الراحلة .. غيداء درويش


غيداء, أيتها الغادة الراحلة, رحلت عن الدنيا بأمر الله سبحانه وبسنة انقضاء الأجل, أللهم صبرا على حكمك, وطوعا لكل أمر من أوامرك النافذة, في أي مصيبة وقسمة ونصيب, وعونا من قدرتك في كل مسيرة ميسرة, أو وعرة لا يقوى عليها إلا أولي العزم من البشر !

غيداء وأنت المغادرة في ملكوت الله ورحمته, لا أجد من كلمات عندي أكتبها لطيفك الإنساني, وأنت ترتقين في برزخ, لا أدركه, إلا أن أخاطبك من نصوص, أطلعت عليها من جديد بعد أن قرأتك للمرة الثانية في الضفيرة بعيد وفاتك, وكانت الأولى قبيل توقيعك لضفيرتك الخالدة بيومين, تلاها حديت على الهاتف معك لخمس وأربعين دقيقة عن محتوى حبيس نفسك المضيئة ولهيب خلجات أنفاسك المعطرة بطيب الماضي وانكساراته, بعد أن سطرت لنا ضفيرتك كملحمة جميلة لأميرة عربية كتبتها لأمة لا تكتب نفسها, وخاطبت قادة أمة, خاطبتهم وأنت تضنين أنك تخاطبين المعتصم الخليفة, ليخيب ضنك في حياتك, كما روتها الضفيرة بين دفتي ملحمتك الكبيرة, وخاطبت نساء لا يقوين على البوح فيما تشيرين إليه ولا حتى من هن في خصب خيالك, وتجربتك في تدوينك لنفسك ! سيدتي الغائبة في الملكوت الحاضرة في الوجدان: لا أجد من نثر أكتبه إليك ولا لمن أحبك كعزاء لغيابك الدنيوي, لكني وجدت في شعر النوابغ من الأقدمين سلوى لما كان يختلج في نفسك من انكسار على حلب ودمشق وكل الأوابد في سوريا العربية الخالدة, كما كان قبلها على أمة لم تكاسر, فكسرت نفسها ونفسيها خانعة خاوية:

عجبت لمن يقيم بدار ذل...... ......... وأرض الله واسعة فضاها
فذاك من الرجال قليل عقل...... ...... بليد ليس يدرى ماطحاها
فنفسك فز بها إن خفت ضيما..... .. وخلى الدار تنعى من بناها
فإنك واجد أرضا بأرض............... .. ونفسك لا تجد نفسا سواها
مشيناها خطى كتبت علينا ........ ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيته بأرض......... .. فليس يموت في أرض سواها

غيداء, غادرت كما غادرت السيوف ديارنا, لكنك أبقيت لنا ما لا يغادر, فتركت لنا كتبك ورواياتك الخالدة, ومقالاتك ومدوناتك الثرة, ونبض قلمك وفنك وجمال النفس من إبداعات لوحاتك, وكثير من فيض خاطرك من على منابر الآمة التي وقفت بها ولها. أحتسبك الله في عليائه مرحومة مرضية, وغفر لك هفواتك الإنسانية بواسع مغفرته ورحمته ورضوانه, وسنتذكرك دوما كفراشة كانت تحب النور كما كانت تعشق الضياء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات