذهب يراه أصحابه هو الإسلام الذي لا إسلام غيره ، لهذا علينا حين نطرح المذهب أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذا المذهب إنما هو في الحقيقة رأياً من الآراء ، وأن المذاهب الأخرى على ذات النحو الذي نحن عليه ، ولنعلم جميعاً أن أكثر من 90% من المسلمين المنتشرين في أرجاء العالم يؤمنون بأن الإيمان هو تصديق قلبي ، وأن الأعمال وإن كانت تزيد وتنقص الإيمان ، إلا أنها لا تزيله ولا تنقضه من أصله القائم على التصديق القلبي ، ويعجبني كثيراً ما يذهب إليه الإمام محمد عبده إلى أن البعد عن التكفير أصل من أصول الأحكام في الإسلام وقرر أنه ( إذا صدر قول من قائل يحمل الكفر من مائة وجه ، ويحمل الإيمان من وجه واحد ، حُمِلَ على الإيمانِ، ولا يجوزُ حَملُه على الكُفرِ ) ، غايتنا "جمع الكلمة" وهدفنا دحر التكفير والإرهاب الأعمى ، ولا بد من العمل الجاد على وحدة الأمة ، من خلال تخليق أرضية للتفاهم الجاد بين أتباع المذاهب كافة دون استثناء .

وهنا باسمي وباسم كافة أبناء المحافل القرآنية والإنسانية على المستوى العالمي أقول : إذا كانت رسالة عمان تبين أن الإسلام حضارة إنسانية عالمية وتحقيق الأمن الشامل والتكافل ، وهي تطالب العلماء بتحمل المسؤولية الكبيرة في توجيه الأمة للوقوف أمام التحديات التي تواجهها وتدعو إلى وحدة الصف والكلمة ، بأن هنالك الكثير من القواسم المشتركة بين الإسلام وأتباع الديانات ، فلا بد من إعادة التركيز فيما نسميه ( رسالة عمان 2 ) إلى قضية التصالح بين أتباع المذاهب الإسلامية ، وكإنسانيين نهيب بالقائمين على الأمر للدعوة إلى ( فصل الأعمال عن حقيقة الإيمان ) لحَقنِ دِماء المسلمين ، وعقد مؤتمر إسلامي أعلى تحت شعار ( الثقافة المذهبية حق للمسلمين وسلام للعالمين ) والتأسيس إلى ما نسميه ( المجمع الإسلامي العلمي الأعلى للفقه الجامع ) ، دعونا جميعاً نجدد الدعوة إلى الأمة حكام ومحكومين علماء وقادة فكر ورأي لتنبني نهج الوسطية ، في الفهم والاعتقاد والعمل ، الفهم الذي دعا إليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . خادم الإنسانية



تعليقات القراء

نسيم العطار
موضوع غاية في الأهمية بارك الله فيكم يا دكتور رعد على هذا الطرحالأكثر من راقي
09-04-2014 03:23 PM
جابر الجدوع
هذه مسصؤوليى جماعية والكل معني في وقف سلسل الدم الإرهابي
09-04-2014 03:23 PM
ناصر علي
حسبنا الله ونعم الوكيل على كل قاتل وإرهابي يحل دماء المسلمين
09-04-2014 03:24 PM
نضال سلامة
أنت وضعت يدك على الجرح ولكن من مع الإرهاب ومن ضده في هذا المقالنستطيع أن نعرف من مع الإرهاب ومن ضده عفارم يا دكتور
09-04-2014 03:25 PM
وجحدي العباسي
لماذا لا يكون مثل هذا المجمع الذي يدعو إليه الأستاذ المبيضين
09-04-2014 03:25 PM
معتصم القريوتي
لا بد من حل لقضية الإرهاب التي تؤرقنا ونحن نتابع حلقاتها في وسريا والعراق ومصر وليبيا والسودان مشان ربنا بدنا أنعيش في سلام
09-04-2014 03:26 PM
هدى سليم
ما فيه حدا حاط على راسه خيمه الكل لازم يسعى في هذه الجهود المباركة
09-04-2014 03:27 PM
معاذ صالح
المشكلة في الحكومات التي تعيش في العصر الحجري وتحسب نفسها بتفهم
09-04-2014 03:28 PM
أكثم راشد
كلمات من ذهب : أقبح أنواع الاستبداد والمتمثل من خلال استبداد الجهل على العلم، واستبداد النّفس على العقل،عدا عن استبداد الحكام على المحكومين . لله درك يا سيادة الشريف
09-04-2014 03:30 PM
رامي نجيب
صدقت والله يادكتور إذا كان الداء في القوة فإن الدواء في المقاومة ، لأنها السبيل لاسترداد الحرية سواء العلمية أو الثقافية أو التربوية وغيرها
09-04-2014 03:34 PM
علي أبو أيوب

يعني الدكتور المبيضين ومن منطلق مسؤولياته الإنسانية والأمنية على المستوى العالمي يدعو إلى رسالة عمان 2 للتقارب بين أـباع المذاهب
09-04-2014 03:37 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات