الشيخ القرضاوي داخل زنزانة


إن من أبرز السمات التي تتصف بها الشخصية العربية، هي سمة "الإزدواجية" إلى درجة أنها قد تحولت إلى ظاهرة مقيتة، استفحلت في مجتمعاتنا العربية، مستوطنةً بشكل بارز النخب السياسية، والثقافية، والإجتماعية، والدينية...
إن مفهوم الإزدواجية يشير باختصار إلى: ذلك الشخص الذي يُصدر أقوالاً وأفكاراً، تتناقض مع أفعاله وسلوكاته، ولذا فالشخص الذي يحث على فضيلة من الفضائل، وفي الوقت نفسه يرتكب ما يتجاوز تلك الفضيلة إلى النقيض، فإنه حتماً يعاني من داء الفصام أو الإزدواجية. قال تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم".
ففي الوقت الذي لا نلتفت فيه إلى ازدواجية الشخصية، لدى الأفراد العاديين أو الدهماء، فإننا نلتفت كل الإلتفات، إلى تلك المواقف المتاقضة والسلوكات الصادمة، التي تصدر عن الشخصيات العامة في المجتمع، لكونها تلعب دوراً كبيراً على مسرح الحياة الغني: بتنوعه، وتعدده، وشموليته. وهذا الدور تكمن خطورته، في كونه أصبح محركاً من محركات الواقع بكآفة اتجاهاته، ومجالاته، ومساراته.
إننا قد نلتمس العذر لعدد كبير من الناس، الذين تظهر لديهم أعراض الإزدواجية، وقد نسوق ألف مبرر لتناقضاتهم الفجّة التي تندّ عنهم، كما قد نوجه لوماً شديداً لبعض النخب الثقافية، عما يبدر من أصحابها من ازدواجية في أطروحاتهم، التي طالما أشبعونا ايماناً بها على أنها ثوابت، لا تغيرها المنفعة، ولا يؤرجحها الخوف، ولا يعتور منهجيتها التزلف، ولكننا نقف مكتوفي الأيدي وألسنتنا معقودة بالدهشة، أمام ازدواجية بعض "الرموز الدينية" التي طالما حظيت بكل ألوان المهابة والإحترام والتقدير.
بالفعل استطاعت تلك الرموز، أو القامات الدينية السامقة، أن تحيط نفسها – عبر فترات زمنية طويلة ومن خلال قنوات إعلامية نافذة – بهالة مقدسة ارتقت إلى قداسة الأنبياء والمرسلين.
ولأن الفرد المسلم يتصف بعاطفة دينية جياشة، جعلته يتعامل مع تلك القامات بلغة المسلّمات والحتميات متنازلاً بطريقة لا شعورية، عن لغة العقل والمنطق التي حث عليها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.
وبالتالي أصبح الخطاب الديني الصادر عن تلك الرموز، خطاباً فوق النقد وفوق التفنيد، لدرجة أن الشخص الذي يحاول أن ينفذ بسهام نقده إلى حقيقة تلك الهالة، وإخضاعها إلى أحكام العقل قد يتعرض إلى الإغتيال، أو التكفير، أو قد يتعرض إنتاجه الفكري إلى الحرق والإبادة، كما حدث مع الفيلسوف العربي (ابن رشد).
فلو كان لدى هؤلاء (الظلاميين) أدنى ثقافة دينية، لأطالوا الوقوف عند قول الإمام مالك - رحمه الله - "كل كلام يؤخذ منه ويُرد إلا كلام صاحب هذا القبر" مشيراً إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
للأسف هذا الفريق الظلامي المخدّر عاطفياً، له حضور واضح في كل مكان، يدافع وينافح عن تلك "الهالات المقدسة"، دون علمٍ أو منهج أو دراية، لا لشيء إلا ليناله بدفاعه عنها بعض القبس، وليُخرج ذاته من دائرة (النكرة) إلى دائرة (المعرفة)، هؤلاء يحثون جميع الناس على ضرورة تقليد أصحاب الهالات، ومحاكاة طقوسهم وهيئاتهم وحتى نبرات أصواتهم، وبعد فترة من الزمن، يُصدرون أحكاماً بعيدة عن كتاب الله وسنة نبيه؛ نتيجة وقوعهم في درك التقليد الأعمى البغيض. قال تعالى "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله".
إنه لمن نافلة القول، بأن الوطن العربي يعج بعدد من تلك الهالات وأشباهها، ولكننا لن نتناول بهذا المقام سوى هالة واحدة، خطفت أغلب العقول والقلوب، وغطت على جميع الهالات الأخرى، فتفردت بجماهيرية واسعة النطاق، إنها هالة "شيخ الإسلام" يوسف القرضاوي.
هذا الشيخ الذي طالما دعونا الله أن يمد في عمره، وأن يمتعه بالصحة والعافية؛ لأنه كان أنموذجاً للصوت الحر، والممانع، والمعتدل، والنزيه، كنا نتابعه بشغف دون كلل أو ملل، نصفق له في كل وقت وحين، فإذا أفتى أطعنا وطبقنا، وإذا نصح ننتصح، وإذا بكى بكينا، وإذا مرض هرعنا إلى الله بالدعاء طلباً لشفائه ومعافاته. هذا ما كنا عليه وما كان عليه شيخنا القرضاوي قبل دخوله على خط كثيرٍ من ثورات "الصقيع العربي" وقبل تحوله إلى مرجعية سياسية بدلاً من الدينية.
بعد دخول الشيخ على خط الثورات، بدأت هالته تخفت بشكل تدريجي، وبدأت أعراض الإزدواجية ترشح من أعطافه، وتسيل من لسانه، فتارة يناصر شعباً في ثورته، وأخرى يصمت عن ثورة شعب آخر، يكفر طاغية ويُفتي بقتله، ويسكت عن آخر ويسير بركبه، يطلب النصرة من الأجنبي ضد نظام معين، ويحرمها ضد آخر، يناهض التطبيع وينام في أحضان المطبعين...
وظلت المواقف تتوالى حتى اختفت هالته النورانية، متحولة إلى هالة من نار، التهمت شفافيته ومصداقيته.
أيها الشيخ لن نسألك عن أموالك، ولن نقول لك: من أين لك هذا؟ ولن نسألك عن كيفية إرسال أنجالك إلى أرقى الجامعات الغربية، ومَنْ الجهة التي تكفلت بنفقاتهم؟ ولن نسألك عن ريش النعام الذي يغمر سرير نومك متسللاً بعض زغبه إلى شعر لحيتك، ولن نسألك عن القصور التي ترتادها وتنام فيها.
ولن نسألك عن عدم ايفاد شبلٍ من أشبالك إلى العراق، أو أفغانستان، أو الشيشان، أو فلسطين؛ لينضم إلى قوافل الشرف والشهادة، ولن نسألك عن عدم التحاقك بإخوانك المجاهدين لتحمل راية الجهاد قائداً لهم، ألست القدوة والَمَثل؟! لن نسألك عن .. ولن نسألك عن.. ولكنه من حقنا أن نسألك: كيف تجرأت على منبر رسول الله – في جامع عمر بن الخطاب – أن تشكر أعتى دولة امبريالية عرفها التاريخ، وأكبر دولة راعية للبلطجة الإسرائيلية، وأقذر دولة تستخدم فن الكيل بمكيالين، شكرتها على تقديمها السلاح للمقاتلين السوريين بقيمة (60) مليون دولار، للمقاتلين الذين يقتلون إخوتهم وأهلهم، ولم تكتفِ بذلك بل طالبتها بالمزيد!!
وعاتبتها على أنها لم تفعل في سورية ما فعلته في ليبيا، وطالبتها بالوقوف وقفة رجولة، وأن تقف وقفة لله وللخير والحق!!
ألا تعلم يا شيخ ما فعلته في ليبيا، وكم قتلت ومن قتلت؟! ألا تعلم أنها قامت بتقسيمها، كما تقوم الآن بتقسيم العراق؟! ألا تعلم بأنها مكَّنت لإسرائيل في الأرض، وعقدت مع تجار الأوطان صفقة، للتنازل عن الأرض ودماء الشهداء، دون أن نسمع من حنجرتك الذهبية أدنى رفضٍ أو امتعاض!! لم نشاهدك تقف وقفة لله وللخير، ولا وقفة رجولة، لفضح خطة " أميرك وولي نعمتك"، رغم أن الصفقة مرت من تحت عمامتك!! تطلب النصرة من دولة استهترت بمقدساتنا وكرامتنا، ونهبت خيرات بلادنا، وشربت أنهار نفطنا، واغتصبت نخيل عراقنا، وهتكت أعراض نسائنا؟!!
يا شيخ يبدو أنه مازال لديك بعض من حياء، فأنت شكرت أمريكا وقصدت إسرائيل فقد طبقت المثل القائل: "إيِاك أعني واسمعي يا جارة". لقد خجلتَ من أن تسميها، ولكنها لم تخجل من تلبية طلبك على الفور، فسرعان ما قصفت دمشق عاصمة الأمويين، هذه العاصمة التي تتعرض إلى أقذر وأخطر مؤامرة في تاريخها، حتماً أنت تعلم بذلك؛ لأنك كنت بارعاً في نسج خيوطها مع نساجي قتلة "العواصم العربية".
تلك الغارة الإسرائيلية لم تقصف دمشق فحسب، بل قصفت معها هيبتك وجماهيرتك، تلك الغارة لم تحرق دمشق، بل حرقت ثوبك وتركتك عارياً على شواطئ أسيادك، مدارياً عورتك بالإختباء في القواعد الأمريكية على أرض "أميرك" تلك القواعد التي يقض أزيز طائراتها مضجعك في الليل والنهار، دون أن تنبس ببنة شفة!!
نحن لا نعرف هذه المرة كم دفعوا لك؟! ولكننا نعرف ما أخذوه منك، ورد في الأثر "إنك لن تصيب من دنياهم شيئاً، إلا أصابوا من دينك أفضل منه" وقد ورد على لسان سفيان الثوري – رحمه الله – "من دق لهم دواة أوبرى لهم قلماً فهو شريكهم في كل دم في المشرق والمغرب".
لِمَ لم تهرول أيها الشيخ إلى "الإخوة الأعداء" في سورية، كما هرولت إلى أفغانستان لإنقاذ الأصنام، وتدعوهم إلى كلمة سواء، وتذكرهم بروابط الدم والعقيدة والوطن، بدلاً من حثهم على الإقتتال؟!
لِمَ لم تذكرهم بقول الإمام ابن عبد البر الأندلسي – رحمه الله – "فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه، لأن في منازعته والخروج عليه: استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي الدهماء، وتبييت الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض..."
لِمَ لم تذكرهم بقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – "لعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته".
ليتك يا شيخ بقيت محافظاً على توازنك ووقارك ونقاء مواعظك، ليتك يا شيخ السلاطين والأمراء لم تتمسح ببلاطهم، ليتك تذكرت قول المصطفى "ص": "من أتى أبواب السلاطين افتتن، وما ازداد عبد من السلطان قرباً، إلا ازداد من الله بعداً" ليتك أخذت بقول نبي الحق:"إن الله يحب الأمراء إذا خالطوا العلماء، ويمقت العلماء إذا خالطوا الأمراء، لأن العلماء إذا خالطوا الأمراء رغبوا في الدنيا، والأمراء إذا خالطوا العلماء رغبوا في الآخرة".
ليتك فعلت كما فعل ابن تيمية، عندما أوشكت جيوش المغول أن تنقض على دمشق، لقد سارع بطلب النُّصرة من (العرب والمسلمين)، محرضاً أهل الشام وأهل مصر على الجهاد في سبيل الله، وسافر لحث السلاطين على الجهاد، وكان ذلك في شهر رمضان، ولإدراكه حساسية الموقف، فقد أفتى – بعد اجتماع الجيوش في "شقحب" أو مرج الصفر جنوب دمشق – بضرورة الإفطار، وقال بأنه خير من الصيام.
فدار على الجنود يأكل أمامهم، ليشجعهم على الأكل، ولم يكتفِ بذلك بل قاد المعركة بنفسه، حتى انتهت المعركة بانتصار المسلمين، مفوّتاً الفرصة على المغول دخول الشام، والعراق، ومصر، والحجاز.
ليتك دخلت السجن مثله، ودخلت زنزانةً مثل زنزانته وفاءً للمبادئ والدين، ليتك فعلت مثلما فعل، بدلاً من أن تصبح أسير زنزانة الشهوات والملذات وأهواء الحكام والأمراء، أسير زنزانة أعداء العروبة والإسلام.
اعلم أيها الشيخ: بأننا لا ندافع بكل ما سقناه، إلا عن سورية التاريخ والحضارة والإشراق، والمسجد الأموي، وعن أبي العلاء المعري، وعن أبي الطيب المتنبي، وعن فرات سورية، ومكتباتها العريقة، وأبجديتها، والأهم من ذلك كله لا ندافع إلا عن الشعب السوري العظيم.



تعليقات القراء

حاخام بني قريضة
لقد نجًس القرضاوي ارض غزة وفلسطين كلها ,هذا الحاخام الأكبر والجاسوس اللئيم بلغته العربية وتستره بالدين,عار على اي فلسطيني استقباله واحتضانه,ومن العيب اعطاؤه جوازا فلسطينيا ممن لا يملك حق التصرف بذلك,انه واتباعه ومن يستقوي به وبدولته الخائنة كلهم عملاء ,فهم من قسموا وفتتوا وحدة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وزرعوا الفتنة بين ابناء الشعب العربي الواحد لتستفيد دولة اليهود التي يدعملها القرضاوي واتباعه ,تبا لهم وتبا لأيديهم المدنسة بالدم الفلسطيني ودم كل انسان عربي
09-05-2013 09:23 PM
قارئ
المقال يسيء لشخصية اسلامية كبيرة لها احترامها والاخ الكاتب اخطأ اذا كان يديه نقد فهو دكتور ويستطيع ذلك دون الاساءة للشيخ الكبير يوسف القرضاوي
09-05-2013 11:41 PM
احترام شخصية الشيخ والشايب .« أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولداً وأوسطهم أخاً وكبيرهم أباً »
إن أحد أهم عوامل الانسجام وحسن التفاهم بين الشيوخ والشباب في محيط الاسرة والمجتمع ، هو احترام شخصية جميع أفراد هاتنين الفئتين ، والإهتمام بهم ، وأن لا يرى نفسه في أي سن كان ، مهاناً وأن لا يشعر بأي مسّ مهين لعزّة نفسه وشخصيته ، وأن لا يحس بعدم الإطمئنان وفقدان الأمن .
ويفرح الإنسان لدى احترام الآخرين له ، ويعتبر ذلك من أكبر حالات السعادة بالنسبة له ، بينما يشعر بعدم الارتياح والغضب لدى توجيه الإهانة والاحتقار إليه ، ويعتبر ذلك تصرّفاً سيئاً يوجَّه إليه . والإنسان ، طبيعياً يحب من يعمل الخير له ، ويعادي من يعمل له السوء .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « جبلت القلوب على حب من أحسن إليها
جميع أفراد البشر على اختلاف مشاربهم يحبون أن يكونوا موضع تكريم واحترام ، ونحن إذا اعتبرنا الآخرين مثلنا ، ووضعنا أنفسنا موضع قياسٍ في المعاشرة والاختلاط بهم ، واحترام شخصياتهم ، طبقاً لهذه الرغبة الفطرية فإننا نستطيع بسهولة أن نجذب محبتهم واحترامهم ونعيش معهم بحسن تفاهم .

جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله علمني عملاً أدخل به الجنة ، فقال : « ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم ، وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم » (2) .
فكما نبدي نحن عدم الارتياح لإهانة الآخرين لنا ، ونقوم برد فعلٍ مهين ، كذلك فإن إهانتنا للآخرين تؤدي إلى عدم الارتياح ، وتؤلم ، فإذا واجهنا إهانتهم برد فعل مماثل عندها يجب أن نلوم أنفسنا .
قال الصادق عليه السلام : « من يفعل السوء بالناس فلا ينكر السوء إذا فعل به » (3) .

إن احترام شخصية الناس يؤدي إلى جذب المحبة ، وهو رمز النجاج والتوفيق . وإهانة وتحقير الناس وسيلة لإيجاد الحقد والعداء وسبب للحرمان والفشل ولكي يقف الشباب والشيوخ على أهمية تكريم بعضهم لبعض ، ويتعرفوا على دور ذلك في التفاهم الاُسري والاجتماعي بصورة أفضل
10-05-2013 10:06 AM
حكم التطاول على العلماء
فالعلماء الربانيون يجب احترامهم وإجلالهم، لما يحملونه من دين الله جل وعلا، ومن ميراث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فالعلماء ورثة الأنبياء، وهم الذين استشهد الله عز وجل بهم على أجل مشهود به وهو التوحيد وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، فقال تعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {آل عمران:18}. وفي ضمن ذلك تعديلهم فإنه سبحانه وتعالى لا يستشهد بمجروح.

وقال ابن عساكر: إن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، فمن أطلق لسانه في العلماء بالانتقاص والثلب، ابتلاه الله عز وجل قبل موته بموت القلب.
واعلم أن كل ما ورد في حرمة أعراض المسلمين والنهي عن النيل منها، فالعلماء الربانيون هم أولى من يشملهم ذلك، والتطاول على العلماء -مع كونه محرماً- يهون من قيمة العلم وأهله، وفي هذا من المفاسد ما لا يخفى إضافة إلى أنه في حالة كون التطاول على العلماء جملة، يخشى أن يصل صاحبه إلى الردة، لأن التطاول حينئذ يكون على ما يحملونه من الدين، وليس لسبب شخصي،
10-05-2013 10:07 AM
التطاول على العلماء وتتبع زلاتهم أمر مذموم ( رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنيه عالم جليل وخطيب مفوهه وحافظ لكتاب الله ويحمل درجة الدكتوراه )
ويقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ العالِم لَيستغفِرُ له مَن في السَّماوات ومَن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلم، فمَن أخَذه أخَذ بحظٍّ وافِر))

ويقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ العالِم لَيستغفِرُ له مَن في السَّماوات ومَن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلم، فمَن أخَذه أخَذ بحظٍّ وافِر))

وقال - سبحانه -: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
ويقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس منَّا مَن لم يجلَّ كبيرَنا، ويرحَمْ صغيرَنا، ويَعرِفْ لعالِمِنا حقَّه))؛
إذا كان هذا مُتوقَّعًا من قِبَلِ الذين لا يُقِيمون للدِّين وزنًا ومن المُسرِفين على أنفُسهم، فمن الغريب جِدًّا أنْ يظهَرَ ذلك ممَّن يدَّعون أنهم من الملتزِمين للخطِّ الإسلامي في الفِكر والسُّلوك، والجريمة تَبقَى جريمةً بغضِّ النظَر عمَّن صدرَتْ عنه، فالقائم بالعمل القبيح المحرَّم مجرم،ٌ سواء كان ممَّن عُرِفُوا بالإجرام، أو كان ممَّن يدَّعون محاربة الإجرام، فهما سَواء.
وهذا التطاوُل على العلماء السابقين والمعاصرين جريمةٌ في حَقِّ العلم؛ إذ لا بُدَّ من الاعتراف بالفضل للمتقدِّمين من العلماء الأوَّلين، وللمتميِّزين من العُلَماء المُعاصِرين.

والتطاوُل على العلماء تشكيكٌ للناس بأئمَّة الدِّين ونقَلَة الشريعة، ولا يُخفِّف من عظمة الجريمة أنْ يُغلِّف هذا المتطاوِل هُجومَه بالثناء على مَن يتطاوَل عليه؛ ليجعل ذلك مقدمة لطَعنِه، وليدَّعي أنَّه قال ما له وما عليه، وهو في الحقيقة لم يفعلْ.
وممَّا يتَّصل بهذا المعنى أنْ يعمد رجلٌ من هؤلاء الناشئين إلى مسألةٍ جزئيَّة هي محلُّ خِلافٍ بين العُلَماء، ويشنع على بعض الأئمَّة الذين يُخالِفون ما يراه، ويُؤسِفني أنْ أُقرِّر أنَّ كثيرًا من هؤلاء المغرورين يفعلون ذلك ابتغاءَ الظُّهور بمظهر العالم الذي يُخطِّئ الشافعيَّ ومالكًا، وابتغاءَ التميُّز؛ فيَنال من أئمَّة الهدى والفقه ويقول: نحن رجالٌ وهم رجالٌ.. كَبُرتْ كلمة يقولها، إنَّه مُدَّعٍ مغرورٌ بعيدٌ عن الحقيقة، وهناك مَن يفعَلُ ذلك في مجال الأدباء والشعراء، قال أبو الفرج الأصفهاني في ترجمة أبي تمام: "وفي عصرنا مَن يتعصَّب له فيفرط، حتى يُفضِّله على كلِّ سالفٍ وخالفٍ، وأقوام يتعمَّدون الرَّدِيء من شِعره فينشُرونه، ويطوون محاسنَه، ويستَعمِلون القحة والمكابرة في ذلك؛ ليقول الجاهل بهم: إنهم لم يبلُغوا علمَ هذا وتميُّزه إلا بأدبٍ فاضلٍ، وعلمٍ ثاقب، وهذا ممَّا يتَكسَّب به كثيرٌ من أهل هذا الدهر، ويجعلونه وما جرى مجراه من ثَلْبِ الناس وطلب معايبهم، سببًا للترفُّع، وطلباً للرِّياسة، وليست إساءة مَن أساء في القليل وأحسن في الكثير مسقطةً إحسانَه، ولو كثُرت إساءته أيضًا ثم أحسن، لم يقلْ له عند الإحسان: أسأت، ولا عند الصواب أخطأت، والتوسُّط في كلِّ شيء أجمل، والحق أحقُّ أنْ يُتَّبعَ".

والعلماء بشَر من البشَر مُعرَّضون للوُقوع في الخطأ بِحُكم بشريَّتهم، ونحن - أهلَ السنَّة والجماعة - ليس عندنا معصومٌ إلا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يُبلِّغ عن ربهِّ، والمحقِّقون من أهل العلم يغتَفِرون خطأَ العالم لكثرة صَوابه، ولا يتَّبعونه إلا فيما أصاب فيه، وهو مأجورٌ فيما أخطأ به.

قال بعضُهم: العلماء سُرُجُ الأمَّة، كلُّ واحدٍ مصباحُ زمانِه يستضيء به أهلُ عصره، وقال يحيى بن مُعاذ: العلماء أرحَمُ بأمَّة محمد من آبائهم وأمَّهاتهم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأنَّ آباءهم وأمَّهاتهم يحفَظُونهم من نار الدنيا، والعلماء يحفَظُونهم من نار الآخِرة.
فلا يحقُّ لنا أنْ نبخَسَهم شيئًا من فضلهم وعِلمهم وهدايتهم.
يقول الله - تعالى - على لسان شعيب وهو يَعِظُ قومه: ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
10-05-2013 10:07 AM
احمد الازايده
لقد جانبك الصواب وطاولت قمم قصرت دونها القامات ودحلت ميدان ليس ميدان لترهاتك وجاوزت قدرك فتكلم على قدرك
10-05-2013 10:22 AM
حسام عبيدات
عندما قرأت بعض التعليقات الرافضة للمقال عدت مرة أخرى لقراءة المقال من جديد عدة مرات فوجدت بعدها أن المقال في وادي والتعليقات في وادي آخر فالمقال تناول مواقف الشيخ السياسية ولم يتناول مواقفه الدينية وواضح جدا أن كاتب المقال كان يتألم على الأخطاء التي صدرت عن الشيخ والكاتب كان يعلم أن هناك من سيكفره وينتقده وأنا من الأشخاص الذين عندما قرأت العنوان امتلكني الغضب ولكن عندما قرأته وجدت أن المقال منطقي والقرضاوي ليس نبيا بل هو يا أخوتي بشر فاتقوا الله في تعليقاتكم واتقوا الله بهذه الأمة ونسأل الله أن يهدينا وأياكم.
10-05-2013 11:44 AM
الله محيي الجيش الحر
بارك في الشيخ الجليل القرضاوي على مواقفه المشرفة من الثورات العربية ونصره للشعوب المغلوبة على امرها واهلك الطغاة ومن والاهم
10-05-2013 01:45 PM
احسنب
احسنت يا دكتور باستدلالاتك الشرعية ونصوصك ويا ليت قومي يعلمون من اغماهم المال فولغوا في دماء المسلمين بفتاواهم واعمالهم وصدقوا ان هذه ثورة شعوب وليست خيانة دولية ضد الامة غطاها القرضاوي بفاواه البائسة
10-05-2013 07:02 PM
د.تمارا
وانا أقرأ هذا المقال الرائع المتميز ارتفعت معنويات وايقنت ان هناك شباب ورجال في وطننا الحبيب متميزون ورائعون يدركون حقيقة المؤامره المبرمجه الممنهجه على سوريا الحبيبيه.
نعم هناك نثقفون في وطننا الغالي لا يغريهم قنوات العهر الاعلامي وقنوات الفتن والتحريض على سوريا .
احسنت ايها الكاتب المتميز امضي رغم قناعاتي ما ستواجهه من تيارات مضاده لكن حتما ستصل كلماتك الى القلوب لانها من القلب والعقل والفكر ومنبع الحقيقه
11-05-2013 09:55 AM
م.احمد الخطيب
مقال متميز ,مقال يكشف حقيقة المتملقين بعباءات الدين واصحاب الفتاوي الجاهزه,مقال يحتوى على كلمات تفوح منها رائحة الحقيقه التي لا يدركها الا القليل.
11-05-2013 10:26 AM
د تمارا منك وورا
بعيد المقالات المسمومه والافكار المحمومه اين التميز في نظرك غي المقال بل كله علل واعلال يا دكتوره اين انت قبل القنوات واين انت من الموت والاموات يا تمارا منك ورا نزلت اترانزيت في مطار دمشق ويا ليتني ما نزلت الفقر بالعيون اول مره اشوف الغيون تشحد يا تمارا
اما كلمتي للكاتب المميز يا ريا بافكارك تطلع شوكنا بلكي تاتي الفتوحات على يديك كونك لا تحمل اي انفصام ولا خصان لكنك شخثيه عربيه ومع ظاهرها وباطنها غير منفصله
11-05-2013 09:33 PM
الى تعليق رقم 12
بدنا من حضرتك مقال صحي ... بس على شرط تكون ..... لأنه أنا حاسه انه ...وحياتك بأفكاركم هاي رجعتوا الأمة مليون سنة للوراء ... تحية للدكتورة تمارا اللي الكل بعرف عقلانيتها ونزاهتها وموضوعيتها وتحية للكاتب الكبير اللي ان شاء الله على ايده وأيد أمثاله راح تصحى الأمة من سباتها العميق
12-05-2013 09:41 AM
الئ تعليق 13
جربتاكم قرن كامل جربنا الشرق والغرب وتمارا والافكار خلينا مره نرجع مليون بلكي تتبدل العيون الزرق والاسنان الفرق
خذيتونا من حدرا لدحديره بدنا نرجع الى العربي راعي الكوفيه بالعراقه والاصاله قرن كامل لفينا الحبل على الغارب وحلقنا اللحيه مع الشارب
12-05-2013 08:45 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات