عودة القرم الى الحضن الروسي الام .. والتهديدات الغربية لن تثني بوتين.


ان اجراء الاستفتاء الشعبي في شبه جزيرة القرم يعتبر حدثا تاريخيا هاما ليس للجمهورية فحسب ، بل لروسيا ايضا ، ويؤكد على ان سكان القرم يرون مستقبلهم في روسيا ، اذ ان الاقتراع وعملية فرز الاصوات التي تمت حسب المراقبين الدوليين ومنهم 45 مراقبا من دول الاتحاد الاوروبي تعكس بوضوح ارادة المشاركين في الاقتراع ، وتشير الى انها جرت وفق المعايير الدولية للانتخابات والقواعد المتفق عليها لاجراء الاستفتاء .اليوم صوتت شعوب القرم لصالح لم شمل الشعب الذي عاش ابناؤه معا .. صوتوا لصالح العودة الى حضن الام روسيا. لا بد من الاشارة هنا انه ومنذ اندلاع الازمة في اوكرانيا في تشرين الثاني الماضي كان شبح التفكك يحوم فوق البلاد نتيجة احتدام التناقض الجوهري بين مواقف الراديكاليين القوميين الاوكران الصاعدة ومصالح غالبية سكان المناطق الشرقية والجنوبية ومنها القرم المنتمية لغويا وثقافيا الى الفضاء الروسي ، وبلغ هذا التناقض ذروته بعد انقلاب 22 شباط الذي ارغم الرئيس الشرعي لاوكرانيا فيكتور يانوكوفيتش على مغادرة البلاد ، وحمل الى الحكم تحالفا لعب فيه التيار القومي المتشدد " القطاع الايمن" دورا بارزا ، هذا التيار المنتمي الى الاجداد من القوميين المتطرفين الاوكرانيين الذين اصطفوا الى جانب القوات النازية في الحرب العالمية الثانية لمحاربة الجيش السوفياتي . فاعتماد القرم وسكان المناطق الشرقية والجنوبية على روسيا له بالطبع اسبابه ومبرراته في ظل الظروف التي تعيشها اوكرانيا اليوم باستيلاء هذه الزمرة المتشددة على الحكم وما اتخذته من قرارات متسرعة كان اولها الغاء اعتماد اللغة الروسية كلغة ثانية في البلاد وهو ما يشير الى التطرف القومي في التضييق على غالبية سكان هذه المناطق، اضافة الى تاريخ شبه جزيرة القرم التي اعلنت اليوم انفصالها رسميا عن اوكرانيا ورغبتها في الانضمام الى الاتحاد الروسي ، حيث كانت الجمهورية جزءا من روسيا منذ ضمها لامارة القرم على اثر الحرب بين الامبراطورية الروسية والدولة العثمانية عام 1783، ليستمر الوضع كذلك بعد الثورة الاشتراكية عام 1917 وتبقى الجمهورية جزءا من روسيا في اطار الاتحاد السوفياتي حتى عام 1954 حين وضعت تحت ادارة جمهورية اوكرانيا السوفياتية المجاورة بقرار لا زالت دوافعة غامضة حتى يومنا هذا من الزعيم السوفياتي نيكتا خروتشوف ، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي نال الاقليم صفة جمهورية ذاتية الحكم بصلاحيات واسعة لها رئاسة وبرلمان ومجلس وزراء حتى عام 1995حين شرعت الدولة الاوكرانية بسن قانون الغى دستور الجمهورية وعددا من قوانينها ، ومنذ ذلك التاريخ كانت تطلعات الجالية الروسية الاكبر عددا في القرم الى استعادة الوضع الشرعي والقانوني السابق الى ان تحقق لهم ذلك اليوم ،باستفتاء شعبي بالانفصال عن السلطات المركزية في كييف والطلب من روسيا باعادتهم الى نطاق روسيا الفيدرالية الام .اذ نلاحظ البهجة والفرحة ترتسم اليوم على وجوه غالبية سكان القرم ، وابدى الكثير ممن اتيحت الفرصة لي للاستماع لارائهم ودموع الفرح تنهمر من عيونهم سعادتهم لهذا القرار ورغبتهم بتسريع عملية العودة الى وطنهم الام روسيا ... العجوز آنا قالت وعلى وجهها ملامح السعادة " نعم لقد عشنا طيلة 23عاما في الاسر وها هو الوقت حان للانعتاق من الاسر " وتعني بالطبع فترة حكم الدولة الاوكرانية.. اخرون عبروا عن سعادتهم ...اطفال وشيوخ وشباب الجميع هنا فرح بالعودة الى عائلته الروسية... المحاربين القدامى وابنائهم عبروا عن سخطهم ورفضهم للعيش في ظل نظام فاشي او نازي جديد وهم من قدم الغالي والنفيس في مواجهة هتلر .. هذه هي الصورة اليوم في القرم وكذلك هي الصورة والمخاوف في الدنباص دانيتسك ولوغانسك وخاركوف وفي اوديسا وخيرسون ونيكولاييف التي تنتفض منذ الانقلاب النازي وتطالب هي الاخرى بالعودة الى الحضن الروسي ... هناك في الشرق والجنوب مطالبات شعبية واسعة باجراء استفتاء شعبي على غرار القرم للعودة الى روسيا البلد الام. الاحداث المتسارعة في المشهد الاوكراني لا تستبعد المزيد من الانفصالات والاستفتاءات الشعبية وهو ما ينذر بكارثة حقيقية لاوكرانيا باسرها وتصبح ذات يوم على طبق التقسيمات الادارية. ففي الوقت الذي تسعى فيه روسيا ومنذ بدايات الازمة هناك الى احتواء الازمة وتدعو الى حوار بين الاطراف الاوكرانية للحفاظ على وحدة شعب واراضي اوكرانيا نجد في المقابل مواقف امريكية واوروبية داعمة لفصائل التطرف والمتشددين تقدم لهم الدعم المادي والعسكري وساعدتهم على انجاز الانقلاب والنكوث باتفاق الحادي والعشرين من شباط بين المعارضة والرئيس الشرعي لاوكرانيا ، ولا زالت الادارة الامريكية تتمادى وتستخف بالشعوب الاوكرانية ، تقدم الوعود للنازيين وتستقبلهم تشد على ايديهم ، وتلجأ الى لغة تهديد روسيا بعقوبات اقتصادية وعزلة سياسية وما الى ذلك من خرافات وهلوسات امبريالية. روسيا والرئيس بوتين لا يتعجل بقبول القرم في اطار روسيا ولكنه اوعز الى المحكمة الدستورية الروسية لدراسة الامر بما يتناسب مع الدستور الروسي والقوانين الدولية وغدا سيفصح عن الموقف الرسمي بعد خطابه في مجلس النواب والشيوخ وهو ما بات واضحا بقبول القرم وحدة ادارية مستقلة في الاتحاد الفيدرالي الروسي خلال الشهر الجاري . ويتضح لنا ذلك في اعقاب التأكيدات الروسية على لسان رئيس مركز الدراسات السياسية في موسكو سيرجي ماكاروف اليوم بان القرار الخاص بالانضمام سيتخذ في آذار الحالي ومن ثم تدخل جمهورية القرم مرحلة انتقالية يتم خلالها بناء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وفقا للقانون الروسي. في المقابل السياسيون الغربيون وفي مقدمتهم الرئيس باراك اوباما يهددون بفرض عقوبات على روسيا وعزلها بهدف اجبار الرئيس بوتين على التراجع عن موقفه في مسألة القرم فهل ستنجح هذه الضغوطات؟؟.الذين يعرفون السلطة الروسية ورئيسها فلاديمير بوتين واثقون بان روسيا ورئيسها بوتين لا يمكن ان تتخذ وتتبنى قرارات نتيجة ضغوط خارجية تمارس عليها ، وروسيا اليوم ليست روسيا يلتسين وتسعينيات القرن الماضي انها قوية والسلطة القوية لا تنحني وتمضي وبهدوء اعصاب قدما في العمل بما يتناسب ومصالحها . وفي ظل التصريحات الصادرة عن دوائر الغرب والحالة في القرم فأن اي تراجع او تغير في مواقف روسيا وبوتين ستبدو وكأنها نتيجة ضغوطات الغرب ، في حين نعرف جيدا ان بوتين ومن وراءه النخبة الحاكمة في الكرملين يعملون على تعزيز سيادة الدولة الروسية ولا يمكن ان يرضخوا لمثل هذه الضغوطات ولن يتراجعوا عن مواقفهم المتطابقة مع تطلعات شعب القرم وهو ما اكده بوتين مرات عدة " لن نتخلى عن مواطنينا" وسنعمل على حمايتهم.. فألازمة الاوكرانية ومواقف روسيا منها عملت على رفع شعبية الرئيس بوتين محليا حيث تجاوزت ال70 في المائة حسب استطلاعات الرأي العام مؤخرا وهو ما يشير الى وقوف الشعب الروسي ومساندته للرئيس بوتين ومواقفه من الازمة في اوكرانيا وهو ما يؤكد قوة وصلابة الموقف الروسي والتفاف الشعب حول قياداته ودعمه اللامحدود للرئيس وهو المهم في الانتخابات ، فالجمهور من غالبية الشعب لا يقبل بتعزيزوتوسيع التعاون مع الغرب كهدف ولو ان الطبقة الوسطى في روسيا التي بطبيعة الحال خائفة من العزلة المحتملة والستار الحديدي والحرب الباردة تعتبر ذلك هدفا الا انها لن تؤثر في مجرى السياسة الروسية الصلبة ولن تؤثر في مسار الانتخابات القادمة وهو ما تأكد في انتخابات الولاية الثالثة لبوتين والتي بينت بانه غير مهتم كثيرا بهذه الطبقة كناخبين لاعتماد النخبة الحاكمة على الجماهير الواسعة من الشعب الروسي. من هنا استطيع القول بان سلطة روسيا رغم التلويح الغربي والتهديدات المتوالية قوية ولا يمكن ان تنحني امام هذه التهديدات التي ينظر اليها الروس بانها "حيلة من لا حيلة" له وتؤكد بان بامكانها مواجهة الولايات المتحدة والغرب واتخاذ قرارات مستقلة واستعادة العدالة التاريخية ، وعلى قادة اميركا واوروبا اذا كانوا يريدون تصحيح سياسة روسيا وبوتين و التوصل الى اتفاق معه عليهم ان يقيموا بدقة المتغيرات التي حصلت في السياسة الروسية ، فمجموعة الثماني الكبار التي تهدد امريكا بسحب روسيا منها ليس لها دور فعال ، شأنها شأن منظمة التجارة العالمية التي تعرض الاقتصاد الروسي الى الاخطار ، اما الاعتماد على الدولار في الدفع وتدفق الرساميل في العالم فان بامكان روسيا الاعتماد على عملات اخرى وتعزيز علاقاتها مع دول " بريكس " التي يشكل سكانها نصف عدد سكان العالم. وعليهم اي القادة في الغرب ان لا ينسوا بانهم الاكثر حاجة لروسيا منها اليهم اقتصاديا وان تهديداتهم لن تثني بوتين من الاستمرار بتعزيز دور بلاده على الساحة الدولية . يبقى ان نقول بان امريكا واوروبا تدق طبول العقوبات والتهديدات الفارغة وروسيا تمضي بدبلوماسية وحنكة وسياسة هادئة لتنفيذ قراراتها وتحقيق انتصارات على الساحة الدولية ولعل سوريا والقرم وقبلها ابخازيا واوسيتيا امثلة وعبرة للغرب والولايات المتحدة للاعتراف بقوة روسيا الدولية والرضوخ لسياسة الاقطاب المتعددة في بورصة السياسة الحديثة..... ونبارك للشعب في القرم عودته الى روسيا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات