معان تتمرد .. هل سيتدخل جلالة الملك ؟


هكذا انتهت الأمور في مدينة معان إلى غير ما يرام ، فبالإضافة إلى ما هي فيه من بلاوي زرقا ،ظهرت للأهالي هناك حسب ما تناقلته وسائل الإعلام شبكات متخصصة ،استقطبت عشرات الشبان الصغار ،وتجهيزهم وتدريبهم على السلاح ،ومن ثم نقلهم إلى مناطق القتال في سوريا ،بغض النظر عن أعمارهم وظروفهم ،بسبب غياب الحكومة تماما ورفع يدها عن كل شيء.

لندع الإنكار والخداع جانبا ،ولنعترف بالحقيقة المرة ، ونتخلى عن الحلول السطحية والمعالجات الأمنية الفقيرة ،ولنبحث عن الوسائل العلمية وألاساليب الفعلية الجادة لحل المشكلة. فالحقيقة الناصعة هي أن معان تتفجر امنيا ،وغلبت على نفوس كثير من شبابها نزعة التشاؤم ،واستحوذ على رؤؤسهم الفكر الشيطاني ،وانخرطوا في مجاهل الجريمة والانحراف بعد أن حرمتهم الدولة فرصة التفكير الصحيح، ومنعتهم حياة الشرف والكرامة وأجبرتهم على العيش داخل حدود الحرمان والفقر ،وكانت المدينة دائما وأبدا خارج تفكير الحكومات وفي ذيل اهتماماتها ،فانزلق كثير من أبنائها إلى مزالق هاوية التطرف ،او العمل بالمهن الوضيعة لتامين لقمة العيش.نتيجة البطالة وغياب مصادر الرزق وبرامج ومشاريع التنمية .

انتظم عقد الفوضى والاضطراب في معان ،وتوثقت عرى العلاقة المروعة بين المجرمين، وأصبحت مقصدا للخارجين عن القانون وملاذا آمنا لهم ، وأعلنت الحكومة أنها بصدد الانسحاب الأمني ،وإلغاء آخر مراكز الشرطة القائم بوسط المدينة منذ ما يقارب القرن ،بعد أن أزالت المحطات الأمنية والدوريات، وغادرتها أجهزة البحث الجنائي والمخدرات وطواقم مكافحة الجريمة ،فاستيقظت الخلايا الإجرامية النائمة وأخذت تعمل في العلن ،وأزفت ساعة العصيان وضبطت في إحدى منازل المحافظة قبل أيام كميات كبيرة من الأسلحة المختلفة، من بنادق ومسدسات وعتاد وذخيرة، إضافة إلى عدد من القنابل الدخانية والضوئية والمناظير الليلية ..

معان معزولة ،وأصبحت مستودعا للأسلحة ،ومكانا آمنا لتخزين المخدرات والمسروقات ،وهذه هي الحقيقة المؤكدة بغض النظر عما يقوله الإعلام الرسمي الذي يخالف الواقع والتقارير المضللة التي تحجب الحقيقة عن صاحب القرار الأول ، وتدعي بأن الأوضاع مستقرة وتحت السيطرة .والتي تسببت في وصول الأمور إلى هذه المواصيل المؤسفة .

لفتت الإحداث عناية رئيس الوزراء ،وحرك ساكنا، فأطل برأسه من شباك الأزمة ملقيا نظرة خاطفة على المشهد ،ومن قبيل رفع العتب بادر لاتخاذ إجراءات عاجلة بلغت ذروتها بتناول طعام الإفطار الرمضاني مع نواب المحافظة في عمان مرة ، واجتمع مرة أخرى بدار الرئاسة اجتماعا متثاقلا مع وفد المدينة ،وصف بعدها بأنه اجتماع فاشل ،لأنه كان خاطفا وفارغا، ولم يقدم حلولا جادة للمشكلة، وقدم دولته بذلك كل ما لديه من ادوار حيال الأزمة .

المشكلة تزداد اتساعا وتعقيدا يوما بعد يوم ،والمدينة على أسوأ أحوالها الأمنية ،وتخشى الطبقة العليا من النظام زيارتها والتجوال فيها بأمان كبقية مدن المملكة ،والظاهر أنها ستصبح عما قريب ،او لعلها أصبحت بالفعل سيناء الأردن ،وتتحمل الدولة من( راسها إلى ساسها )مسؤولية ما يحدث هناك ،وقد أهملت المدينة إهمالا مزمنا ،وإذا كنا ننسى ،فإننا لن ننسى أحداث الفوضى التي عمت معظم البلاد عام 1989 انطلاقا من معان لنفس الظروف والأسباب التي تمر بها الآن، ولقد لعبت تلك الأحداث دورا هاما في تغيير مجرى الأوضاع الداخلية ،ولو فتشنا في أعماق الذاكرة لوجدنا أنها كانت السبب وراء إعادة الحياة النيابية بعد وقفها لعقود.

تخلي الدولة عن معان ،فتح المجال لتعريض شبابها إلى عمليات غسل دماغ، لتوليد مشاعر كراهية المجتمع والرغبة الجامحة للقيام بأعمال عنف، والخروج على النواميس الاجتماعية ،وقوانين النظام العام وإعلان العصيان ،وقال والد احد الأطفال الذين غادروا إلى سوريا بواسطة شبكات تعمل بنشاط. ان بلدنا لم تعد آمنة كما كانت ،فقد فقدت ابني ووحيدي والذي يبلغ من العمر 15 عاما حين غادر دون علمي إلى سوريا ،وأكد أن الوعي المجتمعي تعرض لمؤامرة وتزييف واستلاب، بهدف استغلال طاقات وتوجهات الشباب فيه ،مضيفا أن تجنيد الأطفال لغايات سياسية وقتالية مخالف للشرائع والقوانين المحلية والدولية ،فأين هي حكومتنا عن تلك الفوضى؟.

أنفرط عقد الدولة في معان ،و فقدت قوتها وهيبتها وهيمنتها وسلطانها ،وانسحبت الدوائر السيادية والأمنية إلى طرف المدينة والتصقت بحافة الطريق الصحراوي المؤدي الى العقبة التماسا للامان .وأما بقايا الحكومة من الدوائر الخدمية فيديرها ويعمل بها أبناء المدينة الأمر الذي يوفر الحماية الذاتية لها .

وأخيرا وكما كان متوقعا وقعت المدينة في قبضة أرباب السوابق والمتطرفين ،و ما كان هو أول الخطوط الثورية المسلحة وأشد منه سيكون ،بعد ان تجاهلت الدولة استصراخ معان لتوجيه سلوك الشباب لمنع شذوذهم ،والحيلولة دون وصول المنحرفين سلوكيا وفكريا لتوريطهم بادوار إرهابية وجنائية مدمرة ستجعل الولدان شيبا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات