اعادة بناء العرش .. النظام الأردني ج / 6


قبل الوصول لماهية الأصلاح المطلوب في مفاصل مؤسسة العرش لابد من تشخيص واقعي للحالة ومن كان متعجلا او لا يرغب بفهم الجواب على سؤال ( لماذا أعادة بناء العرش ؟ ) فلينظر الى القسم الأخير من هذا الطرح ليجد المفاصل التي نتحدث عنها ..

مما يؤسف له أن مشروع الملكية العائلية قد أستحوذ جيله الجديد من ورثة الحرس القديم على الدولة وقام كجهة برجوازية عفنة بخلق فجوة كبيرة جدا ما بين المواطن العادي والعرش الذي أصبح يمثل له لغزا كبيرا بلغة لا يفهمها الأردني وكأن الملك أصبح حكرا على فئة أرستقراطية لا تتكلم لهجتنا الأردنية ولا هي من جلدتنا واتسعت فجوة الفوارق ما بين الطبقة البرجوازية والطبقة الشعبية الفقيرة التي ازدادت كما ونوعا باضمحلال وتآكل الطبقة الوسطى القادرة على احداث التوازن السياسي والمعرفي والاقتصادي والامني في أية دولة ..

ولأتصال الهيمنة السياسية بالهيمنة الأقتصادية للمشروع النيوليبرالي العفن فلقد كان من الطبيعي أن تحتسب الطبقة المتنفذة بفسادها على العرش لأن المواطن كان يسأل بكل بساطة ( من وضع فلان الفاسد ابن الفاسد ؟ ) فصورة الملك بالعقلية العرفية الأردنية أقرب ما يكون للقصص الأسطورية الخيالية وهو الآمر الناهي وهو – بعد الله – القادر على خلق المعجزات وحل كل المشاكل وهكذا جرى تعبئة الجماهير تاريخيا وكان يتم أختزال الأردن كله بالملك في حين أن جلالته كان أحوج ما يكون لمن يسنده ويحمل العبء معه ويقوم بدعمه في محاولاته المتكررة للتخلص من حالة ورثها قسرا والأنتقال من حالة ( الأسطورة ) لحالة ( المؤسسة ) ..

لم يكن مشروع الملكية العائلية أو الفكر السياسي الشعبي آخر مشكلات العرش فلقد كان الدور الذي لعبته أجهزة المخابرات الأجنبية والعربية كما أوردنا سابقا لتمرير أجندات ومصالح او خلق صراعات وتوجيهها لصالح مشاريع الغير الدخيلة على الأردن مسألة في غاية الخطورة بالنظر لهذه ( الرقعة الجغرافية ) كورقة ضغط او مفاوضات للحالة الأقليمية وكانت الأشاعات التي تصنعها اجهزة المخابرات الأقليمية التي تثار بين الفينة والأخرى تلاحق الملك وتؤدي غرضها في الذهنية الأردنية التي لم يجر تأهيلها لكيفية التعاطي حتى مع اخبار بسيطة عجيبة تجدها مثلا في وسائل الأعلام وتقرأ عليها ردود فعل واسعة النطاق بشكل عنيف !!

أما خطأ الدولة التاريخي الذي تمثل في عزل الأطراف والتفاوت الهائل ما بين المدينة والأرياف والبوادي فكريا واقتصاديا خلق جيلا لا يستطيع التعبير عن ولائه للدولة الأردنية بطريقة صحيحة وتركه لقمة سائغة لتجاذب المشاريع الدولية وتتقاذفه الأقاويل والأشاعات وحالة التضليل والأستغلال والركوب التي تقودها المشاريع الحزبية صاحبة الأمتداد العابر للقارات وعندما حاول أبناء العشائر التعبير عن هذا الولاء كان ضر ذلك أقرب من نفعه وعليه فقد كان من احد اهم التحديات التي تواجهها الدولة هي نقل الأطراف ( العشائر ) لمرحلة الشعار السياسي لصناعة تيار شعبي يعيد بناء المملكة كحالة صحية يمكن أن تقود الأردن من خلال تأطير واضح لمشروع ( الملكية الشعبية ) ..

ألا ان ذلك أقتضى فتح الباب على مصراعيه ولم يكن هنالك بديل عن فتح المجال للنخب المريضة للعمل في الأطراف فنشأ عن ذلك حالة عجيبة من الاستخدام العبقري للنظام لأن ثقافة الأسقاط الشعبية لم تتوقف عند طرق أبواب النظام لوحده بل أمتدت تلقائيا الى تنظيمات تاريخية موبوءة مثل اليسار أو الفرق والتنظيمات الدينية مثل الأخوان الذين خرجوا من الأرياف والبوادي والمخيمات بعملية طرد مهينة ومخزية وجرى ضرب هالة القداسة الدينية التي كانت تتمترس خلفها هذا التنظيمات وسقطت معها كل شعاراتها التاريخية السخيفة لأن القضية بالنسبة للمواطن العادي لم تعد العرش وأنما أمنه وأستقراره وهذا ما يفسر أنتقال هذه التنظيمات من مرحلة أصطياد العرش لمرحلة ضرب فكرة ( بلد الأمن والامان ) وتسخيف هذه المقولة ومحاولة النيل منها ..

لكن فتح المجال للامتدادات غير الأردنية أدخل المكون الشرق أردني الذي يقود الحراك الشعبي والموصوف تاريخيا بالظهير الملكي في عملية أحتيال سياسي كبيرة جدا من قبل المشاريع الفكرية والسياسية والأستراتيجية للمخابرات الأجنبية وترك رواسب مؤذية جدا في عقلية المواطن العادي ونظرته للعرش فلقد كانت عملية الضخ الاعلامي الموجه ومواقع التواصل الاجتماعي تقوم بعملها وجرى تجيير أطراف الصراع في الساحة الأردنية من تنظيمات يسارية ويمينية صاحبة الفكر الشمولي ضد الملكية في حين انها من أورث الأمة متوالية الهزائم التاريخية وأورثت الأجيال أنظمة الفساد والأستبداد والحديد والظلام فانحرفت الحراكات الشعبية العشائرية في الأطراف من المناداة بحقوقها الأقتصادية المنقوصة لتبني خطاب راديكالي يخدم صراع المشاريع الدولية والأقليمية في العاصمة ولقد كان من الطبيعي أن يكون الحراك العشائري متطرف السلوك بسبب الطبيعة الخشنة والقاسية للعشائر فخدم ذلك التطرف مشروع الملكية الحزبية الذي كان يحاول ان يظهر كالحمل الوديع المعتدل المتزن صاحب الخطاب الراشد الذي لا يسعى للأسقاط ولكن للأصلاح في حين أن ذلك الطرح عند تحليله فهو لا يعدو كونه تصفية وتفكيك ناعم للنظام الملكي ..

الحقائق أعلاه التي لم يكن عنها بديل سوى الأسوأ ( الدماء ) أدت الى ما أدت أليه من أنهيار النظام الملكي كخيار شعبي والأيمان به في نفوس الناس والحقيقة التي يدركها الملك أكثر من غيره أنه لا يمكن للعرش أن يستمر بحالته الوجودية الحالية ولقد أنقسم المجتمع الأردني ألى أربعة أتجاهات سياسية وشعبية بهذا الخصوص الأول كان ينادي بأسقاط الملكية كلها وتحويل الأردن الى جمهورية وجرى غسل دماغه لدرجة أنه لا يرى في الملكية بالعالم كله سوى شر مطلق ولقد أستخدم كل الوسائل التقليدية وغير التقليدية في النيل من العرش والملك والملكة وحتى ولي العهد الذي لم يبدأ مشواره بعد وظهرت بدعة المعارضة في الخارج وحالات اللجوء وقام البعض بوضع دستور للجماهيرية الأردنية والبعض الآخر تبنى خطاب كراهية اعلامي برعاية دولية ..

اما الأتجاه الثاني فكان يحدث التوازن بمواجهة الأتجاه الأول ويتمسك بالعرش بصيغته التقليدية ويأخذ شكلا متطرفا جدا في التعبير والدفاع عن الملك وهو على أستعداد لحمل السلاح والخروج حتى على المنظومة الامنية وقد خلق مشاكل متعددة وأحرج النظام في أكثر من مناسبة وجرى أتخاذ قرار بتفكيكه ، أما الأتجاه الثالث فهو أتجاه حزبي ( ملكية دستورية ) وكان ينادي بتقليص ما يسمى صلاحيات الملك مستفيدا من غباء وراديكالية الأتجاهين السابقين وهو الأتجاه السياسي الأخطر كون العنصر السائد فيه حاليا يقوم بعملية تفكيك هاديء للملكية الأردنية وهو الأكثر أقناعا لمن لا يستخدم عقله لأنه سيقود البلد بالنتيجة الى شيء واحد فقط ( حرب أهلية ) ، أما الأتجاه الرابع وهو الأهم فهو المواطن العادي الذي يعبر حقيقة عن الأردني الصامت وهو الأخطر في المعادلة كلها فجميع ما تقدم ذكره يمكن التعامل معه واسقاطه وتفكيكه ولكن كيف يمكن أعادة ترميم صورة العرش في ذهن المواطن العادي بعد كل الذي حصل ؟؟

فالبناء التراكمي السلبي لدى الرأي العام لصورة العرش جعلت من الأردني ( المارد الصامت ) .. ترى في وجهه الغضب وتسمع بين كلماته العتب وتقرأ بين سطوره كلمات متفجرة ويتلقف أي أنحياز ملكي له ليروي ظمأه وعطشه للأنتقام من الوضع الأقتصادي ورموز الفساد والقهر الذي يعيشه من متوالية حكومات أرتكبت سلسلة من الجرائم في حقه ولو اتيحت له الفرصة لعلق المشانق في كل قرية وبادية ومخيم ولبدأ بدعاة الحرية والأصلاح قبل الفاسدين الذين تولوا السلطة وعبثوا في لقمة عيشه .. يريدون الملكية والملك بصيغتهم هم لا بصيغة البرجوازيين ولا الحزبيين ولا بصيغة بيروقراطية الدولة فهم لا يفهمون هذه اللغة ولكن ما يفهمونه أنه لا يحق للحكومة أن تسحب من جيبهم دينار يسحب معه لسانهم على الملك وحاشيته وبطانته ومؤسسات الدولة كلها ..

الأردني الصامت غاضب متفجر يمشي في الأسواق ويتمتم ويتحدث مع نفسه كمدا وقهرا وحقدا طبقيا وهو مهيأ لثورة عظيمة ليس على الملكية بل على كل شيء ولكنه في نفس الوقت ينحاز لأمنه وأستقراره ويشعر في عميق وجدانه أن الحكومة تدرك هذه الحقيقة أيضا فتضعه تحت ضغط الأبتزاز الأمني لتمرير جملة قرارات قاتلة تستهدف لقمة عيشه وأما أعداء الوجود الأردني فهم يريدون أقناعه بأنك أيها الأردني سخيف لتنطلي عليك أكذوبة ( بلد الأمن و الامان ) وبصراحة لا أدري الى متى يمكن لهذا المواطن أن يصمد لكن سبحان الله الخالق فالموروث الأمني في هذا البلد عميق جدا ومن أقام الدنيا ولم يقعدها وأهتز البلد كله لأستشهاد طالبة جامعية هو نفسه يرسخ في المجتمع رفض فكرة الدماء ويرسخ قيمة أنحياز الأردني لأمنه وأستقراره فتحرك شعب كامل لجريمة قتل واحدة بشعة ناشيء عن حالة جنائية لا سياسية من الصعب أقناعه بالدم السياسي وهذا التحرك الأفقي والعامودي الواسع في الدولة ضد جريمة واحدة هو نفسه أكبر دليل على أن الأردن ( بلد الأمن والامان ) ..

بمقابل الضمير الأمني المستتر والراسخ في عمق الوجدان الأردني فأن متوالية النيل من العرش عموما كمؤسسة والملك وعائلته خصوصا خلق في الوجدان الأردني أيضا قناعة مفادها وجود فساد عميق او رعاية للفساد على الأقل من خلال هذا العرش والتحدي الحقيقي هو في أقناع الأغلبية الصامتة بنزاهة الملكية ولقد وصل الوضع لدرجة من الخطورة أنك اذا أستندت لحقيقة تاريخية بأن من يحكم هم من ( آل البيت ) لربما سمعت ضحكات رقيعة وبصراحة فأن جميع الأجراءات في هذا الصدد هي غير مقنعة للأنسان غير المطلع وأما التكتيكات بحد ذاتها والتي أتبعت للوصول للأجراء ومن ثم الهدف في العديد من المفاصل كانت غير مقنعة لأنها لا تنطلق أصلا من وسيلة شعبية فأطلاق منظومة النزاهة مثلا حظيت بسخرية واسعة النطاق في حين أن الأنحياز الملكي المباشر والتواصل الشعبي من الملك مع الناس هو القادر على أعادة بناء العرش وترميم صورته ولا أدل على ذلك من ( الثلجة ) الأخيرة في تعبير حقيقي عن ( الملكية الشعبية ) ..

وعلى الهامش نقول هنا بأن أعلام الديوان الملكي يستحق الأشادة وقد تطور بشكل كبير ولافت عن فترة أعلام ( الديناصورات ) ولكن اتمنى على هذا الأعلام أن يضع بين يدي المواطن غير المطلع جملة من الحقائق عن قيام الملك بحظر جميع مظاهر الترف لدى جميع أفراد الأسرة المالكة وتضييقه الخناق على مخصصات الأمراء بشكل أدى لفرارهم نحو العمل في القطاع الخاص وهذا أمر خطير بحاجة أيضا لمعالجة والبعض بدأ يلاحظ حتى أن ملابس جلالة الملكة قد تغيرت بما هو أكثر قبولا للمواطن الأردني أما مخصصات ولي العهد مثلا فهي تقل عن مخصصات أحد أبناء أثرياء عمان بمقدار النصف تقريبا أما زكاة مال الملك فلا تزال مستورة مخفية بحاجة الى مأسسة لكن للأسف فأن ما يأتي به الملك تذهب به الحكومة ..

فلقد كنت أعتقد أن أدق وصف للحكومة الحالية هو ( حكومة الفترة ) لكن من خلال واقع الحياة الأردنية وجدت أنها تستحق وصف ( الحكومة القاتلة ) وبأعتقادي أنها أسوأ حكومة بتاريخ الأردن كله على الأطلاق لأسباب كثيرة لا تتوقف عند فشلها في ادارة العديد من الملفات المصيرية مثل الملف الأقتصادي من جانب أستهلاك مخصصات الأردن من الأقتراض الدولي او عدم توظيف الاحتياطي في المركزي او العجز عن وقف الهدر في المال العام او عدم القدرة على عكس شد الأحزمة على الرواتب باعادة ضخ النقد للسوق المشلول الذي أكل التضخم فيه وغلاء الأسعار الرواتب وكذلك الفشل السياسي في الملف السوري خصوصا في موضوع اللاجئين لكن أسوأ ما حصل على الأطلاق هو حالة الأستبداد التي تمارسها الحكومة على الحريات العامة وتغولها على مؤسسات الدولة الدستورية الأخرى مثل القضاء وأضعافها لمؤسسات أخرى مثل النواب وبما يؤدي لنتيجة واحدة فقط لا غير ( أفراغ الأجندة الملكية الأصلاحية من مضمونها ) وباللهجة الشعبية نقول ( سقالله فراقها ) ولكن حالة الفراق التي تلي مرحلة الطلاق الشعبية الحالية لها محددات ودوافع ليس أقلها الدولية ..

جميع ما تقدم ذكره جعل الأكلة تتداعى على قصعة العرش ولابد من اجراءات عملية وعلمية حقيقية مدروسة في ثلاثة مفاصل تعيد ترميم وبناء العرش الأردني الذي نحتاجه لأستقرار الأردن وبنفس الوقت لا يجوز أختزال الوطن به لأننا في عملية نهوض مؤسسي شعبي للدولة فتنزيه الملكية باتت ضرورة ومصلحة أستراتيجية أردنية عليا يتوجب أن تراعي مشاريع أعادة البناء ما بين الملكية الحزبية ( الدستورية ) والملكية الشعبية وتستطيع تقديم صيغة توافقية مقنعة لجميع الأطراف تضمن الديمومة والعدالة وتعيد راية آل البيت كراية ضمير ووجدان أنساني أخلاقي وقيادة لا راية ملك وحكم لا سيما أن المنطقة مقبلة على تحولات جوهرية وعملية أصطفافات شعبية للأسف ستكون على أساس ديني راديكالي يأخذ شكلا نازيا ولابد من لغة خطاب ديني قيمي هاديء معتدل متزن راشد وسطي أنساني أخلاقي بعيد عن الكراهية والدماء والوحيد القادر على صياغة هذا الخطاب الشعبي هم آل البيت في الأردن لذلك لابد من تاهيل الأردن لهذه المرحلة وصياغة مشروع ملكي شعبي قادر على حماية البلد والدفاع عن وجوده ..

هنالك ثلاثة مفاصل رئيسية يتوجب أعادة بناء العرش من خلالها نشير أليها باختصار ونترك البحث والشرح المتخصص فيها لمكانه الصحيح اما المفصل الأول فهو قانون الأسرة المالكة لعام 1937 الذي يستوجب التعديل لمواكبة العصر والتحولات في الفكر الشعبي والمؤسسي الأردني فلا يعقل مثلا أن نصوصه تشير لرئيس محكمة الأستئناف والتي يقصد بها الآن محكمة التمييز مثلا كما لابد من النص الصريح على حظر الجمع والخلط ما بين الامارة والتجارة لان الأشارة الضمنية في الواردة في هذا القانون غير كافية ولابد من وضع أسس ومعايير وضوابط واضحة لهذه النقطة تحديدا كما يستوجب الحال فرض قيود صارمة على من يتصل بقرابة او نسب او مصاهرة بالأسرة ( الملكية ) وليس ( المالكة ) تجب الغيبة عن العرش فلا أمتياز مادي او معنوي لمن ذكر نهائيا ومن يستغل هذه الصفة لابد له من حساب عسير وعقوبة رادعة جدا أما تطبيق أحكام الشريعة الأسلامية على آل البيت وفقا لما ينص عليه القانون فلابد من أن يأخذ ذلك شكلا مؤسسيا بمشاركة شعبية واسعة مثل هيئة زكاة تكون فيها فريضة الزكاة ألزامية على العرش بينما تكون أختيارية على المواطن ويتم وضع النصوص التي تحفز أداء هذه الفريضة كبديل أختياري لضريبة الدخل وفي ذلك بحث واسع لا يتسع له المقام ..

المفصل الثاني لأصلاح العرش هو الديوان الملكي ، فلا يعقل أن يكون الجهاز الأداري والفني المساعد للملك والذي يتواصل فيه رأس الدولة مع مؤسسات الدولة والشعب لا يوجد له قانون يحكمه وينظم عمله !! ولا يعقل أن تكون مخصصات الديوان والتي هي بمئات الملايين تصرف على الأعفاء الصحي او المقاعد الجامعية محسوبة على الملك مثلا !! ولا يعقل أن يكون بيت الأردنيين حكرا على فئة معينة من الأردنيين فالأصل ان تكون هنالك مساحة ولو بسيطة للتعيين من خلال ديوان الخدمة المدنية او هامش بسيط للتعيين من خلال مسابقات وظيفية نزيهة !! ومن غير المعقول ان لا يكون هنالك قانون ينظم واردات الديوان المالية من الخزينة ومصروفاته برقابة مؤسسية من قبل ديوان المحاسبة مثلا !! لابد من قانون خاص ينظم عمل هذه المؤسسة السيادية والسياسية الفعلية تخضعها للرقابة والمحاسبة وتخصعها لقانون الجرائم الأقتصادية على وجه الحقيقة ..

المفصل الثالث لترميم العرش هو الدستور الأردنيونضع هنا تصور أولي ، ففكرة الصلاحيات قد طالها ما طالها من تشويه وتضليل في حين أن ما يسمى بالصلاحيات لا تعدو كونها مهاما وظيفية دستورية يتوجب على الملك القيام بها ولقد أشرنا أليها في مبحث سابق لكن المطلب هنا متعلق بهذه الوظيفة الملكية التي لابد ان تستند لحاضنة شعبية تحميها ويركن أليها أي ملك يحكم هذه البلاد ولو بعد مئة عام لذلك كان الأستفتاء الشعبي على القضايا الوطنية المصيرية ضرورة دستورية ووسيلة حماية فعالة للوطن وللملك برجوعه الى شعبه عند الملمات وتطبيق عملي لفكرة الملكية الشعبية ، اما محاسبة الملك والرقابة على أعماله وأرادته وصولا ألى عزله ان لم يكن مؤهلا للقيادة فلا بد أن تكون بيد الشعب الذي فوض له سلطاته لقيادته وكذلك الحال في اعطاء الملك حق التنحي عن العرش - غير الموجود حاليا - اذا لم يأنس في نفسه القدرة على قيادة البلد وأيضا تحت رقابة الشعب الذي يحق له قبول او رفض هذا التنحي ولا بد لذلك ذلك أعطاء مجلس الشعب ( النواب ) الحق بالرقابة على مخرجات الأرادة الملكية وحق الطعن في بعضها لدى المحكمة الدستورية متى لزم الأمر وهذا بحاجة الى مراجعة أيضا لأختصاصات هذه المحكمة التي يشوبها القصور في العديد من المفاصل ..

أما السلطات الدستورية والمهام التي يقوم بها الملك في المواد ( 34 – 35 – 36 ) من الدستور فلابد من التوسع فيها وأعطاء الملك سلطة تقديرية بما يسعف بتكليفه حكومة حزبية وفقا لتقدير رأس الدولة لا يشترط فيها المشاركة البرلمانية المباشرة صيانة لعملية رقابة مجلس الشعب على الحكومة كما لابد ان يكون هنالك شكل شعبي أيضا لتشكيل الحكومة من خلال أعطاء الملك حق أصدار أرادته باجراء انتخابات عامة لأنتخاب رئيس الوزراء بشكل مباشر مع الأبقاء على أخضاع هذه الحكومات بأي شكل تنشأ عنه للضوابط الموجودة حاليا في الدستور منعا لاستبدادها بالسلطة ومنها حق الملك في اقالتها كضمانة لحالة الأستقرار والحرية أي نحن نتكلم عن نموذج جديد مختلط ومرن يقرر شكل الحكومة فيه الشعب الأردني على وجه الحقيقة ومن قبيل ذلك النص على ألزامية نهج التشاور مع النواب لتكليف الحكومة بشكلها التقليدي فيما بات يعرف بالحكومة المسماة ..

أما مجلس النواب فلابد من أعطائه الحق في الطعن بأية أرادة ملكية تصدر في حله لدى المحكمة الدستورية اذا ما كان هذا الحل مخالفا للقيود والشروط الموضوعية والشكلية التي نص عليها الدستور من حيث وجوب التعليل او متن وموضوع التعليل الموجب لحله مثلا وبمقابل ذلك لابد من أعطاء الملك الحق ايضا في الطعن لدى المحكمة الدستورية بأي قانون يصدر عن جهات الاختصاص فيما لو كان التشريع غير دستوري ويمس بالحالة الوطنية والوجود الأردني فيما لو أصر مجلس الأمة على أقراره بعد رفض الملك المصادقة عليه أما الشق الثاني لمجلس الأمة وهو الأعيان فلابد من النص على الزامية نهج التشاور في تشكيلته التي لابد ان تتواءم زمانيا وتمثيلا وفنيا مع أفراز انتخابات مجلس النواب لسد ما يتعري هذا الأفراز من نقص او قصور ..

أما بالنسبة لعلاقة العرش الدستورية بالقوات المسلحة فسيكون ذلك موضوع المقال القادم وسنركز فيه على أعادة بناء هذه المؤسسة العظيمة آخر معاقل الشرف والقيم والهوية الأردنية وبما يضمن حالة الأستقرار الوطني فكمواطن أردني أرفض وبشدة أن تتبع مؤسسة عظيمة مثل المخابرات العامة لحكومة حزبية قد يقودها مثلا تنظيم له أرتباطات دولية مثل الأخوان المسلمين او البعث الأشتراكي ..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات