صهيب بن سنان عربيٌ يرجع نسبه إلى النمر بن قاسط النمري من ربيعة وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم .

كان صبياً حين غزتهم الروم في أطراف العراق فأخذوه سبيّاً إلى الشام فبقي في خدمتهم وأخذ لسانهم ورأى من أخلاقهم ما لم يعحبه فأخذ يميل إلى الرهبان وعلم منهم أن نبياً يدعو إلى التوحيد ومكارم الأخلاق قد حان موعد ظهوره في مكة .

وصل صهيب إلى مكة فصار أهلها يدعونه صهيب الرومي للكنته وأشتغل بالتجارة وحاز مالاً كثيراً .

أسلم صهيب وعمار بن ياسر في يوم واحد فكانوا في أول 40 مسلماً .. ولقوا من بلطجية قريش وسادتها العذاب الشديد لكنهم صبروا و صابروا لأن النصر مع الصبر.. إلى أن هاجر رسول الله صل الله عليه واله وسلم إلى يثرب فقام صهيب فجمع ماله ودفنه في مكان قريب من بيته ثم تسلح بسيفه وكنانته وانطلق صوب يثرب .. لكنّ بلطجية قريش وزعرانها علموا بوجهته فكمنوا له على الطريق فلما رآهم وقد همّوا بالاقتراب منه قال لهم :" تعلمون أني أرماكم رجلاً فلا تصلون إلِيّ حتى أضع في كل واحد منكم سهماً ثم أصير بعد إلى السيف حتى لا يبقى في يدي منه شيء ".. قالوا:" يا صهيب جئتنا صعلوكاً ثم صار لك مالٌ كثير وتريد بعد أن تهاجر بنفسك ومالك ؟!" .. قال صهيب:" أرأيتم إن تركت لكم مالي أأتتم تاركي ؟" قالوا نعم .. قال :" فأذهبوا إلى مالي فإنه في موضع كذا" .. فرجعوا واثقين لأنهم يعلمون صدق أتباع هذا الدين .. وانطلق هو رضي الله عنه نحو المدينة المنورة .

سار صهيب وكلما أنهكه التعب أنشطه الشوق حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فبادره بالقول :" ربح البيع أبا يحيى " .. قال صهيب :" قد أخبرك جبريل " .. فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله الآية التي نزلت بحقه " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " .

ربح البيع أبا يحيى .. شهادة نبوية لصفقة رابحة وهذا تكريم نبويّ قد سبقتها شهادة سماوية وهذا تكريمُ الهيّ .. فهنيئاً لك أبا يحيى يا صهيب بن سنان وهنيئاً لك أنك لست معنا اليوم في عمان حتى لا ترى الصفقات الخاسرة لقوم يبيعون أنفسهم ابتغاء دريهمات .. يبيعون آخرتهم مقابل الزهيد من الدنيا .. أهلكوا أنفسهم في مرضاة الشيطان .. وأهدروا كرامتهم على باب السلطان .

لا ينبغي أيها السادة للأردني أن يذل نفسه فالمسلم يهين ماله أو يخسره ولا يخسر عقيدته أو يذل نفسه .. وكان المسلم يقول جُعِل رزقي تحت ظل رمحي وما كان المسلم يقبل على نفسه لتحصيل المال العمل في الأعمال الوضيعة فقد يعمل المسلم تاجراً وخياطاً ومعلماً وجندياً أو مديراً لشركة أو مؤسسة حكومية أو وزيراً أو قائداً أو زعيماً أو في أي مهنة شريفة .

وقد كان في دولة الإسلام أنّ غير المسلمين هم الذين يقومون بالأعمال مثل جمع القمامة أو إصلاح الأحذية أو غيرها من الأعمال التي يحتاج إلها المجتمع لأن المسلمين مشغولون بما هو أولى وأشرف وما أمرهم الله به واختارهم له مثل الجهاد وإدارة البلاد وسياسة العباد ونشر العلم والدعوة إلى الله " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " .

لقد كان المسلمون دائماً يبذلون فلوسهم لإكرام ناموسهم في حين نرى البعض اليوم يكسرون ناموسهم وربما شرفهم لتكثير فلوسهم .. وهاهي الحكومة تسهل لهم ذلك من مثل الترخيص للأردنيات بالعمل في النوادي الليلة .. يا عيب .. ثم مؤخراً الترخيص فقط للأردنيات بالعمل في جمع القمامة .. يا عيب يا خسارة .

أما بنات وأبناء المسؤولين ففي السفارات دبلوماسيات ودبلوماسسين.

إن الذي يضع المال تحت قدمه يرفعه الله به والذي يضع المال فوق رأسه يخسفه الله به كما حدث مع قارون " فخسفنا به وبداره الأرض " في حين أن صهيبا أشترى عقيدته وكرامته رافعاً رأسه وألقى بالمال لكلاب الدنيا .

إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي
وًهّابٌ لما ملكت كفّاي من مالِ
لا أحبس المال إلا حيث أتفله
ولا يغيّرني حال على حالِ .

إن الشعب الأردني يا سادة شعب طيبٌ وصبور .. لكنّ للصبر حدود .. وإن الذي يظلم الأردنيين ويتآمر علهم وعلى وطنهم أو يؤذيهم أو حتى يغضبهم .. سينتقم الله منه إن عاجلا أو آجلاً .

روى أن سلماناً وبلالاً وصهيباً كانوا قعوداً فمر عليهم أبو سفيان فقالوا :" ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بعد " .. فقال أبو بكر:" تقولون هذا لشيخ قريش وسيّدها ؟!"

فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره فقال :" لعلّك يا أبا بكر أغضبتهم .. لئن كنت أغضبتهم فقد أغضبت ربك عز وجل " .. فرجع إليهم أبو بكر وقال :" يا أخوتاه .. لعلّي أغضبتكم ؟! .. قالوا:" لا يا أبا بكر .. يغفر الله لك ".