صراع العمالقة بين محمد حسنين هيكل وسيمور هيرش


لقد أثارت مقابلة محمد حسنين هيكل التلفزيونية الأخيرة مع الإعلامية المصرية لميس الحديدي على محطة " سي بي سي " بتاريخ 27/12/2013 من مساء يوم الجمعة وهي الحلقة الثالثة التي تم بثها بعنوان مصر أين ؟ ومصر إلى أين ؟ ردود فعل كثيرة من قبل الصحافة الأردنية وكافة المواقع الإعلامية.

حيث طرحت الإعلامية لميس الحديدي في سياق المقابلة الأخيرة والتي استمرت طوال ساعتين السؤال التالي على هيكل من جملة عشرات الأسئلة والمواضيع التي تم تناولها من خلال الحلقة
لميس الحديدي:

الإستخبارات : هل 2014 حيكون عام استخدام المخابرات في حكم هذه المنطقة  هيكل:

" شوفي اللي حاصل في سوريا أنا بعتقد إنه في الأردن . الأردن كبلد كله مع الأسف الشديد في هذه اللحظة موظف تشكيلة مخابرات بيوظف كشركة ... كموقع مخابرات الناس اللي بيشتغلوا فيه وهو غير قادر على الصد . لكن جزء كتير جدا من العمليات يدار من الجنوب من جنوب سوريا ومن الأردن . عايز أقول لك إنو المخابرات ALREADY موجودة ".

الأستاذ محمد حسنين هيكل إن كل الناس يعلمون ويدركون وعلى رأسهم أنت أن كل سفارة من سفارات العالم وعلى رأسها سفارات الدول العظمى تضم في بعثاتها الدبلوماسية تحت أسماء مختلفة موظفي مخابرات وضباط استخبارات والكل يعلم أن الواجب الرئيس لموظفي المخابرات هو جمع المعلومات وتجنيد عملاء من أجل الحصول على هذه المعلومات وفي أحيان كثيرة الطلب من هؤلاء العملاء القيام بتنفيذ بعض المهام والواجبات وأظن أن حرب التجسس بين الدول هي عملية قديمة قدم التاريخ لا سيما تلك الفترة التي عرفت بالحرب الباردة والتي اشتهرت فيها قصص وقضايا وعمليات بين كل من ال كي جي بي السوفياتية وال إم 6 البريطانية والسي آي إي الأمريكية ولا ننسى عمليات الموساد ومن بينها اختطاف آيخمان واغتيال القيادات الفلسطينية . ونظرا لأهمية ما يدور في سوريا وفي مصر من أحداث فإن العديد من الدول قد أرسلت بأجهزتها المخابراتية والإستخباراتية إلى دمشق وإلى القاهرة وإلى الدول العربية المجاورة لهاتين الدولتين . وإنه لمن المؤلم والمؤسف أن يكون عميد الصحافة والإعلام المصري جليس الملوك والرؤساء والأمراء لم يكن موفقا في وصفه لما يدور في الأردن ولم تكن كلماته في مكانها المناسب وهو البالغ من العمر التسعين عاما ولقد سبق أن تعرض إلى الأردن من قبل. فالأردن أكبر بكثير من التعليقات العابرة وهو أبقى وأرسخ من محمد حسنين هيكل وممن سبقوه .

ولكنني في نفس الوقت شعرت بالألم لأن معظم ردود الفعل لكثير من الأخوة الأردنيين هو الشتم والتعريض والتشويه واغتيال الشخصية . ولم أقرأ أو أستمع إلى أي رد من الناطق الرسمي أو حتى من رؤساء التحرير للصحف الأردنية أو الصحافيين الذين يتقاضون آلاف الدنانير ونحن في عالم يعترف بحرية الرأي واحترام الرأي الآخر كنت أتمنى مقارعة الحجة بالحجة والقرينة بالقرينة والرد على محمد حسنين هيكل بالمعلومة الصادقة وبما يستحقه مفكرنا وعميد الصحافة المصرية من تقدير واحترام إذا لم يكن لشخصه فلفكره ولعطائه الممتد منذ 71 عاما من تاريخ مصر العربية.

واسمحوا لي أن أستعرض وإياكم الطريقة التي يتعامل بها صحفي أمريكي آخر يعادله عطاء وفكرا وتجربة كيف يتعامل بها الصحفي الأمريكي مع محمد حسنين هيكل حين يختلف الإثنان في الفكر والرأي وفي المبدأ .

وإسمحوا لي بهذه التقدمة لتعريف القارىء العربي بإثنين من عمالقة الصحافة والإعلام الأول هو محمد حسنين هيكل والثاني هو سيمور هيرش وأن أتحدث عن الخلاف الذي وقع بين هذين الصديقين وأجبر سيمور هيرش أن يرد على صديقه محمد حسنين هيكل وأن ينشر رسالة قاسية على صفحات " الواشنطن بوست " الأمريكية وقامت بترجمتها الكثير من المواقع الإعلامية بتاريخ 23/10/2013. ولقد انتظرت كغيري من الآلاف من الصحفيين والباحثين إلى رد من محمد حسنين هيكل على هذه الرسالة ولكنه وبكل أسف لم يفعل .

سيمور هيرش:

صحفي أمريكي من مواليد شيكاغو عام 1937 لأحدى الأسر اليهودية فاز عام 1970 بجائزة بولتزر نتيجة كشفه " مذبحة ماي لاي " التي قامت بها القوات الأمريكية خلال حرب فيتنام كما فاز بعشرات الجوائز نظرا لقيامه بنشر العديد من التقارير الصحفية التي أحدثت ردود فعل مدوية في العالم كان من بينها كشفه قصة مردخاي فعنونو والتي نشر فيها المعلومات الخاصة بالمشاريع النووية الإسرائيلية وهو أول من غطى معلومات الغارة الجوية على مصنع أدوية الشفاء في السودان بواسطة صواريخ كروز الأمريكية كما غطى الكثير من المشاريع السرية لوكالة المخابرات المركزية مثل عملية مشروع جنيفر للإستيلاء على إحدى الغواصات السوفياتية الغارقة في المحيط الهادىء وعملية كال 007 حول قيام الإتحاد السوفياتي بإسقاط طائرة الخطوط الجوية الكورية المدنية عام 1983 وغطت تقاريره حروب العراق منذ عام 1990 وحرب حزب الله وإسرائيل عام 2006 وعلاقة إيران مع العلامة النووي الباكستاني خان وهو أول من كشف قيام الحكومة الأمريكية بتحديد أهداف استراتيجية في إيران كأهداف عسكرية للقيادة المركزية وهو أول من نشر فضيحة سجن أبو غريب كما قام بتغطية عملية إغتيال أسامة بن لادن وله عشرة كتب وآلاف المقالات والمحاضرات .

محمد حسنين هيكل
إنه لمن الصعب جدا تلخيص السيرة الذاتية لمحمد حسنين هيكل أو محاولة اختصارها . هذه السيرة التي امتدت طوال 71 عاما ولا زال في عطائه بدأها عام 1942 وهو في سن 19 من عمره في مهنة الصحافة وفي عام 1952 كانت بداية أول مؤلفاته بعنوان إيران فوق بركان وفي عام 1952 تمكن من ملازمة عبد الناصر وفي عام 1953 قام بالتقدمة لكتاب الرئيس جمال عبد الناصر فلسفة الثورة .

وفي عام 1957 تولى رئاسة تحرير جريدة الأهرام وفي عام 1968 قام بتأسيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بتشجيع من الرئيس جمال عبد الناصر. وفي عام 1970 تم تعيينه وزيرا للإعلام. وفي عام 1974 أصدر الرئيس السادات قرارا بنقل محمد حسنين هيكل من صحيفة الإهرام إلى قصر عابدين مستشارا لرئيس الجمهورية ولكنه اعتذر عن قبول المنصب . لقد كرس هيكل نفسه في التأليف والكتابة وقام بتأليف عشرات الكتب باللغتين العربية والإنجليزية وكان في بعض الأحيان يصدر كتابين في العام الواحد ولعل أبرز مؤلفاته العقد النفسية التي تحكم الشرق الأوسط . خبايا السويس . نحن وأمريكا يا صاحب الجلالة. الإستعمار لعبته الملك . موعد مع الشمس . لمصر لا لعبد الناصر . قصة السويس آخر المعارك في عصر العمالقة . العروش والجيوش . خريف الغضب قصة بداية ونهاية السادات . عند مفترق الطرق حرب أكتوبر . زيارة جديدة للتاريخ . أحاديث العاصفة وتستمر قائمة كتبه إلى ما لانهاية.

كما عمل محمد حسنين هيكل في كتابة مقدمات لكتب زادت على 31 مقدمة كتاب من بينها الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية . صفحات من النضال الوطني . لسراة الليل هتف الصباح . من حملة مشاعل التقدم العربي . عبارة غزل . المحروسة . رواية للأجيال .

كما أن هناك أحاديث تلفزيونية اشتهر بها هيكل في العديد من المحطات التلفزيونية على شكل حلقات من بينها حوار مع عماد الدين أديب وحوار مع جيزيل خوري وحوار مع مصطفى ناصر في برنامج اللقاء السياسي وحوار مع محمد كريشان وحوار فيروز زياني وفي حوار تجربة حياة وكان آخرها الحوار الذي أجراه مع الإعلامية لميس الحديدي في محطة سي بي سي.

ولقد كتب الكثيرون عن محمد حسنين هيكل مثل كتاب مفيد فوزي . هيكل الآخر إبحار في عقل وقلب محمد حسنين هيكل . ومحمد عودة وفيليب جلاب وسعد كامل في قصة السوفيات مع مصر .

رسالة سيمون هيرتش إلى محمد حسنين هيكل في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بتاريخ 23/10/3013 " في محاضرتي التي ألقيتها في الجامعة الأمريكية بمصر قبل الثورة بأعوام قليلة والتي استضافني فيها محمد حسنين وجلس إلى جواري وقتها. قلت " مصر في مضمونها عبارة عن مؤسستين عريقتين وما سواهما يتبع كلا منهما . وهما الجيش والأخوان . وقلت في هذه المحاضرة بالنص : إذا وصل الأخوان إلى الحكم بثورة أو بصفقة أو بأي طريقة . كانت ستواجه بحرب شرسة من جيش عميق مغروس حتى العنق في امور السياسة بشكل غير مباشر وغير مرئي أو مكشوف وأضاف قائلا بعد المحاضرة سألني هيكل قائلا هل تعتقد أن الجيش سيسمح للأخوان بالوصول إلى الحكم ورؤية العجب العجاب من فساد متراكم ويسلمون بأنفسهم أرواحهم وحريتهم للأخوان ؟؟

قلت له : قد يحدث هذا بثورة يضحي فيها الآلاف بأرواحهم مقابل تطهير مؤسسة الجيش وهي المؤسسة التي لو طهرت ستسير البلاد نحو مستقبل واضح وتابع " ابتسم هيكل حينها ساخرا وقال : أي شعب هذا الذي تحدثني عنه الذي سيضحي بالآلاف ليطهر الدولة والجيش ؟ فابتسمت ساخرا منه .

ولكني اتصلت به منذ أيام وقلت له يا هيكل ها هو الشعب يا صديقي وقد ثار ضد الجيش وضحى بالآلاف مقابل حريته وكرامته وها أنت تساند الجيش الذي أكدت لي أنه سفينة تبحر في محيط من الفساد . ولكنه أغلق الهاتف في وجهي ثم أغلق كل أرقامه التي أعرفها.

وخاطب الكاتب سيمون هيرش هيكل في مقاله قائلا " وبما أنك يا صديقي تعرف عني أني عنيد ساخاطبك . كن شجاعا واعترف انك قلت لي إن الجيش يجب أن يبتعد عن السياسة ويلتفت لعدوه الأساسي ويترك الحكم لأي حكومة حتى ولو كانت إسلامية . وإنك قلت : إن الحكومة الإسلامية هي الوحيدة التي يمكن أن تجبر العالم على القبول بمصر في وضع جديد . وأن الليبراليين والإعلاميين أغلبهم مجندون للأجهزة الحساسة.

وأكد هيرتش أن هيكل ليس شجاعا بما يكفي بدليل مساندته الجانب الخطأ مشيرا إلى أن هيكل الذي كان يحترمه قد اختفى بعد أن سقط القناع عن وجهه قائلا : أنت لست شجاعا وإلا لماذا خالفت مبادئك وساندت العسكر ووقفت في الجانب الذي تعرف جيدا أنه الجانب الخاطىء افتح هاتفك يا هيكل فإنه لا يشرفني الإتصال بك ثانية . لقد سقط القناع عن هيكل واختفى هيكل الذي كنت أحترمه.



تعليقات القراء

ابو زيد الطفيلي
بدايه المقاله محترمه جدا ويا حبذا ان يكون كتابنا على مستوى من الثقافه والادب والعلم ليتكلمو بمنطق علمي وسلس بعيد عن العصبيه والالفاظ غير المناسبه
وكم اتمنى ان يكون لدينا كاتب كبير مثل هيكل او هيرش لكن للاسف كلها كلها بترقص للمسؤول وبتمجد فيه واذا انفصل من شغله او احيل للتقاعد بيصير معارض حتى يتم اسكاته بمنحه او بوضيفه شو ما كانت هذه الوظيفه
30-12-2013 04:23 PM
لالا
الغرب و الشرق لن يترك هذه المنطقة
تتقدم لان هذا يعني تكرار تجربة الاندلس
و العثمانيين بحكم العالم من الصين
الى البرازيل
30-12-2013 08:12 PM
لالا
لو كان عندنا عشرة من المسؤولين
باخلاصك لتقدمنا
30-12-2013 08:14 PM
بلال الكفاوين
أبدعت أستاذي الكبير، فأعطيت معلومات قيمة، وأكثر من ذلك أعطيت درساً في المهنية الصحفية وكيف تقارع الحجة بالحجة، ورددت على هيكل وفضحت جبنه.
02-01-2014 09:46 AM
د.عامر توفيق ااقضاة
الكاتب الكريم سلام عليكم
كلماتك نار على شخصية مثل الأستاذالكبير هيكل .. وهي نور هادئ لكل مَن يبحث عن الحقيقة..
شكراً لك دكتور حسين ..شكراً لك
23-02-2014 07:44 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات