لا تجعلوا من طرد السفير الاسرائيلي شماعة


من السهل ان يكتب الانسان عن انتصارات وبطولات يدعي لنفسه الفضل في صنعها او المشاركة في تحقيقها ، لكن من المشقة على النفس والاخرين ان يحاول الانسان رواية احداث لم تنته بانتصارات وهي بالتالي لا تشكل مجالا للتفاخر والتباهي ، وانما بحاجة للتفسير ان لم يكن الاعتذار والتبرير .اسرد هذه المقدمة المتواضعة للتعليق على الحالة التي يعيشها الشارع الاردني منذ فترة ، وتحديدا بعد اقرار مجلس النواب الطلب من الحكومة الاردنية طرد السفير الاسرائيلي في عمان لاسباب لا اريد التطرق اليها وهنا ،لكن مهما كانت فانها برأي السياسة والدبلوماسية غير جائزة خاصة وان الطلب راح يتفاقم ويسخن بقصد وبغير قصد حتى تحول الى قضية بقاء ووجود وكسر عظم بين السلطتين الرئيسيتين في الدولة الاردنية ، حيث ازدادت حدة التوتر بين الجانبين في الايام الثلاث الاخيرة على خلفية مقتل القاضي رائد زعيتر ، تلك الحادثة التي غذت الموقف النيابي و اتخذها البعض في مجلس النواب الموقر ذريعة وشماعة يعلق عليها كل مشاكل الوطن لتتحول الازمة بين الحكومة والبرلمان الى قضية شبه شخصية ، اذ راح البعض يحلف بالطلاق والتحريم وما الى ذلك من تصرفات سطحية لا تليق بمجلس الامة الاردني . واشتدت الازمة للتحول الى حملة وهجمة مستعرة واستقواء من النواب بتحديد مهل بالايام والساعات لارغام الحكومة على طرد السفير الاسرائيلي وسحب سفيرنا من تل ابيب وذلك في مشهد يميل الى اسلوب الثأرات القبلية البغيضة التي يستنكرها جميع الاردنيون ، وهذا هو الواقع حيث طالب احد النواب المحترمين بالعودة الى العشائرية للأخذ بثأر القاضي الاردني وبالتالي استقرت الامور على امهال الحكومة اسبوعا ينتهي يوم الثلاثاء القادم ، وبعدها سيطرح البرلمان الثقة بالحكومة مهددا بسحبها واقالة الحكومة ، الامر الذي نعرف جميعنا عواقبه وتبعاته. حقيقة لا اجد مبررا لكل هذه الفزعة والهجمة من النواب ، كما لا اجد ما يبرر بعض التصريحات والكتابات التي يطلقها البعض من النواب على المواقع الالكتروني وما تتضمنه من افكار تسمم الاجواء احيانا ولا تساعد على تلطيفها ،اذا ما اخذنا بالاعتبار التحديات والقضايا الكبيرة التي يواجهها الوطن والتي هي اكبر بكثير من قرار طرد سفير او سحب سفير او قطع فتوى للزوجة او وقوع طلاق، آخذين بالاعتبار ايضا ما تشهده الساحة الاقليمية والدولية من حولنا وما يواجهه الوطن من مصاعب واخطار تستدعي الالتقاء لا الفرقة و الخلاف والابتعاد عن مصالح الوطن ، لان ما يجمعنا نحن في الاردن اكثر بكثير مما يفرقنا . ولا بد هنا من التذكير بأنه ومنذ البدايات للحياة السياسية في هذا الوطن العزيز صار لا بد من وجود سلطة مطاعة تنظم علاقات الناس ببعضهم ، من كبير العائلة الى كبير العشيرة ثم الى الشيوخ والامراء والحكام والملك الذي هو رأس السلطة والذين توصلوا الى وضع الانظمة والقوانين والدساتير التي تضبط علاقات الناس وتنظم علاقات السلطات الاساسية في الوطن وبقيادتهم التي تطورت مع الزمن الى الاوضاع التي نراها اليوم. لا اعتقد ان موضوع طرد سفير من عمان سيحل كل القضايا العالقة ولا اعتقد كما الكثير من ابناء الاردن الغيارى ان مثل هذه الخطوة تندرج في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة في اطار اولويات المصلحة الوطنية ولا يمكن ان تلبي طموحات وتطلعات الاردنيين ولا الفلسطينيين ولن تصب في ميزان حسنات لا الحكومة الاردنية ولا الدولة الاردنية ولا الشعب الفلسطيني ، كما من غير المقبول ان يصطف النواب في حملة يقودها بعض الشارع المتحمس والمندفع بتأثير الحماس العاطفي الآني على حادثة سيتم معالجتها بالطرق القانونية الرسمية وليس بالاعتصامات او باقالة حكومة واستبدالها باخرى ولا بركوب رؤوسنا الحامية في تنفيذ رغبة او تمني نريده في مجلس النواب ، لأن هناك مصالح للدولة والشعب الاردني اكبر من مجرد رغبة او حلف يمين؟؟. السفير الاسرائلي في عمان والاردني في تل ابيب هي ثمرة لمعاهدة سلام تم التوقيع عليها بين الدولة الاردنية واسرائيل في العام 1994 بعد جهود كبيرة ومضنية بذلها المغفور له باني الاردن الحديث جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه ، منطلقا في ذلك من مصالح الاردن والاردنيين ، وجود سفارات وسفراء مرتبط باتفاقيات ، بحيث لا تعد العلاقات الدبلوماسية قائمة بين بلدين الا بانشاء بعثة دبلوماسية ، والافضل تبادل للبعثات الدبلوماسية ، ويتم ذلك باتفاق الجانبين على اساس من الفهم المتبادل لطبيعة المهام التي ستقوم بها البعثات والتي اصبحت عبر القرون الماضية من الامور المتعارف عليها ، اذ جرى تحديدها في اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961وتعني بشكل اساسي تمثيل الدولة المرسلة لدى الدولة المضيفة ورعاية مصالحها وحماية مواطنيها وتوطيد العلاقات بين البلدين في المجالات كافة. وانطلاقا من هذا فان وجود السفارات في عمان وتل ابيب هو ضرورة تفرضه المعايير الدولية وهي خدمة لمصالحنا اولا واخيرا ، والحديث عن طرد وسحب السفراء لا اعتقد ان فيه خدمة للمصالح الاردنية قبل كل شيء. لقد اصبجت الدعوات لطرد سفير اسرائيل عادة جارية بمناسبة وبغير مناسبة بعد ان حاول جماعة الاخوان المسلمين استخدامها في كل مسيرة ومناسبة ومهرجان لهم على مدى السنوات الماضية حتى فشلوا وغابوا عن الساحة ، فالامل والرجاء اليوم معقود على العقلاء في الوسط النيابي والحكومي للتوصل الى صيغة تفاهمية وتقديرية لما يترتب على مثل هذه الخطوة التي تهدد بالدرجة الاولى مستوى الاردن الدولي ومدى التزاماته بالاتفاقيات المبرمة ، وعدم المغالاة في حادثة مقتل زعيتر لتصبح شماعة يحاول كل ذي هوى تعليق قميصه عليها والاخطر من كل ذلك ان لا يتحول الخلاف بين المجلس والحكومة الى تحد واستعراض للعضلات والمزاودة لكسب الناخبين في الجولات الانتخابية القادمة ، فلنلتزم بالمعايير الوطنية والاتفاقيات الدولية ولنعمل سويا على هدي المغفور له الحسين الباني " فلنبن هذا البلد ..ولنخدم هذه الامة" ولا ندع مسألة طرد السفير قميص عثمان.



تعليقات القراء

ابو سامي
الاول مرة تفق مع الدكتور وبشدة في مقاله هذا
15-03-2014 09:14 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات