حفرة الإنهدام .. والرعب الأردني الظاهري


يبدو أنه بات من الطبيعي أن يغرد المفاوض الفلسطيني خارج السرب العربي، مسقطاً الخطوط الحمراء التي أعلن عنها هنا وهناك، والتي تمثل حقائق وحقوق ثابته لا تقبل القمسة أو التنازل أو التخلي أو الاستبدال. للشعب الفلسطيني.

كما يبدو أن المفاوض الفلسطيني لا يأمن جانب اشقاءه العرب - طبعا الاشقاء ليسوا قطيعا وديعاً من الحملان - لذا يصرالرئيس الفلسطيني محمود عباس على استخدام اساليب“التقية ” في تصريحاته، لحين موعد الكشف عن نتائج المفاوضات وما يتضمنها من تنازلات في سبيل انشاءه دولته الحبيسة - الخالية من الدسم - والمفصلة حسب المزاج الاسرائيلي، والرغبة الامريكية، والتي تعيد للاذهان كوارث أوسلوا، سيما – فخامة الرئيس - وأنه مقتنع بشكل غير قابل للنقاش، أن نضوج الطبخة، حتماً سيفاجئ الجميع ويدهشهم، ما يجعلهم غير قادرين على التحرك، كونها – أي الطبخة - باتت أمراً واقعاً، لا جدال فيه.

الرعب الأردني

أحد أهم الملفات التي تشغل عقل الدولة الأردنية، ذلك المتعلق بأراضي الغور والمشاريع المتصله به، وهل ستبقيها إسرائيل بحوزتها، بحيث تعتبرها كما القدس والجولان، أراضي لا يمكن التنازل عنها، أم ستعطى لعباس لإنشاء دولته، وهذا ما تريدة الدولة الأردنية بحيث تكون حدودها مع فلسطين، لا مع اسرائيل ظاهراً.

لكن باطناً، هناك تقارير تشير إلى أن الأردن يحبذ الوجود الاسرائيلي على حدوده، دون غيره، في إطار أي تسوية قادمة.

صحيفة (معاريف) الاسرائيلية ذكرت في تقريراً لها ٥ – ١٢- ٢٠١٣ إن "الأردنيين يمارسون ضغوطاً على الولايات المتحدة لكي توافق على موقف إسرائيل بأن وجود الجيش الإسرائيلي على طول نهر الأردن هام من أجل الحفاظ على الأمن في المنطقة".

إلا إن اسرائيل، وقبل الاعلان عن نتائج المفاوضات الجارية الأن وبشكل سري، فجرت مفاجئتها بوجه الجميع، إذ اعلنت لجنة وزارية تضم ٨ وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو، عن اقرارها لمشروع عضو الكنيست ميري ريجيف، القاضي بالسماح لتل ابيب بضم أراضي غور الأردن، ما يعني أن المنطقة ستبقى خاضعة لسيادة الاحتلال، باعتبارها جزءاً من إسرائيل، لا يمكن للحكومة التنازل عنها في حال اقراره من قبل الكنيست، بحجة ارتباطها بأمن القومي، وعمقها الاستراتجي، فغور الأردن لاسرائيل بمثابة خط الدفاع الأول على جبهتها الشرقية. بما يخدم مصالحها، ويحبط آمال الأخرين وأوهامهم.

معضلة الغور

فهي ومنذ حرب حزيران ١٩٦٧ سارت بخطى ثابته صوب تطبيق مشروعها لاحتلال غور الأردن، والذي تعتبره جزءاً أصيلاً من منظومتها الأمنية الاستراتجية.

فمن بمشروع إيغال آلون بعد حرب حزيران ١٩٦٧، إلى مخطط دروبس عام ١٩٧٨، والذي يرى “أن المستوطنات التي تمت اقامتها في منطقة الاغوار، تشكل نقطة دفاع متقدمه، وحتى تقوم هذه المستوطنات بدورها الاستراتيجي، يتعين تشييد سلسلة من المستوطنات في قلب الضفة الغربية، بحيث ترتكز الاولى على الثانية، لتشكلان جهازا دفاعيًا فاعلاً، يوفر الحماية لاسرائيل”.

إلى تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الثالث من شهر حزيران من عام ٢٠٠٥ والتي قال فيها: ” لن تكون الأغوار مدرجة في أي من عمليات الانسحاب الإسرائيلية، الاغوار ستبقى تحت سيطرة إسرائيل إلى الابد، إنه الدرع الشرقي الدفاعي لإسرائيل، ونحن لن نعود إلى حدود العام ١٩٦٧م” .

كما أن الإسرائيليين في فعلتهم هذه، يعملون على قطع شروط الحياة عن جسد الدولة الفلسطينية، بحيث تصير دولة حبيسة، يسهل السيطرة عليها، إضافة إلى أن تل ابيب تريد استخدام الأردن للقيام بدوره الأمني، بمواجهة للدولة الفلسطينية القادمة، وهذا يعني ضمنياً عزلها عن محيطها الجغرافي العربي أولاً، وامتدادها السكاني ثانياً، خصوصاً ذلك المقيم في الأردن، وقطع شرايين مشاريعها الاقتصادية والزراعية والمائية، المزمع بناءها في المنطقة في حال اعلان الدولة ثالثا.

في حين يرى البعض داخل اسرائيل أن الخروج من الغور يعيد إلى الأذهان كابوس الهروب من غزة، والتي شكلت عامل ضغط على الدولة فيما بعد، وبؤرة متفجرة إرهابية كما يقولون، يسيطر عليها أناس معادون للسامية، كما يرون، لذا هي لا تريد تجرع اخطاءها مرتين. وحجتهم تقوم على ان التواجد العسكري في الشمال حمى إسرائيل من ضربات وصواريخ حزب الله. وهذا تحديداً ما تفكر به اسرائيل عندما تنظر الى غور الأردن.

مع أن المنطق يقول: إن عصر الصواريخ، اسقط فكرة العمق الاستراتيجي، وهذا ظهر جلياً أبان حرب الخليج عام ١٩٩١، عندما قام الرئيس العراقي الراحل بقصف تل ابيب، وأثناء حرب تموز مع حزب الله ٢٠٠٦، وحرب غزة في ٢٠٠٨، كما أن العمق الاستراتيجي الذي تدعيه اسرائيل، ليس إلا محرقة خطرة، يمكن أن تشكل مصيدة لجيشها، سيما وأن الغور محاط بسلسة جبلية، تجعل فرصة الدفاع عنه ضعيفة، ولا جدوى منها.

خجل أردني

أردنيا يطل الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني معلقا على إقرار ضم أراضي غور الأردن للسيادة الاسرائيلية قائلا إن : أي ممارسات أو إجراءات تقوض حل الدولتين، يمكن أن يعرض عملية السلام برمتها للخطر”. مع ان الممارسات التي يقصدها الوزير باتت امرا واقعا لا جدال فيه، وحقيقية، تم اقرارها من قبل لجنة وزارية مكونة من ٨ وزراء، وعلى راسهم نتنياهو.

هذا مع غياب تام لوزير الخارجية الاردني ناصر جودة، والذي بات خلال هذه المفاوضات كما الاطرش في الزفة، لا يعلم شيئاً، أو أنه يحاول إنكار معرفته، تطبيقا لدوره المرسوم !

الى جانب ذلك، لا أعلم ما هو الخطر الذي يقصده الوزير الموقر، الذي يترتب على معاهدة وادي عربة، والتي لا تأخذها على محمل الجد إلا عمان، بالمقابل تنكرها عملياً تل ابيب.

وما اقرار القرار ألإسرائيلي الخاص بغور الأردن إلا نسفاً مسبقاً لمعاهدة السلام من اساساتها، التي مازال يتمسك بها الوزير الأردني وحكومته، والتي اكتفت بالتصريح تلو التصريح، دون طرح البديل الحقيقي للرد على المشروع، بعيداً عن استخدام مفردات الخواء والخوف الخاصة بالاستهلاك الاعلامي.

فما هو رد الحكومة على الخطوة الإسرائيلية، في حال تطبيقها، هل تستنسحب عمان من معاهدة وادي عربة مثلاً، هل ستعمل على تدويل المشكلة، انطلاقا من مصالحتها الوطنية ؟

من جانبة قلل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب حازم قشوع من اهمية القرار باعتباره “غير ملزما”ً، وما هو إلا بلونات إختبار” اطلقتها تل ابيب بوجه عمان، النائب المذكور، لم يعمل هو وزملاءه النواب على اجبار الحكومة الأردنية على إتخاذ الاجراء المناسب لمواجهة الخطر قبل وقوعة، بل أن النائب لم يكلف نفسه عناء البحث عن حقيقية المشروع، وخطورته على الأردن وأمنه، وأثاره السلبية على الديمغرافيا والجغرافيا.

ولأجل ذلك أدعو سعادة النائب حازم قشوع إلى متابعة تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان التي أطلقها أمام المؤتمر السنوي لسفراء إسرائيل في العالم، المنعقد في القدس مؤاخراً، والذي قال فيها: “في حال إنشاء دولة فلسطينية، فإنها ستمتص مئات آلاف اللاجئين من سوريا ولبنان، نظراً إلى أن هاتين الدولتين ستطردان بكل بساطة هؤلاء اللاجئين”.

هذا عملياً يعني إسقاط الأردن من حسابات الدولة الإسرائيلية، أثناء المفاوضات الجارية، وبعدها، خصوصاً فيما يتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينين القاطنين في الأردن من العودة إلى دولتهم، مع القبول بحق العودة للاجئين المقيمين في سوريا ولبنان.

لذا يمكن القول: إن الرد المسؤولين الاردنيين على مشروع اسرائيلي، والذي اقترب من أستار المحرمات، التي لا تقبل النقاش، كان متواضعاً، لا يتناسب مع مصلحة الأردن العليا.

حافلة السلام وتنازلات عباس

فيما يتعلق بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، والذي مازال يحيط نفسه بستار من السرية، جراء اقتناعه الشخصي المبني على فردية اتخاذ القرار، لا على شعبيته، في خوض غمار محادثات السلام.

الرجل أسقط الثقة الأخرين به، والذين باتوا يتخوفون من شلال تنازلاته عما لا يملك، لمن يملك، ما قد ينتج اسقاطاً للحقوق الفلسطينية شبيهه بتلك التي قدمها المفاوض الفلسطيني - محمود عباس أحد اعضاء الفريق - أبان ما قبل واثناء وبعد أوسلو.

إلا أن الرجل، وللخروج من دهاليز التي قد يقع بها، بسبب تفرده بالقرار، طلب من وزير الخارجية الامريكي جون كيري، بالضغط على بعض الدول العربية، لمطالبته بالموافقه على مقترحات الوزير كيري نفسه، ومن بين هذه الدول كانت الأردن والسعودية والإمارات، كما ذكرت صحيفة رأي اليوم الإخبارية.

لكن، ماذا لو كانت اقتراحات الوزير الإمريكي، والذي لا يبحث إلا عن مجده الشخصي، ماذا لو كانت لا تصب في صالح المفاوض الفلسطيني، هل يوافق الرئيس عباس على مقتراحاته، بناء على المفاوضات السابقة، والتي بدأت في مدريد لتصل إلى يومنا هذا.

ومع هذا يجد المتابع لتصريحات الرئيس عباس، وكأنها مصابة بمرض من نوع عدم الأكتراث والاهتمام والتناقض، وحتى وأن تعرض لها فأنه يمر عليها مرور الكرام، لرفع العتب، ولاشغال العجلة الاعلامية.

لذا يمكن القول: إن البقاء الاتكال على عنصر المفاجأت فيما يتعلق بالمحادثات الجارية بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، برعاية امريكية، وتغييب عربي، إنما يدلل على أن المفاوض الفلسطيني أقترب من الخضوع لملاءات والشروط التي ترغبها إسرائيل، بما يخدم مصالحها ومشاريعها، خصوصاً، فيما يتعلق بالملفات المصيرية مثل وضع القدس، وحقوف اللاجئين.

هنا يمكن طرح السؤال التالي، ماذا لو قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتخلي عن القدس باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية واستبدلها برام الله، بالمقابل اعلنت اسرائيل القدس عاصمة لها، هل يقبل الشعب الفلسطيني؟ وهل يعتبر الرئيس بمثابة بطلًا وطنياً؟

بصراحة، صرت كما غيري اتخوف من هذه الخطوة، كما اتخوف من تيار اللاجئين القادمين، ومن المخيمات التي تبى في الأردن، خصوصا تلك التي تتصل بالحدود السورية والعراقية !

اخيراً: لا أعلم لماذا تذكرت تصريح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر عندما التقى الملك حسين في ١٤ أيار ١٩٩٠م، لاقناعه بضرورة تشكيل فداً أردنيا ً فلسطينياً مشتركاً، للمشاركة في مفاوضات السلام أنذاك إذ قال : “حافلة السلام ستأتي مرة واحدة، أن كل من يفشل في الركوب على متنها سيجد نفسه واقفًا بمفرده”



تعليقات القراء

بني آدم101
ياأخي العزيز المفاوض الفلسطيني لا يملك أي ورقة ضغط تجاه إسرائيل وغير إسرائيل، وحسب ما درسنا في كتب المدرسة ففلسطين دولة عربية ومطلوب من الدول العربية كلها الدفاع عنها. عباس ما عندو لا طيارات ولا دبابات ولا نفط ولا إشي، وإذا بدك توجه كلامك فوجه للدول العربية إلي عندها جيوش
09-01-2014 11:12 AM
رياض طبيشات
يمكن أن يعرض عملية السلام برمتها للخطر”. ........... نحن العرب سبحنا غي بحور الغباء لسنين طويله الى استغبينا انفسنا والاخرين يتحدث عن تعرض مسيرة السلا برمتها للخطر وكان مسيرة السلام تساوي نعل مهتريء . الانسان الغبي هو من يدخل في مفاوضات ووضعه ووضع امته يوسف عليه ويذهب وجعبته خاليه ليس من اجل بلده بل من اجل لطاته وسلطات الفتات منن حوله
11-01-2014 06:58 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات