جراسا -

 كتب المحامي بشير المومني - اربعة وعشرون ساعة كانت تفصل ما بين رسالة المصري للملك وتوقيفه في سجن الجويدة قطع فيها الطريق على شكوى كانت ستقدم لمدعي عام عمان تحت عنوان ( الوحدة الوطنية ) ولا أدري فيما اذا جرى تسريب المعلومات للمصري من جهات معنية باستقرار الوطن حول نية البعض تقديم هذه الشكوى لا سيما أن القضاء أظهر استقلالية مقبولة ولم يعد يوفر أحدا لكن طبيعة تفاعلات الحدث وقراءة الرجل للمشهد اجبرته على ارسال رسالة سياسية لم تكن موجه للملك بقدر ما هي موجهة للرأي العام نفى فيها ما قاله لوكالة اخبارية اجنبية واخذ ابعادا مبالغا فيها ..

رسالة المصري اظهرت قلقا كبيرا وخوفا من اهدار تاريخه العريق بدون جه حق لا سيما انه كان تحت ضغط كبير وعليه دور لابد ان يؤديه بعناية الحريص لحساسية الموقف وتجلى ذلك في اختبائه خلف الملك بما يقرأ من مضمون رسالته بأعتباره كان يعمل بتوجيهات جلالته وكان ذلك لمنع تفاقم الانتقادات الواسعة التي طالت اداءه في المجلس كما كان ذلك استباقا لما قد توجس منه الرجل فيما قد يقدم عليه الملك من ( تعزير سياسي ) من الطراز الرفيع كما حصل مع عون الخصاونة الأمر الذي يفسر زيارة الأخير له والتي احتواها المصري بذكاء ..

من جهة اخرى ظهر المصري وكأنه من العقليات القديمة التي يقوم تفكيرها على اساس المحاصصة لا المصلحة العليا للدولة حتى في عمليات نفيه ولقاءاته على الاخباريات والفضائيات الاردنية ومن هنا نستطيع القول ان الرجل أقترب من حالة الشعبية كسياسي بامتياز وترك نمط رجل الدولة رغم تاريخه الكبير او بوصف أدق هكذا أريد اظهاره لاكتمال المشهد واداء الدور القادم بأعتباره قيادة شعبية اما من يظن أن النظام يمكن أن يفرط بسهولة بشخصية مثل طاهر المصري فهو واهم وبحاجة لاستخدام عقله ..

جهات صناعة الراي العام والتفكير الاستراتيجي كانت تقوم بعمليات مكثفة تحقق فيها اهداف متعددة بطريقة تكتيكية عالية جدا لا تخطر في مخيلة أحد ولا يستطيع غير المتتبع الدقيق جدا استظهارها وتم ذلك من خلال عملية توظيف غاية في التعقيد للحدث وقراءة دقيقة للرأي العام لاتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب لكي يحقق أعلى قدر وكم من الانتاجية السياسية وبما يفرغ توجهات الخصوم من المضمون ويحدث عملية اختراق نوعية في المشهد السياسي ..

هذه الجهة تنظر وتقرأ وتربط وتحلل وهي نفسها التي تقدم التوصية وتعرض الصورة لمن يدير الدفة وتترك هامشا لشخص مثل المصري او غيره لملء التفاصيل ولكن من يملأ التفاصيل يكون مجبرا على اللعب ضمن الاطار والقواعد والهامش المحدد له او سيجد نفسه ( خارج السيستم ) كتحصيل حاصل دون الحاجة لاتخاذ قرار بذلك ومن ثم خارج اللعبة ربما طردا بالكارت الاحمر الى الجويدة مثلا ومن يفهم التاريخ العريق للدولة ويدرك كيف تدار الامور يكون مضطرا للدخول في لعبة ذكاء ضمن قواعد تفرض عليه لا يستطيع هو صناعتها ولكن يمكن توظيفها ويترك ذلك لمهارة الشخص ونبوغه السياسي وعبقريته وتجاربه والمصري يعرف ذلك تماما ..

هذه الجهة قرأت نشاطات السفيرين الامريكي والبريطاني وتابعت ما استجد على المنطقة من تحولات ورصدت الحالة الداخلية والخارجية وقدمت تقييما عالي المستوى بأن هنالك مشروع جديد في الافق سيطرق ابواب المنطقة بعد تداعيات مصر وسقوط المشروع الاخواني وما حصل في سوريا ومن ثم كانت التسريبات عن حملة عالمية وضغط على الاردن في قضية توطين اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا بالاردن فكان القرار التعامل الشرس وتكشير عن الانياب الاردنية من خلال مؤسسات مؤهلة لتصديها للحالة المستحدثة ..

كيف يمكن ان نقرأ الخارطة ؟؟

- تسريبات حول التوطين وجس نبض من السفراء وصمت مريب دون وجود لنفي مقنع من السفراء حول التسريبات الاعلامية مما يضع علامات استفهام كبيرة جدا دفع بعملية انتقال أعلامي لاعادة تشكيل الوعي المجتمعي فأعيد ضبط المصطلحات فأنتهى مثلا ( غرب أردني ) واصبح ( اصول فلسطينية ومكون فلسطيني ) ..

- رفض قاطع للضغوط والمغريات بشطب المديونية مقابل التوطين بالتزامن مع رفع اسعار انهكت المواطن في عملية اعتماد على الذات وقرارات مصيرية قد تذهب بالبلد لمخاطر أمنية ولكنها تبقى تحت السيطرة والتوجه نحو الصين والخليج ..

- اتخام الاردن باللاجئين السوريين لحد لا يطاق واعلان يكاد يكون العجز عن التعامل مع اعدادهم الهائلة ومن ثم ادخالهم للمدن في عملية كلفها بمئات الملايين ومغامرة امنية جرى التصدي لها من خلال مؤسسات محترفة ولكن الهدف تحقق ..

- حالة من العدائية الشديدة تجاه فكرة دخول لاجئين الى الاردن وحتى اصبح اخوتنا الاردنيين من اصول ال 48 وال 67 حساسين جدا من القبول بدخول اي لاجيء وباتوا يدافعون عن الاردن بصدق اكثر من بعض ابناء العشائر الذين تاهوا وتوزعوا بين مشاريع المنطقة ونسوا ان الاردن احوج ما يكون اليهم فظهرت الهجرات الاعلامية لبعض الكتاب لصحافة خارج الاردن والهجرات السياسية في تبديل مواقف وقناعات وعمليات سخيفة تحت اسم لاجيء سياسي اردني تمهيدا لنشر شائعات يختلط فيها الصدق بالكذب للضغط على الملك تحديدا ..

- تزامن ذلك مع مفاوضات مغلقة ما بين السلطة واسرائيل تتسرب عنها معلومات ليست بصالح الاردن خصوصا حول موضوع اللاجئين وتصريحات للامين العام للامم المتحدة بعد لقائه مع الملك بالثناء على الاردن بخصوص استضافة مليوني لاجيء فلسطيني اما الرقم الاردني فهو اكبر من ذلك وهنا نلاحظ ان بقاء فايز الطراونة في واجهة الحدث من عدمه مرهون بمدى التفاعل الاردني مع المفاوضات ودور أردني يحفظ مصالحنا فيها ويضع الطراونة لمسته كجهة موثوقة من الاطراف الدولية ..

- زيارة من الملك للسعودية ولقائه مع الجانب الاماراتي والتنسيق مع الجانب المصري ودخول الاردن على منظومة امن الخليج باعتباره جزءا من منظومته الامنية القومية وتناول القراءات حول تفاهمات امريكية جديدة مع دول المحور الايراني السوري الروسي ..


- اذن الاردن لن يقف مكتوف الايدي وتغيير السياسات بات واجبا والتكشير عن الانياب وتحريك ما يسمى بالمكونات الاردنية الرئيسية الفلسطينية والعشائر اصبح ضرورة ولكن بعبقرية وضوابط وثوابت الأردن المعهودة ..

وعليه فلابد من قيادة للموضوع والشخصية الموثوقة التي يتوجب دفعها لذلك شاءت ام ابت هي ( طاهر المصري ) الذي سيجد نفسه مجبرا برضى او بغضب على التنفيذ كسياسي وليس كرجل دولة لهذا جرى تقديمه للمجموع الوطني بهذه الطريقة الجديدة ..

فساعات ما قبل التعديل كانت حاسمة والقرارات كانت نوعية والوضع كان اخطر مما يتصور ولابد من حراك سريع خصوصا ان الاخوان اعلنوا عن فعالية يوم الجمعة التي تلت التعديل ومن القرارات والاشارات التي ألتقطها النظام بخصوص ذلك الضغط الاخواني لتمرير التسوية والقرار من التنظيم الدولي لذا كانت الفعالية هي القدس في عمان والشعارات قاسية لا تخدم المصلحة الاردنية العليا في مشروع التوطين ولقد عمد الاخوان لتحريك ما يسمى المكون الفلسطيني والعملية بدأت بيد اخوانية ..

الضربة كانت يوم الخميس فقام الملك وفقا للمعطيات والقراءات الموجودة بتعيين مجلس الاعيان وترك فيها هامشا واسعا للحركة والتنظير والتأويل وتشكيل المجتمع لقانعات جديدة وترك فيها ايضا الهامش للحركة من قبل اصحاب العملية وكل من يرغب في الاشتراك بها وجرى تنفيذها بمهارة عالية ودقة متناهية وعبقرية عز نظيرها تستحق ان تدرس في الكليات السياسية فالملك قام باعادة التوازن للدولة ..

- المصري اصبح رمزا وطنيا لمكون محدد ومؤهل الآن لقيادة هذا المكون في اطار محدد يسحب البساط من تحت اقدام الاخوان ويوجه الشارع في المخيمات نحو الحالة الوطنية الفلسطينية والقدرة على تحقيق الحد الادنى من المطالب المشروعة ومنها الحق في التعويض ..

- الحكومة نجت وجرى توجيه الراي العام باتجاه آخر بعيدا عن رفع الاسعار وجرى أشغال الرأي العام بقضية وطنية حقيقية من خلال تنفيذ استحقاق دستوري بطريقة عجيبة واتيحت فرصة على طبق من ذهب للنسور لأعداة التموضع الشعبي وبما ينهي حالة متوالية الحكومات التي الحقت ضررا سياسيا بالغا في الاستقرار السياسي للدولة ..

- انتهت الانتقادات لتشكيلة مجلس الاعيان ومن ثم المطالبة بانتخابه ولم يتم التطرق لموضوع زيادة عدد المقاعد ونتائج هذه الزيادة في بداية أجهاض لمشروع توطيني وسيأخذ شكل الأصلاح الدستوري في هذه الجزئية شكلا توافقيا يسحب البساط من تحت اصحاب دعوات التوطين وما جرى هو مثال على كيفية توظيف الخاص في خدمة العام وكيف يمكن ان تضرب بحجر واحد مئة عصفور ..

- جرى فرط فعالية الاخوان ولم تحدث الاثر المطلوب وانصرف الناس عن مناقشتها وجرى تركهم اعلاميا على الهامش ووصلت الرسالة للخارج بأن الاخوان غير قادرين على احداث الاثر المطلوب في الراي العام الاردني وبالمقابل جرى دفعهم لمكانهم الصحيح بعد سلسلة اعترافات بالوجود الأسرائيلي لا تخدم احتمالات اعادة التفكير الجدي بوادي عربة وطرحها للأستفتاء العام بعد تعديلات دستورية مع ملاحظة وجود ارهاصات لانتفاضة ثالثة يحضر الاخوان لركوبها ..

- المصري في حديثه اظهر بعض الجهات بانها الحامي التقليدي للهوية الوطنية الاردنية وباتت مكانتها محفوظة في قلوب ابناء العشائر بعد ان كانت من اكثر الجهات محل انتقاد من المكون العشائري وقد يتم تفعيل قضية حقوق التعويض على أبناء شرق الاردن نتيجة ما عانوه من الأحتلال الاسرائيلي وذلك رهن بما يردنا من معلومات حول مفاوضات الجانب الفلسطيني ..

- المصري سيقود المعركة باسم المكون الفلسطيني خصوصا فيما يتعلق بحقوقه الوطنية على ترابه الوطني بنفسه او من خلال بعض الشخصيات التي جرى تلميعها في الفترة الاخيرة والهدف عزل عكسي للمشروع التوطيني والخروج بالاردن من عنق الزجاجة الاقتصادية فيما يتعلق بقضية التعويض حتى على الخزينة وبالتالي سيخرج الاردن من محنته الاقتصادية بطريقة ليس فيها خضوع لأي ابتزاز ..

- المكون العشائري جرى تحفيزه وبنفس الوقت قام جزء كبير منه بالدفاع عن المصري والمكون الفلسطيني جرى تحفيزه وجزء كبير منه انتقد المصري مما خلق حالة تآلف وطنية لا ترتبط او تتوقف فيها المصلحة الاردنية على الأصول فجرى تعميق اواصر الوحدة الوطنية التي جرى استهدافها ..



- المصري ولو بعد حين سيكون رئيسا للوزراء من خلال حزب او انتخابات مباشرة او من يحل مكانه في العملية وسيهتف ابن العشيرة باسمه قبل ابن المخيم لمحافظته ودفاعه عن الهويتين ولتحقيقه المصلحة الوطنية الاردنية والفلسطينية العليا ..

- الأخوان لا يزالون يجعجعون في الشارع ولا احد يستمع لهم لاعتبارات تنظيمية داخلية مكونة لجزء من فهم الحالة التي جرت معالجتها في هذا المقال ولوجود من يعبر عن ضمير المكون الفلسطيني وابناء الخيمات كبديل موثوق ونزيه ..


- الجميع تحت عباءة الملك وخيوط اللعبة كلها بيد جهة خارقة الذكاء والقدرات والملك اخطر واذكى مما يظن الجميع ودهائه تجاوز حدودنا وهو يشكل خطرا عند اللزوم على أي مشروع اقليمي اذا جرى اقصاء الاردن او محاولة العبث فيه واكد انه رقم صعب في المنطقة لا يمكن تجاوزه ..


- انتهى الدرس الملكي وأوراق الملك لا تعد ولا تحصى يوظفها بالطريقة التي تخدم المصالح الأردنية العليا وهذا الأمر يؤرق قادة أسرائيل ونتنياهو تحديدا الذي لم يعد يستطيع أخفاء بغضه للملك فأكثر ما يخشاه أعادة فتح الأردن ابوابه باتجاه معسكر السلام الاسرائيلي الذي ورثه الملك عن الراحل الكبير الحسين للتأثير في الراي العام الأسرائيلي ..

هذا ما يمكننا نشره وعلى السياسيين والكتاب الذين خاضوا البحر ولجاته وخضوا الماء وأشبعونا تنظيرا اعادة تقدير موقفهم ..