أوكرانيا بين مخالب الدب الروسي ودفء الحضن الاوروبي


أوكرانيا (روس كييف ) ...هكذا كان يطلق عليها في القرن الثالث عشر, وبمحافظاتها الاربع والعشرين وبسكانها الذين يقاربون الخمسة والاربعين مليون نسمه , ثلثيهم من أصول أوكرانية والباقي نتاج ارث الوحدة السوفيتية المنهاره , وباعتبارها ثاني أكبر دول أوروبا الشرقيه ومن أبرز مؤسسي الاتحاد السيوفيتي بعد الحرب العالمية الاولى تعيش اوكرانيا هذه الايام حالة الازدواجية بين ماضيها المتجذر في تاريخ الاتحاد السيوفيتي وبين تطلعاتها نحو الغرب الاوروبي ,فمن الكرملن يخاطب بوتن روح الاشتراكية في أوكرانيا ومن بروكسل يخاطب الاوروبيون شهوات الاوكران في الازدهار الاقتصادي ورغباتهم في التخلص من الهيمنة الروسية ,فلا أحد يمكن أن يخفي أن الماكينات الدوبلوماسية تعمل بكامل طاقتها لتسيير الامور نحو شراكة كاملة مع الاتحاد الاوروبي ,وتفكيك كل العقبات الاقتصادية منها والسياسية ,والجدير بالذكر هنا أن عقل المواطن الاوكراني وواقعه يعيشان ايضا اضطرابا كبيرا , فالاول استفاق للحلم قبل الثاني , وهذا قد يكون طبيعيا لو أن الفكرة في الشراكة صاحبها ارادة سريعة لتغير والتنمية بما يتناسب مع عرض الفكرة على الغرب الاوروبي , ولكن المطلع على الواقع الجيوسياسي لاوكرانيا يعلم أن شعب منطقة (الدونباس ) مثلا والموجوده في الشرق الاوكراني والمتاخمة للحدود الروسية أكثريته من أصول روسية ,والمنطقة بأكلمها تقريبا تتحدث الروسية وليس الاوكرانية وجامعتها ولغة التخاطب شبه الرسمية فيها هي باللغة الروسية , وبالتالي فنحن نتحدث عن مصاهره متشعبة مع العملاق الروسي و في نفس الوقت محاولة لعقد قران الدولة الاوكرانية مع اوروبا .

وفي خضم التطورات الحالية تحاول اوكرانيا أن تضع اللبنات الاساس لاستجداء الرضا الاوروبي وتخفيف حدة العتب الروسي على الفكرة في آن معا ,وذلك من خلال التاكيد على استقلالية قرارها وأن ما تطمح له لن يضر مصلحة الكرملن ومحاولات لجر الامر والدخول في قنوات دوبلوماسية بحته مع روسيا في محاولة لتجاهل تحذيراتها , ويتم كل ذلك بطريقة لطيفة غير عدائية , وتتهرب اوكرانيا قدر الامكان من دعوات لعقد جلسات ثنائية تهدف فيها روسيا الى توسيع النقاش وتفنيد المصالح وبالتالي اضاعة الوقت والفرصة , فمثلا في قمة العشرين الاخيره لم تتطرق بنود وبرنامج اعمال القمة لاي شيء يخص قضية الشراكة الاقتصادية بين أوكرانيا والاتحاد الاوروبي , وحتى بوتن لم يستخدم جرأته السياسية في التلميح لذلك ,فبوتن كان يصرح منفردا ويقدم النصائح كذلك ,فمن المقترحات الروسية التي طُرحها دعوة اوكرانيا للانضمام للاتحاد الجمركي (روسيا ,بلا روسيا ,كازخستان )..وتبشير اوكرانيا بانها ستجني من هذا الاتحاد في حالة الانضام له مكاسب تعلو عن 9 مليار دولار ,ولكن ومن المؤكد أن الدب الروسي لا يعطي الا وهو يعلم الثمن المقابل ,فغاز روسيا والتبادل التجاري الكبير والوجود العسكري الملحوظ نسبيا لروس يجعلها جاهزة لرمي الاوراق الضاغطة مباشرة بمجرد امتلاك تلك المكاسب , والجدير بذكر ان ذلك الاتحاد اذا ما تم يمنع شراكة الاوكران الاقتصادية مع اوروبا .

اذن نحن في حالة حرب صامته تسعى الدبلوماسية الاوكرانية لقيادتها قدر الامكان , وتقيض الحوار داخل الغرف المغلقه ,لتقليص الهرج السياسي والمد والجزر اللذان يحترفهما ساكنوا الكرملن , ومحاولة لانهاء الخلافات على عجل وفي صمت , الا أن بوتن ومن جهته يأبى الا أن يرد الاوكران علنا لتكون الامور بالنسبة له واضحه وعلمه أن الاجوبة الاوكرانية على أسئلته لن ترضي الاوروبيين , وبين هذا وذاك سيكون على اوكرانيا أن تقرأ الوضع القائم بشكل دقيق يقودها لحالة الاستقرار والتفاهم المستمر مع الجارة الروسية , دون اللجوء الى استعمال اوراق الضغط التي يمتلكها كلا الطرفين فقد صرح بوتن قائلا "اننا نحترم سعي اوكرانيا للشراكة مع الاتحاد الاوروبي ولكننا نخشى على اقتصادنا "فمثلا روسيا ألمحت باغلاق حدودها امام النشاط التجاري الاوكراني الذي قد يفقدها ارباح تصل الى 3 مليارات دولار ورفضها لخفض سعر الغاز الروسي الذي يكلف اوكرانيا سنويا اكثر من 20 مليار دولار ,وهي بدورها تستطيع التهديد بمنع امداد الغاز الروسي من خلال اراضيها لاوروبا والذي يمكن أن يهدد روسيا بخسارة منفعة تصدير أكثر من 118 مليار متر مكعب من الغاز الى هناك ,وتاكديها على قدرة ابرام اتفاقيات تزويد لطاقة مع كبريات الشركات الاوروبية مثل (اكسل موبيل ,وشل )...وكل ما ذُكر يشكل أيضا تهديد وارباك للاوروبين الذين بدورهم يدفعون الاوكران نحو حل ازماتهم مع الروس دون الاضرار بمصالحهم ,فأوكرانيا جيواقتصاديا هي في مأزق حقيقي تحاول بدورها عدم تضخيمه وتهويله واصرارها الملحوظ في المضي نحو انجاح فكرة الشراكه .

ولا تختلف القوى السياسية والعسكرية الآن في العالم أن دوبلوماسية الدب الروسي وقوته العسكرية أصبحاتا لاعبين قويين في مجريات الاحداث في العالم بأسره ,فالازمة السورية مثلا خلقت انطباعا قويا لدى الاوروبين والامريكان وقبلهم دولة الاتحاد الاشتراكي سابقا وخاصة اوكرانيا وبينت أن حقبة "قورباتشوف" وما تلاها بعد الانهيار قد انتهت وبدأت روسيا عهدا جديدا بفكر متجدد ,لذلك فالاوروبيون يحاولون الابتعاد قدر الامكان عن الدخول في دوامات الدبلوماسية الروسية وأمريكا كعادتها تراقب من بعيد وتعمل على اغلاق طريق العودة على الاوروبين لتراجع الى الوراء في فكرة الشراكة مع اوكرانيا ,وفي النهاية نستطيع القول أن قدرات اوكرانيا وثرواتها على الارض ومميزات شعبها تجعلها قادرة على صناعة اقتصاد عملاق بوجود سوق حر ومنفتح وبطبيعتها الخلابه يمكنها أن تكون المتحكم الاول في أرباح الاستثمار الاوروبي في السياحة اذا ما أصبحت جزءا منه ,فالرئيس الاوكراني صرح في منتدى اقتصادي في مدينة يالطا الاوكرانية باسم ( يالطا - الاستراتيجية الاوروبية ) أن "أوكرانيا تقع بين عملاقين ونحن نشعر بذلك كل يوم ,ولكن شراكتنا مع الاتحاد الاوروبي تُعتبر خيارا استراتيجيا لبلادنا "...وفي رد تحميسي صرح به سفير الاتحاد الاوروبي "ان أوكرانيا تقف أمام خيارين ...اما الرفاهية أو الكساد ".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات