إذا لم نتعلم من إليكسا فمن ماذا ؟؟


بدى واضحا للجميع ، بأننا في حالة لا سمح الله تعرضنا إلى ما يمكن أن يحدث بشكل مفاجئ من كوارث الطبيعة ، سنكون وفي غضون ساعات مشردين من بيوتنا ، لا ماء ، ولا خبز ، ولا كهرباء . وإنصافا ، بارك الله بكل الجهود التي بذلت ، وبكل الجنود الذين تحركوا ، وبكل من فتح طريقا ، ونقل مريضا ، وأعان محتاجا ، ولكن نحن لا نتحدث عن فريق من الشباب المتطوعين ، الذين هبوا لمساعدة عائلة محتاجة ، ولا نتحدث عن فزعة ولا نخوة ولا شهامة عرف بها الأردني ، فساهم كل بما ملكت يمينه ، إننا نتحدث عن دولة تهاوت أمام منخفض ثلجي عابر لمدة أيام ، ورحل ليكشف لنا عن كثير من المشاكل التي يجب علينا أن نلتفت اليها بعين الجد ، مشاكل دفعت بالملك إلى الشارع ، وهذا إن أردنا أن نضعه على الميزان ، فهو دليل واضح على عدم ثقة الملك بمن حوله ، قبل أن أن يُحسب بأنه رغبة من الملك بمساعدة المواطنين بنفسه ، فإما أن نجد الحل الناجع وإما أننا سنكون في يوم من الأيام ، أمام مجابهة أخرى ربما تكون أطول عمرا ، وأكبر أثرا ، وبالتالي أصعب في التعامل معها .

لن نستطيع أن نحصل على الدواء ، قبل أن نشخص الداء ، والداء كل الداء في أننا أصحاب نظرة سطحية في كثير من أمورنا ، ثوريين للحظات ، نغضب على تصرفات هذه الحكومة اللامبالية غضبنا على أحد أبنائنا إن ارتكب خطأ ، غضبا يكون من خارج القلب ، وبعد غضبتنا التي لا تطول ، تعود المياه إلى مجاريها وكأن شيئا لم يكن ، وهذا ما حصل معنا في المنخفض الجوي الأخير ، فأربعة أيام من انقطاع التيار الكهربائي عن بعض المنازل ، يتم نسيانها في لحظات ، وبمجرد إعادة التيار الكهربائي ، ربما بل وأنه من المؤكد ، أن صاحب المشكلة ، يحمد ربه ، ويتقدم بالشكر للمسؤول عن إعادة التيار الكهربائي إلى منزله – بعد أربعة أيام – ناسيا أو متناسيا أربعة أيام مرت ، عاشها الرجل ومن معه في ظلام حالك . وحدث ولا حرج قياسا على ذلك .

دعونا نعود إلى أساس المشكلة ، إنه الفشل الذريع في إدارة الأزمات ، وعن أية أزمة نتحدث ، منخفض جوي لأربعة أيام !! ، شكرا لله على هذا المنخفض الذي كشف لنا أننا أمام أزمة حقيقية تعيش معنا لفترة طويلة ، إنها بالفعل أزمة إدارة تجثم على صدر الوطن ، فيستلمون مواقعهم على أسس لا تمت للمطلوب بصلة ، ويفشلون في أول إختبار لهم ، ومن حسن الحظ أو من سوءه فإن الإختبارات قليلة ، ولكنها بالنسبة لنا ، كافية لتثبت أننا نسير في الطريق الخطأ ، عندما يتخرج الطالب من جامعته بتخصص معين ، ويذهب إلى سوق العمل ، يتفاجئ بأنه بعيد كل البعد عن الواقع ، وأن ما تناولته تلك المواد الجامعية ، لا يشكل إلا أساسا لا يعتمد عليه إلا كنقطة بداية ، ومع مزيد من الممارسة والعمل الجاد ، يصل إلى الخبرة التي تسعفه في حياته العملية ، قياسا أقول : إن من تولى أمر إدارة البلاد اليوم قد تلقى الكثير من الدورات النظرية على إدارة الأزمات ، ولكنه للأسف لم يتلق التدريب العملي المناسب للتعامل مع أبسط أزمة ، إنه قد تلقى التدريب وهو يرتدي بدلته الرسمية ، ومعه من يحمل فوق رأسه مظلة تحميه من ماء المطر ، هو معتاد على ركوب السيارات الفارهة ، ولم يعتد ولا يريد أن يعتاد على ركوب سيارة "البكب" إن كانت هي الحل الأمثل في ظرف ما ، ف "برستيج" معاليه لا يسمح له بذلك ، وبعضهم من ولد في منزل مجهز بالتدفئة المركزية ، وبكل تأكيد هو لا يعلم شيئا عن أحوال من لا يجدون الحطب الكافي لإشعال مواقدهم ، هو يجد من يحضر له الخبز الطازج إلى منزله ، فبكل تأكيد لم يحسب حسابا لمن لم يعد لديهم طحينا يخبزون منه رغيفا يقتاتون منه في ذلك اليوم ، هذا وذاك وأمثالهم لا يملكون من الدموع ، ما يذرفونه على طفلة ماتت عندما علقت السيارة التي أسعفتها بين الثلوج ، فهم وأبناؤهم يعيشون بسعادة وهناء ، وهذه أقصى اهتماماتهم .

الناطق الرسمي والوحيد باسم الطبقة الكادحة من الشعب ، من الذين يحتاجون إلى " الحطب " ، والطحين ، والماء ، والكهرباء ، والدواء ، والطرق المفتوحة ، في أصعب الظروف ، هو مجلس النواب ، الذي يفترض أنه يفرز ثلة من الناطقين باسمنا ، من الذي يعيشون معنا ، يعرفون همومنا ، ولكن التزوير والتلاعب الذي يحدث ، يفرز لهذا المجلس ، من يعانون من فائض في الرفاهية ، أصحاب الملايين ، الذين يدفعون على حملاتهم الانتخابية ، ما يزيد في كثير من الأحيان ، عن مجموع رواتبهم كنواب لأربعة سنوات ، وهل يؤلم الجرح إلا من به الألم ؟!! ، فأغلقت علينا الدولة بابا من الأبواب التي كانت ستكون ملجأ لنا بعد الله لو أنها أتت بطريقة سليمة ، ولكنه الإذلال والتهميش المقصود لهذا الشعب ، حتى يبقى تحت السيطرة والنفوذ ، قانعا بأقل القليل ، فرحا بكل ما هو جديد ، حتى لو كان عشرة دنانير تأتي كزيادة على الراتب بعد خدمة ما يزيد عن نصف عمر من استحقها !

هناك مشكلة كبيرة عندما تكون شركة الكهرباء شركة خاصة لا بديل لها ، وأننا سنضطر بعد أيام من انقطاع الكهرباء عن الكثيرين في أول اختبار حقيقي إلى انتظار نتيجة القضايا التي سترفعها الحكومة على هذه الشركة ، في ظل وجود قوانين تجعل تحصيل شيك بقيمة ألف دينار عن طريق المحاكم أمرا يحتاج إلى ما لا يقل عن ثلاث سنوات في كثير من الأحيان ، وهناك مشكلة عندما يكون المحافظ وهو الحاكم الإداري الممثل لجلالة الملك في المحافظة أو رئيس البلدية لا يستطيع إجبار سائق جرافة للتحرك بطريقة تساعد في تقديم الخدمة بالطريقة الصحيحة ، وهناك مشكلة عندما يستخدم أحد المسؤولين " الهايجين " بعد أن يصافح أحد الفقراء والمساكين ، أو أن يصف معاليه الشعب الأردني بأنه بارد وجه ، وهناك مشكلة عندما يصبح ثمن اسطوانة الغاز خمسة وعشرين دينارا ، أو كيلو الخبز بدينارين (كما ذكرت قناة الحقيقة الدولية وذلك تحديدا في السلط) ، وهناك مشكلة أكبر عندما يحذر الدفاع المدني من الخروج من المنازل قبل الساعة الحادية عشر صباحا ، بينما يطالب رئيس الوزراء الموظفين بالالتحاق بأعمالهم في تمام الحادية عشر صباحا ، مما يدل على أننا لا نعيش في دولة مؤسسات – كما يدعون – بل أننا والله أعلم نعيش في حارة "كل من ايده اله " .وهناك طامة كبرى عندما نفكر بانشاء مفاعل نووي في بلد ترفع الراية البيضاء أمام منخفض ثلجي يستمر لأيام قليلة .

ما حدث أثناء " إليكسا " هو كارثة ، لا تتوقف على التقصير الذي غمرنا به البعض ، بل تكمن الطامة في غياب القرار الصارم ، مما يدل على عدم قدرة البعض على إدارة البلاد ، في حال لا سمح الله ، تعرضت لحدث طارئ بدون سابق إنذار ، أزمة إدارة حقيقة تعيشها الأردن ، والمخرج من هذه الأزمة ، يتطلب إدارة حكيمة حريصة على حفظ ما تبقى من هذه البلاد للأجيال القادمة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات