في مصر: الأرهابُ أميراً .. والمال شيخ طريقة


باتت الانتخابات المصرية قاب قوسين أو أدنى، وأضحى التنافس الصوري على أشده، وبات المرشح عبد الفتاح السيسي أقرب من أي وقت مضى من كرسي الرئاسة. 

أين المنافس ؟ 
المتابع للفضائيات والصحف المصرية، يجدها وقد جيشت، واعلنت حالة الطوارئ عن بكرة أبيها لصالح السيسي، على الرغم من وجود منافسين أخرين له، نعم، الدولة مع السيسي بأجهزتها المدنية والعسكرية، هذه الحقيقة لا يمكن إنكارها.

وعلاوة على ذلك، الذي يرى تركيز الإعلام المصري على شخص الرجل، ومدى تعلق الشعب المصري به باعتباره “ ”المخلص المنتظر”، خصوصاً وأن الرجل ذو تأثير واسع على الجموع، لما يمتلكه من “ كاريزما “ تم تصنيعها وتطويرها على مدى الأشهر الماضية إعلامياً، وبشكل ملفت للنظر، يعتقد للوهلة الأولى أنه مرشح أوحد لا ثاني له، فالسيسي ينافس السيسي، في سباق الآحادي، الهدف منه ليس إلا معرفة نتيجة الأنتخابات من حيث الكم، لا النوع ! 

لا علينا، لنفكر بمنطق آخر، لو كنت مكان القائمين على الانتخابات المصرية القادمة لمنعت وبكافة الطرق، وصول نتيجة التصويت إلى ما هو أكثر من 52 ٪، من عدد المصوتين، بحيث يخرج الرجل من خانة الأساطير العربية 99٪.، ويقطع الطريق على الآخرين المشككين به، وحتى الداعمين له خارجياً، والذين لا يفضلون وجوده على كرسي الرئاسة، لايمانهم المطلق بأن الرجل عاجلاً أم اجلاً، سيشكل حالة من التحدي مضادة لتوجهاتهم، لننظر مثلاً حالياً موقف مصر من الأحداث الحاصلة في وسوريا، وإصرارها المبطن على دعم بقاء الرئيس بشار الأسد، ورفضها الاعتراف بعناصر المعارضة بكافة تصنيفاتها، على الرغم من توجهات، بعض حلفاء السيسي !  

خلق أسطورة شعبية  
مع هذا، ثمة مخاوف كبيرة جداً، لربما تنفجر بوجه الرئيس القادم، بحيث تكبل خطاه، وتعيق حركته، ما يعني إبقاءه في مربع الأزمات، القابل للإتساع والتطور.

اذ يدخل الرجل بمخض ارادته الى حقل اللغام متفجر، لا يمكن تلافي خطورته، الا من خلال بواسطة إدارة قوس الازمات التي تحاصرة بمنتهى الحرفية.
أحد أخطر الحقول التي قد يدخلها الرجل، فتعيق حركته، لها أتصال طبقة الرأسمال، البرجوزاوية، البيرُقراطية المصرية الحاكمة، ويلحق بها طبقة الإعلام، الخاضعة فعلياً لسلطة رأسمال الخاص بالطبقة السابقة، والتي أنشبت اضفار امتيازاتها على امتداد أربعة عقود سابقة، السادات إلى مبارك، وهم عين الطبقة التي فعلت الأعاجيب لإسقاط لعزل الرئيس محمد مرسي، من خلال تفعيل أدواتها، التي لا تؤمن إلا بمنطق المصالح الشخصية. 

هذا ما يؤكد أن لا خيارات أمام السيسي، المحصور فعلياً، ما بين تيارين، كلاً منهما يحاول إسقاط الأخر، لإثبات مشروعية عودته إلى واجهة الأحداث. 

فإلى أي منهما سيلجئ الرجل بعد أن يجلس على كرسي الرئاسة، إلى طبقة رجال الأعمال المتحفزه لإستعادة سيطرتها، ومكانها الحقيقي أو ما يطلق عليهم بــ" فلول " النظام  الأسبق - مبارك - ما يعني إبتعاده عن الطبقة  الشعبية الوسطى المؤمنة بالأنموذج الناصري، القائم على إعادة إنتاج حالة مصرية جديدة، تواكب العصر، وتشغل مكامن قوتها الذاتية، بما يخدم مصالحها وشعبها، بحيث تنتشلها من مستنقعات الفوضى المهددة لاستمرارها، ما يمنع غساقطها في مستنقعات الدول الفاشلة، الفاقدة للأهلية، والسيطرة ! 

" هذه الطبقة، وهي نفسها طبقة الرأسمالية “ الكومبرادورية “ المرتبطة بالخارج، تسيطر على العديد من مفاصل الاقتصاد والدولة. وسيتعي على السيسي إذا ما أراد إعادة توجيه التنمية في مصر نحو القطاعات الإنتاجية، وبعيداً عن "كازينو المضاريات العقارية، والمالية والخدماتية”  يقول كلًا من عبد الحكيم عبد الناصر ( نجله ) وجمال عبد الناصر (حفيدة ) وهما من الداعمين لترشح السيسي. 

الصورة إن تحققت، فأن مصر لن تهنئ، ولن تستقر أبداً، سيما وأن مفاعيل الثورة المصرية الشبابية، مازالت تملك روح الأستمراية والقدرة على إعادة شروط الانتفاض مرة أخرى، للمطالبة بأسقاط من لا يلبي طموحاتها ورؤيتها، خصوصاً ما لها علاقة بالأوضاع الاقتصادية.

من الجنون بمكان اعتبار إن محطات الثورة قد جُمدت، ولم يعد من الممكن إعادة تزويدها من بروح جديدة، تنتج فاعلية أكبر واكثر إتساعاً، أقصد هنا أن ثورة الشباب لم تدخل في خانة التجميد، ومن المتوقع انطلاقها من جديد بمجرد قتل احلامهم على مذبح الوعود الكاذبة، التي حملت الرئيس إلى كرسية، بمعنى أخر يمكن القول: إن الشباب المصري الذي أسقط الرئيس مبارك، وأزاح مرسي، قادر على إغراق الرئيس القادم في رمال متحركة، تعيد الجميع إلى المربع الأول. 

قد يكون المشهد سوداوي، إلا أن كيفية إدارة الأزمات بحرفية تشاركية عالية، متمدة من الرؤيا الشعبية، لربما يقود إلى خلق قائداً اسطورياً، يمتلك رصيداً شعبيا ًلا متناهي، ويدعم خطاه، ويسند تحركاته.

برميل البارود الليبي
في السياق عينه يستطيع الرئيس القادم اللعب على وتر الحرب على الأرهاب، لإعادة فرض هيبة الدولة والقانون، سيما وانه بات اميراً غير متوج، يفرض رعبة على الجميع، بطبيعة الحال هذا لا ينحصر بالاخوان المسلمين - العدو الأول - في الداخل، إنما يمتد ليحيط بحدود مصر، من ليبيا إلى سينا، إلى السودان، فالجماعات المسلحة، متواجدة هناك، وتتحين الفرص للامتداد الى الداخل، والتوحد معه، بحيث يمكن تفعيل الخلايا العاملة والنائمة، للوقوف بوجه الرئيس القادم.

فبوابة مصر الغربية، المتاخمة للحدود لليبية مثلاً، تسيطر عليها جماعات مسلحة، مدعومة من دول إقليمية، تريد إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، قد نجد في الضغط على الرئيس القادم بواسطة الإنتقال من حالة التبريد إلى حالة التسخين للجبهة في أي لحظة، فبرميل البرود لا يملك أحد ترف التنبؤ بموعد انفجارة، ما يشكل عامل إضعاف صعب للأحلام السيسي، القائمة على تهدئة الداخل المصري، وإعادة فرض السيطرة عليه.

هذه الشماعة أي شماعة الإرهاب وإلى حد بعيد كانت أحدى الأيقونات المحببه للرئيس مبارك في تأكيد سيطرته وشرعية بقاءه، أبدع في استخدامها خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي.

إذن الخوف على السيسي لا منه، يتأتي من زوايا مثلث مُرعب، وهما أولاً: زاوية الطبقة الرسمالية التي إن عادت،فأنها تنبئ عن بداية فصل جديد، من فصول الثورة المصرية، ثانيا: زاوية الطبقة المصرية الشعبية، والتي تؤمن كما قلنا بالانموذج الناصري في الانتاج، وثالثة الاثافي عابرة للحدود، تتمثل هي الأرهاب الذي قد تزداد وتيرته، وضرباته الموجعه.

فاليهما يختار الرئيس السيسي، لضمان البقاء و الاستمرار.

خالد عياصرة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات