قراءة في مبادرة زمزم


في جميع المجتمعات البشرية وعلى جميع الأصعدة والمستويات، من الأكثر بساطة إلى الأكثر تعقيداً، وعند انسداد الأفق، والوصول إلى حالة مركبة ومعقدة من العقبات، التي تواجه العمليات الإصلاحية، ومع تراكم المشاكل والتمترس بين القوى المختلفة، والتخندق والاصطفاف، فأنه من الحكمة بمكان عدم ترك هذا المجتمع لينهشه اليأس والإحباط، والقنوط من عدم القدرة على الخروج من حالة عدم القدرة على تجديد الخطاب، وعدم القدرة على التنويع في ادوات الفعل السياسي.. فكان لا بد من جهة تعلق الجرس، وتضخ دماءً جديدةً في حركة الشباب، قبل أن تتوارى فتختفي .

وإذا كانت مطالب جميع القوى الحية في المجتمع تلتقي على مطالب جوهرية، يشوبها بعضٌ من سوء النوايا، وبحاجة إلى نقطة ارتكاز ينطلق الجميع من خلالها ومعها فكانت من وجهة نظرنا مبادرة زمزم.

اعتقد أن زمزم بمثابة الضمير الجمعي لكل الفرقاء السياسيين، ولا يعني ذلك تسيد المشهد بقدر ما هو إدامة الدنامية المطالبة في الإصلاح، وإعادة رسم خطوط أولوياتها الإصلاحية.. زمزم؛ المشاركة، ووضوح الأهداف ووحدتها .. وإذ تراهن المبادرة على وعي المجتمع وتبصره في ثوابته الوطنية، مع ضرورة إحداث التغيير المنشود، وتعزيز فهمه لهذا التغيير وأولوياته وأدواته، وبطرق تحافظ على ما هو موجود من ايجابيات وتعزيزها، والعمل على خلق حالة من الوعي بأولوية إصلاح السلبيات، والخروج من الدواوين إلى المضامين، والانتقال من الغرف إلى الفعل وبطرق شرعية .

ونحن نعتقد أن زمزم ترى أن العُقد لا تحل مرة واحدة بل الأقرب من العنق ومن معاش الناس فالأبعد وهكذا دواليك.

ونحن نعتقد أن زمزم تؤسس لدولة مدنية لا تقصي منها أحدا، ً بل اسَسَت على نقاط الالتقاء في فكرها مع الآخرين، أفرادا ً وجماعات أحزابا ً وجمعيات...

برنامجها الإصلاحي يلتقي عليه الجميع، واعتقد أن برنامجها هو القاسم المشترك بين اليسار واليمين، ونعتقد أنها بوصلة ومحور مركزي يمكن من خلاله الانطلاق والهداية إلى فك طلاسم التمترس أحيانا ً والانكفاء أحيانا ً أخرى.

ومن قراءتي لمشروعها السياسي، أجد أن زمزم تعي ما يحيط بنا، وانعكاس ذلك على وهج الحراك الإصلاحي، وتضيءُ على مفصل ٍ هام ٍ ألا وهو "الحراك المطالب بالإصلاح لا يمكن له أن يخبو أو يتبدد ، وإنما كالجمر تحت الرماد " وهذا يعني أن الناس لن تسلم لسياسة الأمر الواقع .

وإذ تضع زمزم يدها على الجراح وتشخص الحالة وتشعر بالألم الحاصل الذي أصاب الشارع، تجد نفسها أمام مفترق طرق: إما الانكفاء أو مواجهة الحقيقة التي أذهلت العالم مما حدث في مصر ويحدث في وسوريا .. فما كان منها غير التجديد في الحوار وتغيير الأدوات، وذلك لخلق هوية خاصة وجامعة لكل الأردنيين، والفصل بين أملاءات الخارج وما يحدث على الساحة الأردنية، وذلك ليقينها أن مطالب الإصلاح ليست " موضة " أو "مقامرة" وإنما مطالب الاستمرار والبقاء للجميع؛ النظام ومن يمثله والمجتمع بجميع شرائحه .

ولا يعني ذلك الانسلاخ عن قضايا الأمة الجوهرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بل الالتزام الأخلاقي النابع من الهوية الإسلامية تجاه القضايا التي تخص الأمة .

زمزم تعي جيدا ً كيف جر الحراك إلى مواجهات جانبية، وصلت حد تخوين بعض القوى لأخرى، فكان من الضرورة إيجاد جامع وقاسم مشترك واحد يتوافق عليه الجميع.. فالباب مفتوح لكل من يؤمن بالمصالح الوطنية العليا ويحرص على الإصلاح والمشاركة وليس المحاصصة .

ومن قراءتي لعناصر المشروع السياسي، والمتمثلة في: الحفاظ على الدولة ومنجزاتها، وتحديد ثوابتها الوطنية، والالتزام بالنص الدستوري، وضمان التوزيع العادل للثروة، واستقلال القضاء، وسيادة القانون.. ومن هذه القراءة أجد أن هذه الروية الإصلاحية هي بمثابة العنوان العريض والجامع لكل المطالب الإصلاحية، والتي إذا ما كتب لها النجاح سينفرطُ عِقد العُقَدِ واحدةً تلو أخرى .

ونجد أن زمزم تؤمن بالعمل وتراهن على النتائج، واجد نفسي أمام المقاربة التالية: بين مبادرة زمزم من جهة وحزب العدالة والتنمية التركي من جهة أخرى، فرغم الاختلاف في كثير من المواقع مع حزب غول واردوغان القادم من رحم حزب الفضيلة .. نجد أن حزب العدالة والتنمية تعرض إلى هجمة شرسة وذلك لرفع الشرعية عنه في بداية تأسيسه، واتهم بانشقاقه عن حزب الفضيلة، وكانت التهم تتمحور حول جلوسه مع قادة العلمانية، غير أن حزب العدالة والتنمية استطاع ومع مرور الوقت أن يفكك شيفرة الاستعصاء التي عانى منها الشارع التركي، واستطاع أن ينتقل بتركيا الحديثة إلى حالة من الازدهار، رغم كل ما كان يعانيه من مشاكل داخلية في الاقتصاد الذي وصل حد الانهيار، وارتفاع الدين والبطالة، وتمرد الأكراد، إضافة إلى الوضع الإقليمي الملتهب آنذاك في العراق، ونحن نعلم كيف يتسابق الأغلبية الساحقة في تركيا اليوم إلى كسب ود حزب العدالة والتنمية .

ولا يعني ذلك انتقال زمزم إلى استنساخ التجربة التركية العلمانية، فالمطالب الشعبوية العلمانية تسيطر على ذهنية العامة في تركيا،وهنا جوهر الاختلاف حيث أن الذهنية التي تحكم المجتمع الأردني تمتاز بخلفية إسلامية متسامحة تعطي المنتمون إلى زمزم مجالا أوسع وأرحب وأكثر حرية في الحركة .

ونعتقد أن زمزم تسير في مسارين متوازيين ؛احدهما عدم تأجيل ما لا يمكن تأجيله من؛ محاربة الفساد والفاسدين والمفسدين، وسن قانون انتخاب يلبي طموحات الأردنيين، ورفع مستوى معيشتهم، أما المسار الآخر والمتمثل في سياسة النفس الطويل وإعادة ترتيب الأولويات .

زمزم توجهُ خطابها الواضح إلى الجميع وبلا استثناء؛ معارضة وموالاة، جمعيات وأحزاب، تجمعات وأفراد، الكل شركاء ومقياس التفاضل هو العمل والرقابة الشعبية هي الحكم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات